بس لو كانوا سجدوا - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بس لو كانوا سجدوا

نشر فى : الجمعة 26 يونيو 2009 - 8:23 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يونيو 2009 - 8:23 م

 كنت أتصور أن يسجد العشرون من أصحاب شركات الأسمنت شكرا لله بعد أن أدانتهم محكمة جنح مدينة نصر فى تهمة الاحتكار، وغرمتهم كعقوبة على «جنحتهم» عشرة ملايين جنيه لكل واحد منهم. وكنت أظنهم سيثنون على نزاهة المحكمة، ويشدون على أيدى أعضاء مجلس الشعب الذين لولا مصالحهم لخرج قانون الاحتكار أكثر صرامة وحزما من ذلك. وكنت أعتقد أيضا أنهم سيشكرون الظروف لأن لدينا رأيا عاما يمكن أن نلهيه أياما بالبحث فى التصرفات الشخصية للاعبى كرة القدم، وأن نشغله لأسابيع بأخبار حول الكيفية التى قضى بها كل لاعب ليلته فى ذلك اليوم المعهود فى جنوب أفريقيا، وننسيه تماما شئون الاحتكار والمحتكرين.

لم يسجدوا ولم يشكروا ولم يحمدوا ولكن تقدموا بطعن على الحكم ليصدر مرة أخرى من محكمة جنح النقض منذ أيام مؤكدا نفس الحكم الذى أصدرته محكمة أول درجة بعشرة ملايين، ولكن هذه المرة أتى الحكم مشفوعا بمطالبة من المحكمة بتحويل هذه الجنحة إلى «مصاف الجنايات» والتى تقترن بعقوبة الحبس، وقد وصفتها المحكمة بأنها أكثر ردعا وإصلاحا.. ويبدو أن ما دفع أعضاء المحكمة إلى هذا هو ما أعلنوا عنه فى الحيثيات من أن هؤلاء قاموا ببيع طن الأسمنت بـ400 جنيه، فى حين أن تكلفته لا تتعدى 150 جنيها، وأن احتكارهم هو الذى مكنهم من تحقيق 250 جنيها ربحا للطن الواحد.

يعنى أن عدم شكرهم وحمدهم وثنائهم لم يتسبب فقط فى تذكير المحكمة للمجتمع بضرورة إعادة النظر فى العقوبات «العبيطة» التى فى بعض الأحيان تصل قيمتها إلى ما يعادل ربح بضعة أيام لشركة من الشركات التى تعلن عن تحقيق أرباح تزيد على مليارى جنيه فى السنة. ولكن أيضا جعل رئيسة «جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية» منى ياسين تفكر، بتأثير من حكم المحكمة، أن تدرج تعديلا يقضى بالنص على عقوبة الحبس للمحتكر بدلا من الاكتفاء بالغرامة المالية والتى يصل الآن حدها الأقصى إلى 300 مليون جنيه.

وراحت رئيسة الجهاز تسرح بخيالها بعيدا متصورة أن فى يدها أن تخرج من مجلس الشعب تعديلا لهذا القانون الذى تكسرت على حده حرابا كثيرة من قبل، بحيث ينص على معاقبة المحتكر بنسبة من المبيعات وليس بغرامة محددة، باعتبار أن ذلك أكثر عدلا لأنه لا يساوى بين المحتكر الصغير وزميله الكبير، والكبير جدا. أو أنها تستطيع أن تخرج من «فم العز» تعديلا يقضى بالإعفاء من العقوبة لكل من يبلغ على حالة احتكار باعتباره مساهما فى الكشف عنها.

ولا أعرف هل نسيت السيدة منى كيف خرجت بنود قانون الاحتكار عرجاء من مجلس الشعب عند دخوله أول مرة عندما تم حذف المادة التى تقضى بضرورة أخذ موافقة الجهاز على حالات الاستحواذ، بحيث لا تتم حالة استحواذ شركة على أى كيان اقتصادى آخر إلا بعد بحثها من جانب الجهاز، وذلك كنوع من اتقاء شر حدوث احتكار كنتيجة لبعض حالات الاستحواذ التى تخلق كيانا كبيرا بأزيد مما يسمح به القانون. وقد تم رفض ذلك من جانب الحكومة، والتى كانت فى ذلك الوقت فى عجلة من أمرها وتريد إتمام مئات الحالات من الخصخصة وخشيت أن يعطلها هذا التعديل عن إتمام واجبها المقدس فى مسح القطاع العام من على الأرض. ولذلك لا يبدو مستغربا أن تقفز عمليات الاستحواذ ،فى ظل غياب هذا التعديل، من 3.6 مليار جنيه إلى 123 مليار جنيه بزيادة قدرها 3301% فى السنوات الثلاث الماضية.

ولا أعرف أتحتاج السيدة منى لمن يذكرها بمحاولة التعديل الثانية عندما أستطاع السيد أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة فى مجلس الشعب من إجهاض تعديلا آخر تقدم به وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، وحصل على موافقة الحزب الوطنى عليه، بجعل غرامة الاحتكار نسبة من المبيعات، وإعفاء المُبلغ من العقوبة إلا أنه لا الحزب ولا الوزير استطاعا أن يخرجا التعديل.

والحقيقة يا سيدتى، إذا كنت نسيتى هذه المشاهد الخالدة فى تاريخ هذه الأمة فمن المؤكد أنك لن تتذكرى المشهد الأخير وهو رفض اللجنة الاقتصادية بالمجلس منذ أيام الاقتراح المقدم من بعض نواب المعارضة بذات التعديلات على قانون الاحتكار، ليس فقط لأن المشهد لم يستغرق أكثر من ساعة ونصف الساعة أجهز فيها نواب الحزب الوطنى على التعديل دون حتى أن يحظى نواب المعارضة بشرف المحاولة، لأنهم لم يقاتلوا دون تعديلاتهم وبدا المشهد وكأنه متفق عليه من جانب جميع الأطراف.

ألا يكفيك يا سيدتى أن ترين رؤية العين كيف أُسقطت تعديلات القانون وتم حماية الاحتكارات مرة بيد الحكومة، ومرة بفعل أصحاب المصالح، ومرة ثالثة بعضلات أعضاء حزب الحكومة، دون أن يسأل أحدهم ولا مرة أين مصلحة الناس؟


بس لو كانوا سجدوا، أو حمدوا، أو شكروا، لكنا نسينا أمر الاحتكار وناسه، وأكملنا البحث عن كيف قضى لاعبو الكرة ليلتهم إياها.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات