من رضى بقليله - محمود قاسم - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من رضى بقليله

نشر فى : السبت 26 يناير 2019 - 1:00 ص | آخر تحديث : السبت 26 يناير 2019 - 1:00 ص

السينما المصرية هى الوحيدة فى العالم التى تطلق على العاملين بها تسميات اضافية تعنى تميزهم، وغالبا ما تبدأ التسميات فى صفحات الصحف الفنية، خاصة التافه منها، كأن نقول الزعيم عادل امام، والعندليب الأسمر، وقد ظلت التسميات تطارد السينمائيين بما يرضى مشاعرهم بالتميز. مثل وحش الشاشة، نجمة الجماهير، ونجمة مصر الأولى، وهذه التسمية الأخيرة انتقلت من مارى كوينى فى الأربعينيات إلى نبيلة عبيد بعد نصف قرن، وعادة ما يتم هذا فى اعلانات الصحف، وأحيانا جدا فى الافيشات المطبوعة التى تعلق فى الشوارع، وقليلا ما نراها على الشاشة نفسها، باعتبار أن الهدف منها جذب المتفرج لشراء التذكرة، وطالما أنه جاء فقد تحقق الهدف، ولا داعى لمحاولات أخرى.
لكن الذى حدث فى العناوين الداخلية لفيلم «من رضى بقليله» اخراج بهاء الدين شرف 1954، ليس له مثيل بالمرة فى كل افلام العالم التى شاهدناها، سواء فى السينما التجارية أو غيرها، خاصة أننا أمام فيلم متواضع القيمة، لكن الظاهرة تكشف أن المنتج عليه أن يفعل ما بدا له، ولا يوجد من يراجعه، وهو لم يتصرف بأى سلوك يحاسب عليه أو يعرضه للانتقاد، أوالعقوبة، ولكنه قد يقابل بالتعجب، أو التجاهل، والحقيقة أن الأمر استوقفنى بشدة، دون التوصل إلى السبب الحقيقى لما فعلته الشركة المنتجة وصاحبها المؤلف مدير التصوير.
الحكاية ان هناك تسمية خاصة أطلقها المنتج على كل ابطال فيلمه فى العناوين الداخلية، وهم جميعا ليسوا من نجوم الشباك فى تلك الفترة، ولعلها البطولات الأولى، لكن ليس هناك الزام بذلك، فهناك افلام فى تلك الفترة لها الحالة نفسها لكن أصحابها لم يفعلوا ذلك، ومنها فيلم «فى صحتك» مثلا، ويهمنى ان أذكر الاسماء كما جاءت فى العناوين.
مطربة لبنان الجميلة «نزهة يونس» / الممثلة المحبوبة «شريفة ماهر» / الممثل البارع / «عمر الحريرى» / خفيفة الروح « وداد حمدى» / الكوميدى الشعبى «محمود شكوكو» / الراقصة الفاتنة «هدى شمس الدين».
وكما هو واضح فإننا امام فيلم كوميدى خفيف الظل، وقد يكون الأمر مجرد ايفيه من طرف المنتج، اكثر منه محاولة للدعابة الخفيفة، وربما أن المنتج بدأ حياته فى مهنة أخرى ذات علاقة بما فعل.
الجدير بالاهتمام فى هذ الفيلم هو اسم المخرج مصطفى حسن، فهو أيضا المنتج صاحب شركة الانتاج «العالم الجديد»، وهو أيضا كاتب القصة والسيناريو ومدير التصوير، بما يعنى ان الفيلم كله ينتمى فكرا وتنفيذا إلى هذا الاسم، وعنوان الفيلم كما نرى هو واحد من عشرات العناوين التى تستمد من الأمثال الشعبية المصرية وايضا لها معنى اخلاقى اجتماعى مثل «الصبر طيب»، و«ماحدش واخد منها حاجة»، و«إن ربك لبالمرصاد»، و«السعد وعد»، و«السماء لا تنام» وغيرها، والهدف هنا أيضا أخلاقى ثم «من رضى بقليله» عاش وموضوعه يدور فى هذا الاطار، وفى الحوار الذى كتبه عبدالله أحمدعبدالله، الكثير من الامثال الشعبية التى تعضد هذا المعنى، كما ان الفيلم يبدأ بإلقاء الضوء على مواطنين غير راضين بواقعهم رغم انهم يعيشون فى ظروف افضل من غيرهم، مثل صاحب المحل الذى ينعى حظه رغم كثرة الزبائن، والثرى الذى على مائدته أنواع متعددة من الأطعمة يزعم ان الفقراء قادرون على التهام الطعام الخشن، ثم تبدأ القصة مع سعيد وزميله وجاره، كل منهم متزوج من امرأة تحبه، لكنه لا يشعر تماما بالرضا، وفى العمل يتعرضان لظروف تدفع بهما إلى الفصل، وتقودهما الأقدام إلى ملهى ليلى، ويحذرهما السائق أنه خسر حياته عندما دخل المكان، لكنهما بالداخل يلتقيان بشقيقتين، تطمعان فى الاقتران بهما ظنا منهما أن الشابين من الأثرياء، وغير متزوجين، وتحاول الزوجتان استعادة الرجلين، ثم يدخل الفيلم فى عوالم فانتازية تبدو شديدة الغرابة، حيث يعثران على خاتمين لهما القدرة على اخفاء من لبسهما. أى إننا امام فيلم له مغزاه الأخلاقى، وهو ملفوف بالأجواء الكوميدية.
ولا تزال الظاهرة التى نتكلم عنها موجودة لدى بعض نجومنا اليوم لكنها ابدا لم تتكرر بالصورة التى حدثت فى الفيلم الذى تحدثنا عنه.

التعليقات