لماذا مصر مُهِّمة؟ - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 5:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا مصر مُهِّمة؟

نشر فى : الثلاثاء 26 يناير 2010 - 11:06 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 يناير 2010 - 11:06 ص

 السؤال الذى يؤرق الكثيرين فى مصر، وبالذات فى بعض دوائر السلطة والناطقين باسمها فى وسائل الإعلام، هو لماذا يشغل العالم الخارجى نفسه بنا وبمشاكلنا، وبالأخص فى مجال حقوق الإنسان. سواء ما كان متعلقا بالحريات السياسية والديمقراطية أو بحقوق المرأة، أو بتصدع أسباب التسامح الدينى وما يؤدى إليه ذلك من نزاعات طائفية عنيفة بين حين وآخر؟..

وما هى الأهمية التى تتبوأها مصر وتجعلها محط الأنظار بصفة دائمة.. فما أن يقع حادث مثل مذبحة نجع حمادى حتى تتوالى الإدانات والاحتجاجات والتقارير الخارجية التى تدين مصر، وتحضها على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العنف وحماية الأقليات، أو الإفراج عمن ألقى القبض عليهم دون سند من القانون؟!

تتكرر هذه الظاهرة بصفة منتظمة على فترات متقاربة، وتحظى من العالم الخارجى بمراقبة دقيقة مزودة بمعلومات صحيحة فى الأغلب، تعقبها مباشرة تصريحات من الخارجية الأمريكية أو من البرلمان الأوروبى وجماعات الحقوق المدنية الدولية مثل هيومان رايتس ووتش والعفو الدولية وغيرهما. ويتوالى إرسال وفود إلى القاهرة مثل وفد الحريات الدينية الأمريكى باعتباره منظمة استشارية تابعة للكونجرس. بدعوى التحقيق فى العلاقات بين المسلمين والمسحيين..

فضلا عن عشرات المظاهرات الاحتجاجية التى يشارك فيها أقباط المهجر فى الخارج عموما وربما يقومون بتنظيمها أمام السفارات المصرية. وإذا كان البابا شنودة قد رفض مقابلة هذا الوفد أثناء زيارته للقاهرة، فليس من المستبعد أن يكون الوفد على اتصال بأقباط المهجر قبل وصوله.

يتساءل البعض لماذا لا يتركوننا فى حالنا؟.. هناك دول أخرى تقع فيها من الفتن والصدامات الطائفية والعرقية أضعاف ما يحدث فى مصر.. وتعانى من الاضطهاد والتمييز بدرجة عالية، ولا تتردد السلطات فيها فى البطش بكل ناشط أو داع للحرية؟ وقد وقعت أحداث مأساوية من هذا القبيل فى نيجيريا وليبيا والعراق تحت الاحتلال الأمريكى.. وغيرها وغيرها كثير فى دول عربية وأفريقية مجاورة. فلماذا تهرع أمريكا وأوروبا إلى التدخل فى شئون حياتنا كلما وقع حادث؟!

الحجة التى تقال دائما لرفض هذه الانتقادات والتدخلات، هى أن القوى الصهيونية أو اليمينية المعادية فى أوروبا وأمريكا، هى التى تحرض على اتخاذ قرارات تدين مصر. مع أن ما يحدث فى مصر شأن داخلى محض يخص مصر وحدها.. يعنى بصريح العبارة «هذه بلدنا ونحن أحرار فيها»! وهو منطق شعوبى بدائى لم يعد مقبولا فى العلاقات الدولية الحديثة.

لقد لجأت مصر إلى المنظمات الدولية حين وقعت أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول، وكاد مجلس الشعب يرسل وفدا من أعضائه إلى سويسرا لبحث أزمة بناء المآذن.

وما دامت مصر قد قبلت مراقبة الأوضاع فى دول أخرى، فلابد أن يكون الرد على مثل هذه الإدانات والتدخلات مختلفا ولا يكتفى بعبارة «وانتم مالكم»! خصوصا أن مصر ترتبط باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبى وأمريكا، تلزمها باحترام حقوق الإنسان وبالتسامح الدينى. ولا يصح أن نعامل العالم وكأن القوانين والمواثيق الدولية هى مجرد قصاصات ورق، ننفذها حين نريد ونتغاضى عنها حين لا نريد!
ونعود مرة أخرى للسؤال: لماذا تكون مصر مهمة للعالم؟

نحن نتكلم كثيرا عن دور مصر المحورى فى المنطقة. وهى حقيقة تاريخية وجغرافية وحضارية وبشرية يتعامل العالم معنا على أساسها. ليس بالطريقة التى نتعامل بها فى مباريات كرة القدم، حين يستقر فى الوهم الجمعى للأمة أن الفوز فى مباراة معناه أن ما نرتكبه من أخطاء لا حساب عليه.

بل إن تأثير مصر على ما حولها ومن حولها يتجاوز كثيرا من التوقعات. ليس فقط فى المجال السياسى ولكن فى شتى المجالات المعرفية الأخرى، وفى وجود منظومة قانونية متكاملة، وفى التطلع إلى الحكم الرشيد. ولا ينسى العالم ــ من ناحية أخرى ــ أن ينابيع الإرهاب والحركات الإسلامية المتطرفة جاءت من مصر، ومازالت ثمة خيوط تمتد خارجها إلى مراكز الأحداث الدولية، وما من خطوة نحو التقدم خطتها مصر، إلا ولحقت بها الدول العربية الأخرى.

ولكننا إذ نعترف بأن مساحة الحريات فى مصر قد اتسعت بدرجة ملموسة، إلا أن المعادلة الناقصة جعلت كل شبر يضاف إلى مساحة الحرية، تنتقص منه على الفور قيود أمنية غاشمة، تقلل من المصداقية وتضاعف الشكوك حول الإيمان بالعدالة والمساواة، والمثال هو اعتقال مجموعة الناشطين والمدونين من منظمات الحقوق المدنية الذين ذهبوا إلى نجع حمادى للعزاء أو لاستيضاع الموقف.

إن الدول التى تتعامل مع دول أخرى بمعايير مختلفة فى قضايا حقوق الإنسان والتسامح الدينى، لا ترتكب نفس الجرم الذى ترتكبه الدولة التى تعامل مواطنيها معاملة غير متكافئة أو عادلة. فانتهاك الدولة لحقوق مواطنيها هو الذى يستعدى انتقادات الآخرين وإدانتهم. إذ تبقى هذه المهمة منوطة بمجالس حقوق الإنسان فى البلد المعنى، أن يراقب تطبيق المواثيق والقوانين الدولية.

ونحن فى مصر مازلنا ننظر إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان كهيئة شبه حكومية، بدون سلطات نافذة. مهمته رقابية بالدرجة الأولى مثل الصحافة والإعلام. وربما لهذا السبب يصاب المجلس القومى بالسكتة فى لحظات الخطر والريبة التى يحتاج فيها ضمير الأمة للرأى الصائب والحكيم الذى يفرق الحق من الباطل كما فى حادث نجع حمادى.

ليس غريبا إذن أن يكون افتقارنا لثقافة الحرية والديمقراطية هو الذى يجعلنا فى الوضع الأدنى لشعوب العالم، ويصبح الاهتمام بنا اهتماما من أعلى إلى أسفل وليس اهتمام الند للند!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات