التقشف المالى زائد الانكماش النقدى يساوى ركود طويل الأجل - عمر الشنيطى - بوابة الشروق
الجمعة 3 مايو 2024 4:21 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التقشف المالى زائد الانكماش النقدى يساوى ركود طويل الأجل

نشر فى : السبت 26 يوليه 2014 - 9:05 ص | آخر تحديث : السبت 26 يوليه 2014 - 9:05 ص

تم إقرار مشروع موازنة العام المالى الجديد (٢٠١٤/٢٠١٥) بزيادة إجمالى الإنفاق قرابة ٧٪ مقارنة بالعام الماضى. لكن هذه الزيادة الإسمية فى الإنفاق أقل من معدلات التضخم التى من المتوقع أن تصل إلى ١٤٪ فى العام المالى الجديد بسبب رفع أسعار الطاقة، مما يجعل الإنفاق الحقيقى فى الموازنة الجديدة أقل من العام الماضى ويجعل الموازنة الجديدة تقشفية فى المقام الأخير.

ولعل من أبرز ملامح الموازنة الجديدة خفض دعم السلع البترولية من حوالى ١٣٠ إلى ١٠٠ مليار جنيه مما أدى إلى رفع أسعارها وهو ما انعكس على ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات من غذاء لمواصلات لمواد بناء وغيرها، بمعدلات أعلى من نسبة ارتفاع أسعار الطاقة تحسبا للارتفاعات القادمة.

كما شهدت الموازنة الجديدة خفضا للاستثمارت الحكومية من ٧٨ إلى ٦٧ مليار جنيه وهو ما يضعف قدرة الحكومة على تحفيز الاقتصاد. وتهدف الحكومة إلى خفض عجز الموازنة ليصل إلى ٢٤٠ مليار جنيه (١٠٪ من الناتج المحلى) للسيطرة على عجز الموازنة والدين العام. وإذا نظرنا لهذا التقشف المالى نجد أن آثاره الكلية تفضى بنا إلى حالة من الركود التضخمى نتيجة انخفاض الإنفاق الحقيقى والاستثمارات الحكومية من ناحية وارتفاع أسعار السلع والخدمات من ناحية أخرى. ويعتبر الركود التضخمى فخا كبيرا لأى اقتصاد حيث إن الإجراءات التحفيزية اللازمة للخروج من الركود عادة ما تزيد من حدة التضخم، بينما الإجراءات الانكماشية اللازمة لكبح جماح التضخم عادة ما تزيد من عمق الركود.

•••

فى ظل هذا الوضع الحرج، يأتى دور البنك المركزى والذى كان عليه أن يختار بين محاربة الركود أو التضخم وهو ما حسمه البنك المركزى الأسبوع الماضى بانتهاج سياسة نقدية انكمشاية حينما رفع سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع ١٪ ليصلا إلى ٩٫٢٥٪ و١٠٫٢٥٪ على التوالى. وهذه السياسة الانكماشية يمكن فهمها فى إطار محاولة البنك المركزى للسيطرة على التضخم الناتج عن رفع أسعار الطاقة وما يستتبعه من ارتفاع أسعار السلع والخدمات المختلفة بشكل كبير قد يصل إلى درجة الهيستريا فى حالة تكلفة المواصلات التى ربما زادت بما يعادل ٥٠-١٠٠٪ طبقا لتقارير غير رسمية.

بجانب محاربة التضخم، يؤدى رفع سعر الفائدة لدى البنك المركزى إلى رفع سعر الفائدة على ودائع البنوك مما يؤدى إلى إقبال الأفراد والمؤسسات على زيادة ودائعهم فى البنوك بالجنيه المصرى بعد أن أصبح الفارق بين العائد على ودائع الجنيه والدولار كبيرا بما يكفى ليعوض المودعين عن الانخفاض المتوقع فى قيمة الجنيه أمام الدولار. ومما لا شك فيه أن ذلك سيؤدى إلى زيادة الودائع لدى البنوك مما يساعدها على زيادة إقراضها للحكومة لتمويل عجز الموازنة من ناحية وكذلك إقبال الأفراد والمؤسسات على الحفاظ على مدخراتهم بالجنيه المصرى لارتفاع العائد على الجنيه وبالتالى تخفيف الضغط على الجنيه أمام الدولار نسبيا.

لكن قد تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن. فهذه السياسة النقدية الانكمشاية ستؤدى إلى رفع أسعار إقراض البنوك للأفراد والشركات مما يؤدى إلى تراجع الإقبال على الاقتراض من البنوك وانخفاض استثمارات القطاع الخاص وهو ما سيؤدى إلى تراجع معدلات النمو وتعميق الركود وبالتالى انخفاض أرباح الشركات ودخل الأفراد وما يستتبعه من انخفاض الحصيلة الضريبية عن المتوقع. وعلى صعيد آخر، فإن ارتفاع سعر الفائدة لدى البنك المركزى سيؤدى إلى ارتفاع سعر الفائدة على الدين الحكومى. وفى ظل دين حكومى يبلغ قرابة ٢ تريليون جنيه، فإن ١٪ زيادة فى سعر الفائدة سيؤدى إلى ارتفاع تكلفة خدمة الدين بحوالى ٢٠ مليار جنيه سنويا، قد لا يظهر أثرها كاملا هذا العام بسبب الديون متوسطة وطويلة الأجل والتى لن يتم إعادة تمويلها هذا العام. ولذلك فلا جدال أن السياسة النقدية الانكماشية ستؤدى إلى خفض معدلات الاستثمار والنمو وبالتالى الحصيلة الضريبية من ناحية وارتفاع أسعار الفائدة وتكلفة خدمة الدين من ناحية أخرى مما سيؤدى بطبيعة الحال إلى خروج عجز الموازنة عن السيطرة.

•••

ويتضح مما سبق أن الركود التضخمى الناتج عن التقشف المالى الصارم من قبل الحكومة ستقوم السياسة النقدية من قبل البنك المركزى بتخفيف شق التضخم به، بينما ستقوم بتعميق شق الركود به فى المقابل. ومع موجات التقشف المالى المتوقعة مستقبلا، فإن الركود طويل الأجل سيكون نتيجة لا مفر منها. ومن الجدير بالذكر أنه فى ظل هذا الوضع المركب، جزءا ليس بالقليل مما سيتم توفيره من رفع الدعم سيقابله ارتفاع فى تكلفة خدمة الدين فى إشارة واضحة لتحويل جزء من الإنفاق الحكومى من الفقراء الأكثر تأثرا بخفض الدعم للأغنياء الأكثر استفادة من ارتفاع سعر فائدة ودائع البنوك.

الخلاصة أن النتيجة النهائية للجمع بين السياسة المالية التقشفية والسياسة النقدية الانكماشية هو الركود طويل الأجل وما يصاحبه من معدلات نمو منخفضة ومعدلات بطالة مرتفعة وتحويل جزء من الإنفاق الحكومى من الفقراء للأغنياء. وفى خضم هذا المأزق يحق لنا أن نتساءل «ألم يكن أفضل تبنى تقشف مالى متوازن وتدريجى بدلا من التقشف الصارم مع تجنب الانكماش النقدى؟ أليس من الضرورى وجود تنسيق لصيق بين السياستين المالية والنقدية؟»

عمر الشنيطى المدير التنفيذي لمجموعة مالتيبلز للاستثمار
التعليقات