مصريات فى عيون بعض الرحالة والمستشرقين - قضايا المرأة - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصريات فى عيون بعض الرحالة والمستشرقين

نشر فى : الثلاثاء 26 مارس 2019 - 1:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 مارس 2019 - 1:45 ص

نشر موقع بى بى سى ــ عربى مقالا للكاتب «وائل جمال الدين» بعنوان «مصريات فى عيون بعض الرحالة والمستشرقين» تكلم فيه عن الطريقة التى نظر بها الغرب إلى النساء المصريات قديما، وكيف وصفوا حياتهن وعاداتهن فى كتاباتهم ولوحاتهم.

ترك كتاب «ألف ليلة وليلة» وما يضمه من حكايات شهر زاد النابضة بحياة وعادات الشرقيين أثرا بالغا لدى الغرب لما يحويه من مواضع حول الحب، والعشق، كما ترك الكتاب انطباعا ظل عالقا فى الأذهان عن عالم الشرق المبهج ونسائه الجميلات، لاسيما بعد ظهور أول ترجمة له على يد أنطوان جالان عام 1704، باللغة الفرنسية.

وانتظرت أقلام الأوروبيين حتى منتصف القرن الثامن عشر لتشكل صورة جديدة عن عالم الشرق ومركزه مصر، وذلك من خلال تفاعل مباشر مع بيئتها الفريدة، وانتعاش الرحلات إليها واكتشاف مدنها وطبائع أهلها ونسائها، أثمرت عن ملاحظات دونها رحالة ورسمها فنانون لأغراض تاريخية وتجارية، حاولوا من خلالها سبر أغوار حياة المصريين فى تلك الفترة.

واحتلت مصر مكانة خاصة فى الأدب الرومانسى الفرنسى، ووفد إليها كبار الكتاب والفنانين ورحالة أمثال سافارى، وفولنى، وجيرار دى نرفال، ومارميه، وفلوبير، ومكسيم دى كوم، وجان جاك أمبير، الذين لم تخلُ كتاباتهم من استغراق فى تأمل المرأة المصرية وعاداتها الشرقية، مقارنة بنساء الغرب.

«المصرية بين سافارى وفولنى»
كان من أبرز ما ظهر خلال القرن الـ 18 كتابان عن رحلتين استحقتا اهتمام المؤرخين، أسهمتا فى تشكيل صورة ذهنية لطبيعة ذلك البلد وأهله لدى الغرب، لاسيما قبل مجىء الحملة الفرنسية 1798، الأول بعنوان «رسائل عن مصر» للرحالة الفرنسى كلود إيتان سافارى عامى 1785 و1786، والثانى بعنوان «رحلة إلى سوريا ومصر» كتبه قسطنطين فرانسوا فولنى عام 1787. وحقق الكتابان رواجا فى ذلك الوقت.

قدم سافارى أول صورة حية رشيقة للمرأة المصرية فى بيئتها اختلفت بالطبع عن المألوف فى قصص «ألف ليلة وليلة»، قائلا: «تذهب الريفيات لغسل ملابسهن وجلب المياه. كلهن يغتسلن واضعات جرارهن وملابسهن على الشاطئ، ويفركن أجسادهن بطمى النيل ثم يندفعن إلى المياه ويتلاعبن بالأمواج. شعورهن مجدولة تطفو على أكتافهن، وجلودهن سمراء لوحتها الشمس، ومعظمهن جميلات ممشوقات القد».

بينما يطالعنا فولنى فى رحلته بسخرية من وصف سافارى السابق، بعين مختلفة تماما وهو يتحدث عن ريف مصر، على سبيل المثال، ونسائه قائلا: «لا يمكن بأى حال أن يُذكر قدُ ممشوق لامرأة مصرية، لوحته الشمس وكساه العرق وهن يستحممن، إلا إذا كان يعانى (يقصد سافارى) من إحساس كبير بالحرمان».

يطرح هذا التضارب بين اثنين من أشهر رحالة القرن الـ 18 تساؤلا بشأن حقيقة ما نقله الرحالة بالفعل عن المرأة ومصر عموما، والذى تأثر بدون شك بالنزعة الفكرية للكاتب نفسه على نحو طمس تفاصيل أخرى لذلك السياق، وهو ما دفع المؤرخ الفرنسى جون ــ مارى كاريه فى دراسته «رحالة وكتاب فرنسيون فى مصر» إلى الحديث عن هذا التناقض بينهما قائلا: «رحلتا سافارى وفولنى مختلفتان كاختلاف مؤلفيهما. لم يكن سافارى غير رحالة، أما فولنى فقد أراد أن يكون فيلسوفا. كان سافارى مشبعا بالمدرسة الرومانسية وبروح روادها، روسو وبرناردان دى سانت بيير، كاتبا على طراز شاتوبريان، أما فولنى فكان قلقا حذرا مترقبا متشائما أميل إلى الإحساس دوما بخيبة الأمل».

المصرية فى «وصف مصر»
جاء علماء الحملة الفرنسية (1798ــ1801) وحسموا الكثير من علامات الاستفهام فى دراسات كتاب «وصف مصر» وقدموا صورة مكتوبة مصحوبة لأول مرة بلوحات أقرب إلى تصوير واقع المجتمع والمرأة المصرية على نحو يغاير أعمال من سبقوهم من الرحالة فى القرنين الـ 17 و18، والتى ظلت عالقة فى مخيلة القارئ الغربى الباحث عن الصور الخيالية الأقرب لأساطير «ألف ليلة وليلة».

وكتب العالم الفرنسى دى شابرول أول دراسة علمية مستفضية بعنوان «دراسة فى عادات وتقاليد سكان مصر المحدثين» ضمن دراسات كتاب «وصف مصر»، ووصف المرأة المصرية فى الطبقة العليا على أنها دائما ما كانت مستريحة تحيط ها الإماء، يقومون بكل ما تريده وبالتالى سيدات الطبقة العليا دائما ما كان وزنهن زائدا. ثم ينتقل شابرول إلى وصف يناقض تماما المشهد السابق عن طبيعة المرأة المصرية فى الطبقة الدنيا. فالنساء فى الطبقة الدنيا دائما ما كن مهمومات بأمور المنزل ومساعدة أزواجهن فى العمل، وبالتالى أجسادهن كانت قوية ورشيقة.

وعن اهتمام المصرية بجمالها، لفت نظر العالم الفرنسى جان ــ فرانسوا شامبليون سحر المرأة وطريقة تزيين جسدها بالوشوم أثناء زيارته لمصر فى عام 1828 (لمدة 18 شهرا)، ووصف فى رسالة كتبها وردت ضمن «مجموعة الرسائل واليوميات خلال رحلة مصر» التى جمعتها المؤرخة هرمين هارتلبن طريقة استخدام النساء للوشوم على الذقن والذراعين فى (كفر الزيات)، وما كن تستخدمنه من إبر لعمل ذلك الوشم الذى غالبا ما كان أزرق اللون، فتغمس الإبر فى الحبر أو فى مسحوق الفحم المذاب فى الماء ثم تغرز فى البشرة حتى تدمى لعمل الشكل المطلوب. وأضاف شامبليون أن هذه الوشوم كانت زهيدة الثمن.

المصرية فى «الحرملك»
كان رسم النساء فى مخادعهن الموضوع الأكثر إثارة فى كتابات الرحالة ولوحات الفنانين، وكان حظر دخول الغرباء إلى ما يعرف بـ«الحرملك» سببا أطلق العنان لمخيلة هؤلاء الكتاب والرسامين لينسجوا فى أعمالهم ما قد يحدث وراء تلك الأبواب.

وكلما كانت الطبقة الاجتماعية التى ينتمى إليها الرجل أعلى، زاد التقييد على حرية النساء فى داره، ليصبحن سجينات العادات والتقاليد والمحرمات، وعلى الرغم من اهتمام الغرب بالحياة المنزلية والعائلية، إلا أن مشاهد الأمومة كانت نادرة فى أعمال الرحالة والفنانين، وصورت المصريات مشغولات بالنشاطات اليومية فى أغلب الأحيان.

كما جرى العرف على تصوير المرأة مهووسة بصنوف اللهو والتسلية، وكما وصف المؤرخ الإنجليزى إدوارد لين فى دراسته «عادات المصريين المحدثين» بين عامى 1833ــ1835، فيقول إن المرأة المصرية كانت تصبح أكثر سعادة فى غياب زوجها وتصبح مقيدة تماما بحضوره.

كما كانت أسطح المنازل مكانا محببا للقيلولة واستنشاق الهواء النظيف وقضاء وقت ممتع مع الصديقات، وكانت تلك الأسطح تسمح للنساء بالانتقال من منزل لآخر بحرية دون أن يراهن أحد. وأظهرت لوحات عديدة استمتاع النسوة بحريتهن كما أبرزتها أعمال رسامين أمثال «بيير فرانسوا يوجين جيرو» و«رودولف إرنست» و«بنيامين كونستان» و«فابيو فابى».

فى الاحتفالات
قد تعزف النساء على آلات موسيقية، أو يضربن على الدفوف كما فى لوحة «إميل برنار» بعنوان «حريم» عام 1894، من مقتنيات المتحف الوطنى للفنون الإفريقية فى باريس، كما رسم العديد من الفنانين راقصات داخل الحرملك، لاسيما أن الرقص كان أحد ضروب الترفيه للنساء.

وشاركت المرأة المصرية فى الاحتفالات الدينية لا سيما مشاهد مغادرة ووصول «المحمل (كسوة الكعبة)»، أثناء رحلة الحج من مصر، وكانت السيدات حاضرات فى الحشد المستقبل للمسافرين العائدين كما نرى فى لوحة «لودفيج دوتش» بعنوان «سير المحمل فى القاهرة» 1909، ولوحة «كارل هاج» بعنوان «حجاج مكة يعودون إلى القاهرة» عام 1894.

