استدعاء الغضب! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 11:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استدعاء الغضب!

نشر فى : الجمعة 26 فبراير 2016 - 11:20 م | آخر تحديث : الجمعة 26 فبراير 2016 - 11:20 م
كان متوترا جدا.. غاضبا للغاية.. سيطر عليه شعور بالخذلان من الجميع.. كيف لهم أن يعارضوني؟..أنا من طهرت الأرض.. وحررت الارادة.. واسترددت الكرامة.. وكشفت الغمة.. وأعدت الأمل للأمة.. فهل جزاء كل هذا تلويث سمعتى.. والتطاول على أسرتى.. والتحريض ضدى على كل منبر؟.. اليوم واليوم فقط. .لا عاصم لكم منى!!.

هكذا حدث الرئيس الراحل أنور السادات، نفسه قبل أن يحمل ملفاته المتخمة بالأوراق، ويتجه إلى «بيت الشعب»، فى 5 سبتمبر1981، ليفتح النار على الجميع ــ سياسيين وإعلاميين ورجال دين وطلاب الجامعات ــ متوعدا بسحق كل من يعارضه أو ينتقده، وذلك بعد يومين من حملة اعتقالات طالت أكثر من 1500 شخصية، عرفت فيما بعد بـ«اعتقالات سبتمبر» الشهيرة.

بعد 35 عاما، وبالتحديد صباح الأربعاء الماضى، استدعى الرئيس عبدالفتاح السيسى، حالة الغضب الساداتى وقال خلال إطلاق مبادرة «رؤية مصر 2030» فى مسرح الجلاء،: « ماحدش يفكر إن طولة بالى وخلقى الحسن معناه إن البلد دى تقع.. قسمًا بالله اللى هيقرب ليها هشيله من فوق وش الأرض».

خطاب السيسى «الصادم والمخيف» كان محور حديث الإعلاميين والسياسيين وكذلك النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى، ولم يترك الجميع كبيرة ولا صغيرة مما ورد فى الخطاب إلا وتناولوها بالتحليل والتدقيق والنقد، بل إن بعضهم لجأ إلى السخرية من بعض العبارات التى وردت فيه، لكن الجميع لم يركز على الأسباب، التى دفعت الرئيس لاستدعاء حالة الغضب الساداتى، رغم ان الظروف والسياقات تبدو مختلفة بشكل كبير.

فى تقديرى أن السيسى جاء إلى الحكم، محملا باعتقاد راسخ، وهو أن ما أقدم عليه الثالث من يوليو 2013، عندما قرر – كقائد للجيش ــ الانحياز إلى الشعب فى ثورته ضد حكم «الجماعة الظلامية»، يمنحه رصيدا هائلا من محبة وتقدير المصريين، ويحصنه من الانتقاد، وهو ما لم يحدث حتى من المقربين له، الأمر الذى ترك لديه «غصة فى القلب» واحساس بالخذلان.

ربما يكون هذا الأمر مفهوما أو مبررا «إنسانيا»، لكنه فى غير محله «سياسيا»، لأن السيسى عندما خلع بزته العسكرية، ودخل معترك الحياة السياسية كرئيس مدنى، كان عليه انه يكون مستعدا، لقواعد جديدة فى العمل، تعتمد فى جوهرها على حجم الإنجاز الذى يقدمه لشعبه، ويخرس به خصومه السياسيين.. هذا ما يحدث فى كل بلاد العالم، والا ما كان الجنرال شارل ديجول، الذى قاد تحرر فرنسا من الاحتلال النازى خلال الحرب العالمية الثانية، وأول من تبوأ منصب الرئيس فى الجمهورية الخامسة التى أسسها، قدم استقالته عام 1969، عندما فشل فى إقناع شعبه بتمرير التعديلات الدستورية التى اقترحها.

هناك مبررات أخرى لهذا الاستدعاء، منها «كل حتة فيكى يا مصر مليانة مشاكل» ــ بتعبير الرئيس نفسه ــ والضغط الاقتصادى الرهيب، الذى تواجهه البلاد، وانخفاض الرصيد الدولارى للدولة، واحجام رأس المال الخاص عن الاستثمار، اعتراضا على اطلاق يد «الهيئة الهندسية» فى تنفيذ العديد من المشروعات، وهو ما لا تراه الرئاسة صحيحا.. فالاعتماد على الهيئة الهندسية ــ من وجهة نظرها ــ يحقق هدفين هما سرعة وجودة الإنجاز، والثانى هامش الربح البسيط الذى لا يقبل به القطاع الخاص.

ايضا ملف الحريات، كان من العوامل التى ساهمت فى استدعاء الغضب الساداتى، فما تحاول الرئاسة تسويقه، من أن قضية «البناء والبقاء»، يجب أن تسير وتمضى أولا، لا يجد آذانا صاغية عند معارضيها، الذين يصرون على ان الحريات يجب أن تكون فى المقدمة، وهم فى سبيل ذلك لا يتوانون، عن توجيه الانتقادات اللاذعة العنيفة للنظام، ما ساهم فى رفع منسوب الغضب لديه.

فى تقديرى أن هذه العوامل مجتمعة، كانت وراء الاستدعاء، لكنه استدعاء خطر، فمصر 2016 لا تصلح معها روشتة سبتمبر81، والرئيس الذى يدعو للاصطفاف الوطنى، لايحتاج إلى توسيع الفجوة مع من يقفون معه فى الجبهة نفسها.. الوقت لا يزال فى صالح السيسى لتصحيح المسار وتصويب الأخطاء؛ حتى يشارك الجميع عن قناعة فى «البناء والبقاء».
التعليقات