(برلمان الثورة) - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 2:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(برلمان الثورة)

نشر فى : الخميس 26 يناير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الخميس 26 يناير 2012 - 9:15 ص

حبست أنفاسى وأنا أجلس كالتلميذ أمام شاشة التليفزيون انتظارا لبدء أولى جلسات «برلمان الثورة». كنت دائما أعتقد أنه آن الأوان لكى تنتقل الثورة إلى الحالة المؤسسية كى تكون لها آلياتها الفاعلة فى صنع القرارات التى تحقق أهدافها وتحميها، ولما كان البرلمان هو أول مؤسسة يمكن أن تُنسب إلى الثورة كان الحدث مفعما بمشاعر الأمل والثقة. لم أكن ضمن المتشائمين من تكوين البرلمان الذى غلب عليه التيار الدينى، مع أننى لا أنتمى لهذا التيار، وكانت ثمة دوافع عديدة لتفاؤلى: أولها أن هذا التكوين جاء تعبيرا عن إرادة الشعب بغض النظر عما قيل عن تجاوزات شابت الانتخابات، أما الدافع الثانى فهو أن حزبا بعينه لم يحصل على الأغلبية المطلقة، وهو ما يعنى أن حزب الأغلبية النسبية سيتعين عليه اللجوء إلى بناء تحالفات حزبية كى يمرر سياساته، وعلى الرغم من أن تحالف حزب الحرية والعدالة مع حزب النور كان سيحقق لهما أغلبية كاسحة داخل المجلس إلا أن مؤشرات بعينها توفرت على صعوبة ائتلافهما ربما لصراع على قيادة التيار، أو تحسبا من الحرية والعدالة للأطروحات المتشددة لحزب النور، وثالث الدوافع أنه على الرغم من الأغلبية الكبيرة لممثلى التيار الدينى داخل البرلمان فإنه ضم بين جنباته ما لا يقل عن مائة عضو من المناضلين الأشداء القادرين على التصدى لأية ممارسات مجحفة بالديمقراطية وكشفها للرأى العام، ورابعها ما اتفق عليه قبل افتتاح البرلمان من أن تكون قيادة المجلس قسمة بين أكبر ثلاثة أحزاب داخله، فالرئاسة للحرية والعدالة والوكالة لحزبى النور والوفد، وهو ما يدل على رغبة فى التوافق وعدم الاستئثار، وأخيرا وليس آخر كان مبعث تفاؤلى الأساسى إيمانى بأن الشعب المصرى قد استيقظ ولن يسمح مجددا بأن تُسلَب منه حريته أو بعضٌ منها.

 

●●●

 

لكن الرياح أتت بما لا تشتهى السفن. بدأ البرلمان أعماله «بمعركة أداء القسم»، إذ رأى بعض المنتمين إلى التيار الدينى، وتحديدا حزب النور، أن يضيف إلى القسم «بما لا يخالف شرع الله»، وعبثا حاول «رئيس السن» أن يوضح عدم دستورية هذه الإضافة، إذ أخذت تتكرر من حين لآخر، وبدأت أمانة الجلسة تغلق الميكروفون بمجرد انتهاء العضو من أداء القسم الأصلى، وهنا لجأ البعض إلى البدء بالعبارة وليس الاختتام بها، وأصبح المشهد لا يخلو من فكاهة. والأسوأ أن بعض ممثلى التيار الثورى والليبرالى أخذ بدوره يضيف ما عنّ له من عبارات تتعلق بحماية أهداف الثورة أو مصالح الشهداء، وذكر أحدهم تبريرا لما فعل أن القاعدة كُسِرَت ومن ثم لا يُلام من يعاود كسرها، وهو مبدأ خطير، لكن المحزن أن يأتى من نائب ثورى شاب تشير كل المؤشرات إلى أن دورا كبيرا ينتظره فى قيادة هذا البلد.

 

وبعيدا عن شكلية الالتزام الحرفى بنص القسم دعونا نركز على المضمون. تحفظ المخالفون على النص بإضافة عبارة «بما لا يخالف شرع الله»، ولنناقش ما الذى يمكن أن يخالف شرع الله فى هذا النص: أهو الحفاظ على سلامة الوطن؟ أم الحفاظ على النظام الجمهورى الذى لا يعدو أن يكون جوهره توسيعا لفكرة «البيعة»؟ أم رعاية مصالح الشعب؟ أم أن شرع الله يمكن أن يوجب رعاية مصالح «جزء» من الشعب وإهمال الجزء الآخر؟ أم احترام الدستور والقانون؟ ولنتوقف قليلا هنا، إذ قد يأتى الدستور أو قانون ما بما يعتبره هؤلاء مخالفا لشرع الله، لكن المسألة بسيطة، لأن البرلمان نفسه يملك المفاتيح الأساسية فى صياغة الدستور الجديد، وهو قادر على تغيير البنية القانونية الراهنة إن أراد، غير أن جوهر المسألة خطير، فالدستور والقوانين تقرهما الأغلبية، فهل يسوغ هذا عدم التزام الأقلية بهما؟ وما القول فى عضو هيئة تشريعية جوهر عملها صنع القوانين لا يلتزم بهذه القوانين أو حتى الدستور؟ وأى فوضى عارمة يمكن أن تلحق بنا فى هذه الحالة؟ ثم ما هو المقصود بشرع الله؟ أهو فهم العضو المحترم أو غيره من الفقهاء لهذا الشرع، وهو فهم إنسانى لا يلزم الآخرين بالضرورة؟ أم أن المقصود هو نص قرآنى صريح؟ وفى هذه الحالة يجب أن نسلم بأن بعض النصوص القرآنية لحكمة إلهية سامية «كآية الشورى» يتسم بالعمومية كى يُترَك للبشر أن يجتهدوا بما يلائم أحوالهم فى إطار النص القرآنى العام. المسألة إذن تتجاوز بكثير شكلية إضافة عبارة أو أخرى إلى القسم لتضرب صميم الالتزام بفكرة القانون، وتحيل الأمر إلى فوضى تشريعية وسياسية كاملة.

