بين حقوق الأسرة واللاطبقات فى الإسلام - رجائي عطية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 8:24 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بين حقوق الأسرة واللاطبقات فى الإسلام

نشر فى : الأربعاء 26 يناير 2022 - 10:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 يناير 2022 - 10:15 م
عن الإسلام عناية جمة، بحقوق الأسرة، من حيث الروابط الزوجية، فقد جاء الإسلام فيها بالجديد الصالح، وأقام حقوق الزوجين على أساس العدل بينهما، وأقام العدل على أساس المساواة بين الحقوق والواجبات.
ولم يهبط الإسلام بمنزلة المرأة فى جانب من جوانب حياتها العامة أو حياتها البيتية، بل وارتفع بها من الدرك الذى فرض عليها فى الحضارة الرومانية، وفى الحضارة الهندية، وفى الحضارة المصرية، وفى بداوات الجاهلية العربية التى لاقت فيها المرأة شرًّا كبيرًا.
«وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ» (النحل 58، 59).
«وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ» (الزخرف 17).
فرفع الإسلام عن المرأة الوصمة التى كانت تعامل بها، وخولها من الحقوق ما يساوى حقوق الرجل فى كل شىء، فيما عدا القوامة التى جعلها للرجال حتى تستقيم وتنتظم أحوال الأسرة.
«الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» (النساء 34).
«وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكيمٌ» (البقرة 228).
وكثيرًا ما يخطئ البعض معنى القوامة وغايتها.
لعل أول ما يجب الالتفات إليه، أن الإسلام ليس الذى أتى بتعدد الزوجات، فقد كان موجودًا وبإسراف بغير حد قبل الإسلام.
فوضع الإسلام حدودًا لذلك، ولم يمنع الاكتفاء بزوجة واحدة، بل استحسنه وحض عليه، ولم يوجب تعدد الزوجات بل أنكره وحذر منه وأبان أن العدل الذى شرطه له بعيد عن التحقيق مع الحرص عليه.
فليس صحيحًا أن الإسلام هو الذى أباح تعدد الزوجات، وهذا يبدو من مراجعة يسيرة لأحكام الزواج فى الشرائع القديمة، وفى شرائع أهل الكتاب، فلا حجر على تعدد الزوجات فى شريعة قديمة سبقت قبل التوراة والإنجيل. ولا حجر على تعدد الزوجات فى التوراة أو فى الإنجيل، بل هو مباح مأثور عن الأنبياء أنفسهم من عهد إبراهيم الخليل إلى عهد الميلاد، ولم يرد فى الأناجيل نص واحد يحرم ما أباحه العهد القديم للآباء والأنبياء ولمن دونهم من الخاصة والعامة، وما ورد فى الأناجيل يشير إلى الإباحة فى جميع الحالات والاستثناء فى حالة واحدة. وهى حالة الأسقف حين لا يطيق الرهبانية فيقنع بزوجة واحدة اكتفاء بأهون الشرور. وقد استحسن القديس أوغسطين أن يتخذ الرجل سرية مع زوجته إذا عقمت هذه وثبت عليها العقم، وحرم مثل ذلك على الزوجة إذا ثبت عقم زوجها لأن الأسرة لا يكون لها سيدان، واعترفت الكنيسة بأبناء شرعيين للعاهل شرلمان من عدة زوجات، وقال وستر مارك westermark العالم الثقة فى تاريخ الزواج أن تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقى إلى القرن السابع عشر وكان يتكرر كثيرًا فى الحالات التى لا تحصيها الكنيسة والدولة، وعرض جروتيوس grotius العالم القانونى المشهور لهذا الموضوع فى بحث من بحوثه الفقهية فاستصوب شريعة الآباء العبرانيين والأنبياء فى العهد القديم».
الإسلام إذن لم يأتِ ببدعة أباح بها تعدد الزوجات، وإنما كان الجديد الذى أتى به أنه أصلح ما أفسدته الفوضى من هذه الإباحة المطلقة من كل قيد، التى طفق الأستاذ العقاد يبين المعالم التى كانت عليها قبل الإسلام.
ومن حسنات التشريع الإسلامى، أنه لم يبح التعدد إلاَّ للضرورة القصوى، واشترط فيه العدل ونبه إلى صعوبة الوصول إليه مع الحرص عليه.
«فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً» (النساء 3).
«وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ» (النساء 129).
واشترط له القدرة على أعباء وتكاليف الزوجية، إلى غير ذلك مما يجب توفيره للأسرة.
«... أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ» (الطلاق 6).
«... وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (البقرة 233).
ووضع ضوابط وألزم بواجب الإحسان إذا استحالت العشرة وانفصمت آصرة الزواج.
«الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ» (البقرة 229).
ولا يفوت الأستاذ العقاد أن يذكر أن الحيطة فى كل ذلك بيد الزوجة، فقد جعل الإسلام لها سلطانًا فيما ترتضيه أو لا ترتضيه يعادل سلطان التشريع، فإن شاءت قبلت وإن شاءت رفضت.
وفى الحديث الشريف:
«لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن».
«إن الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها».
وقد أبطل النبى عليه الصلاة والسلام زواجًا أكرهت عليه بكر بأمر أبيها، فلما نصفها أبدت الفتاة أنها الآن قد أجازت ما صنع أبوها، وأنها إنما أرادت أن تعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شىء.
المودة والرحمة
يقول الله تعالى فى كتابه العزيز!
«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم 21).
فلا زواج فى شرعة الإسلام، بغير مودة ورحمة، ولا حكمة للزواج عنده إن لم يكن ملاذًا يأوى إليه الزوجان معًا قوامه السكن والعشرة.
وقوام هذه العشرة تقسيم العمل والواجبات بين الزوجين، على أساس أن كلاَّ منهما ميسر لما خلق له، ولا تثريب على حواء أنه من قديم الزمن هيأت الأمومة طبيعة المرأة لتدبير البيت وتزويده بزاد المودة والرحمة. ولا غضاضة فى أن يفرض ذلك على الرجل شطر الكفاح وكفاية أهله مئونة الكدح والصراع.
أما ضبط هذه العلاقة وما يبيحه أو يستوجبه، فلا بأس علينا إذا تركناه باعتبار مضامينه متغيرة تتغير بتغير الزمان والمكان وطبيعة العصر، وما صار يكتسبه الطرفان من مكتسبات قد تغدو معها بعض الوسائل القديمة خارج نطاق العصر والزمن.
وجملة القول فيما يختم به الأستاذ العقاد هذا المبحث، أنه وفقًا للإسلام فإن المرأة والرجل ندان متساويان متعادلان.
أما موضوع الطبقات، أو بالأحرى نفى الطبقات فى الإسلام، التفت إليه من تأملوا مليَّا فى الإسلام، وآيات قرآنه، وسنة نبيه.. وقد سبق للأستاذ العقاد وأن تناول هذا الموضوع فى كتابه «الفلسفة القرآنية» الصادر عام 1947، وعاد إلى نفس الموضوع فى كتابه: «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه»، وقد كان خلاصة ما أبداه فى «الفلسفة القرآنية»، أن القرآن الحكيم أعطى المساواة بين الناس حقها، وأعطى التفاوت حقه بين الآحاد والطبقات (وفضلنا شخصيًا تعبير الدرجات): فالتفاوت حكم الواقع، وليس بذاته سببًا للظلم أو الجور أو الإجحاف بالحقوق، فالتفاوت موجود، وهو لازم باعتباره من حقائق الحياة وتفاوت الناس فى المواهب الطبيعية وفى القدرات المكتسبة.
ولكن القرآن أعطى للمساواة حقها، فى شأن الناس بعامة، وفى شأن الرجل والمرأة، ولم يميز أحدًا لجنس أو غنى أو جاه أو نسب أو سلطة أو نفوذ، وإنما الجميع إخوة لهم على الجماعة ذات الحقوق، وعلى كل واجباته بقدر سعته.
والأستاذ العقاد لا يخرج هنا عن المبادئ والخطوط العامة التى سبق أن كتبها فى الفلسفة القرآنية، فيشير إلى أن الناس اعتادوا تقسيم الطبقات إلى غنية، وفقيرة، وميسورة.. أو عليا ودنيا ووسطى..
فما هو موقف الإسلام من هذه الطبقات؟
Email:rattia2@hotmail.com
www.ragai2009.com
التعليقات