وقلما نشاهد فى أعمال الكتاب والفنانين نساء يدخلن مساجد أو يجلسن فيها، وربما كان سبب ذلك تحفظا أبداه الفنانون حيال ذلك كما يقول الرحال والفنان «يوجين فرومنتان»، نقلا عن دراسة لين ثورنتون بعنوان «نساء صورتها لوحات المستشرقين»: «يجب التعامل مع هؤلاء الناس من المسافة التى يفضلون إظهار أنفسهم فيها، الرجال من مسافة قريبة، والنساء من بعيد، لا يجب دخول غرف النوم والمساجد أبدا. وأرى أن وصف مخدع امرأة أو احتفالات دينية عربية يعتبر إهانة أسوأ من الاحتيال، وقد يصل الأمر إلى إبداء وجهة نظر خاطئة بذريعة الفن».

الغوازى
ظهرت «الغازية (أى الراقصة، والجمع غوازى)» بوضوح شديد فى أعمال الرحالة والفنانين، وهن راقصات شعبيات مصريات احترفن المهنة فى الاحتفالات الشعبية، وهى تختلف عن «العالمة (والجمع عوالم)» وهن مغنيات شعبيات، لكن اللفظة التصقت بالراقصات منذ أربعينيات القرن الـ 19 دون تمييز.

كتب شامبليون رسالة بتاريخ 14 سبتمبر 1828، ضمن رسائل «رحلة مصر» قائلا: «اقتربنا فى التاسعة والنصف من قرية (نادر)... وسرعان ما هرولت النساء والأطفال صوبنا عارضين علينا الأطعمة والمأكولات. ومن بين حشد المتفرجين كان هناك ثلاثة مهرجين تتبعهم راقصتان أو اثنتان من العوالم استضفناهم جميعا على المركب».

ويضيف شامبليون: «كانت إحداهما فاتنة الوجه رشيقة القوام تمسك بصنج من النحاس بين أصابع يدها. ثم أخذتا تشدوان لمدة نصف ساعة بأشعار عربية على هيئة حوار بين عاشق ومحبوبته. وقد أعجبنا جميعا بتلك الأغانى الشعبية».

كانت الغوازى يعملن أيضا فى المقاهى وفى المناسبات الخاصة فى القاهرة حتى أصدر محمد على باشا، والى مصر، قرارا عام 1834 بمنع الدعارة ورقص الفتيات فى الأماكن العامة، ونفى الراقصات إلى مدن قنا وإسنا وأسوان، فأصبحن محط جذب السائحين.

الفلاحة المصرية
لم يغفل الرحالة والفنانون تصوير الفلاحة المصرية فى أعمالهم كأحد المواضيع المحببة لديهم اعتبارا من منتصف القرن الـ19، لاسيما وهى تحمل طفلها على كتفها وتسنده بذراعها حتى لا يقع، وقدم لنا الفرنسى «ليون بونا» نموذجا واضحا لهذا الموضوع فى لوحة بعنوان «فلاحة مصرية وطفلها» عام 1870، محفوظة فى متحف المتروبوليتان للفنون فى نيويورك.

كانت حياة العديد من المصريات فى تلك الفترة لا تمت بصلة للأفعال العابثة والحياة المدللة لنساء الطبقة العليا، وكان عليهن العمل بجد لتأمين الطعام واللباس لعائلاتهن، بسبب ظروف الحياة الصعبة، وكن يتعلمن فى سن مبكرة صناعات يدوية وجلب المياه.

كان منظر الفلاحة المصرية التى تجلب الماء من نهر النيل مفضلا لدى الفنانين، وكانت لوحاتهم لتلك السيدات، بهيئاتهن والأوانى اللاتى يحملنها براحات أكفهن المرفوعة إلى أعلى، والجرار الثقيلة فوق رءوسهن تبرز قدم هذه المهمة.

كما أسهب الرحالة والفنانون فى وصف المرأة فى أسواق العبيد التى كانت تتركز فى مدينتى القاهرة والإسكندرية، واعترف الفنان «وليام جيمس مولر» الذى زار مصر فى عام 1838 بأنه كان مفتونا بالسوق التى رآها فى القاهرة.

مما لاشك فيه أن الاستشراق الغربى بلغ ذروة نشاطه الفنى فى القرن الـ 19 حتى القرن الـ 20، واستطاع الرحالة والفنانون على حد سواء تقديم صورة بالغة البراعة والجمال للمرأة المصرية، مزجت الخيال بالواقع، والإغراء بالاحتشام، واللهو بالجدية، على نحو دفع إلى إنشاء مراسم أوروبية متخصصة لرسم لوحات فنانين برعوا فى وصف ملامح الشرق دون أن تطأ أقدامهم بلدانه.