 

فى الشكل الذى لا يمكن أن ينفصل عن المضمون كان الغياب شبه التام للالتزام بالنظام فى المناقشات، فلا احترام لحق الكلمة للآخرين، ولجأ البعض إلى مغادرة مكانه إلى المنصة لكى يُسمِعَ رئيس الجلسة رأيه قسرا، كما استخدم البعض حيلا قانونية (كأن يطلب الحديث فى مسألة تتعلق باللائحة) لكى ينتزع حق الكلمة فيما ليس له علاقة باللائحة. والمشكلة أن هذه الخلافات الحادة قد حدثت بشأن قضايا يُفترض أنها غير خلافية، فما الذى يمكن أن يحدث عندما نصل إلى صميم قضايا الخلافات الجوهرية؟

 

●●●

 

بعيدا عن الشكل أثير بعض قضايا المضمون التى تحتاج وقفات متأنية لا يسمح الحيز الراهن بها، كالمطالبة بمحاكم ثورة للمتهمين من أركان النظام السابق، وهى مطالبة تثير مجددا قضية استمرار ثورة يناير فى النهج الذى ارتضته منذ بدايتها بأن يُحاكَمَ خصومها وفقا للقانون العادى تأكيدا لمبدأ العدالة القانونية أم السير فى طريق العدالة السياسية بما تحققه من سرعة فى الإنجاز وغلظة فى العقوبة مع احتمالات إلحاق ظلم ولو ببعض المتهمين. كذلك كان ثمة إجماع على تشكيل لجنة تقصٍ للحقائق فى كل ما جرى على أرض مصر منذ بدء الثورة وحتى الآن، وهو مطلب ضرورى، لكن اتساع تركيب اللجنة وتعقد مهامها ينذر بأن عملها سوف يمتد طويلا بما لا يحقق مطالب الثوار. كذلك توقفت طويلا عند رفض المجلس اقتراح العضو صبحى صالح إضافة الدكتورة سوزى ناشد إلى عضوية اللجنة كممثلة للمرأة فيها باعتبار أن تركيبها الحالى يخلو من أية نائبة، وقد كان بالمناسبة الرفض الوحيد لإضافة أعضاء للجنة، وتركنى هذا الرفض حائرا بين أمرين كليهما مر: أن يكون بسبب الجنس أو الديانة.

 

وأخيرا وليس آخر جاء الخلاف الخطير حول تكوين مكاتب لجان البرلمان، فعلى عكس تصريحات ممثلى الحرية والعدالة بأنهم لا يريدون سوى رئاسة ست من اللجان التسعة عشر كان واضحا أن الحزب لم يترك من لجان خارج التحالف الديمقراطى الذى قاده سوى الفتات، وهو ما أدى إلى قطيعة بينه وبين كتل حزبية عديدة رأت فى هذا رغبة فى الاستئثار، بل لقد وصل الخلاف إلى حزب النور الذى اعتبر أن ما هو مطروح عليه لا يتناسب مع ثقله داخل البرلمان، مع أن الاستئثار ليس فى صالح الحرية والعدالة لأن المسئولية ستكون على عاتقه وحده، مع أنه بثقله داخل البرلمان يستطيع أن يلعب الدور الأساسى داخل اللجان فى كل الأحوال، وقد أثار هذا الخلاف تساؤلا مشروعا حول ما إذا كانت النزعة التوافقية التى سادت عند ترشيح رئيس المجلس ووكيليه تعود بالأساس إلى أن مرشح الحرية والعدالة لا يضمن الفوز دون رضا آخرين من خارجه، وتداعت إلى الأذهان التصريحات الأولى فى أعقاب الثورة بخصوص أن الإخوان المسلمين لن ينافسوا سوى على 35% من مقاعد البرلمان، ثم ارتفعت النسبة إلى 50% (لكى نضمن الفوز بـ35%) إلى أن وصلنا إلى المنافسة فى كافة الدوائر، وكم يتمنى المرء أن يعيد الحزب حساباته من أجل مستقبل التجربة البرلمانية الوليدة عامة ومستقبله السياسى خاصة.

 

●●●

 

على الرغم من كل ما سبق ما زالت فى جعبة التفاؤل بقية، وربما يكون الرهان الأساسى على عنصر الزمن والقدرة على التعلم وإلا فإن روائح ممارسات الحزب الوطنى سوف تتسلل إلى قاعة «برلمان الثورة».  

 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية