العمال والفلاحون يزينون الجدار - سور برلين وأنا (٤) - حسام السكرى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العمال والفلاحون يزينون الجدار - سور برلين وأنا (٤)

نشر فى : السبت 26 أكتوبر 2019 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 26 أكتوبر 2019 - 9:40 م

ابتعدت عن الرجل بسرعة خوفا من الاشتباه في كوني راغبا في التعامل مع السوق السوداء. سرت على غير هدى علي أعثر على صديقتي مشتلد.

قادتني قدماي إلى ميدان ألكساندر بلاتز. تأملت الساعة الشهيرة وبرج التليفزيون ثم قررت دخول "متجر الشرق" أو "كاوفهاوس ديس أوستنز" وتنطق اختصارا "كا دي أو". متجر ضخم لا يختلف كثيرا عن متاجر القطاع العام في مصر في الستينات والسبعينات. نفس النظام البائس. فترينات زجاجية تعرض بضائع فقيرة. اختيارات محدودة وتصميمات مملة. لا تستطيع أن تلمس أو تجرب. عليك أن تطلب من البائعة أن تحضر ما يروقك وبعد المعاينة تكتب لك "البون" فتأخذه إلى "الكيس" وتدفع وبعدها تذهب لاستلام البضاعة. لا أعلم كيف تستنسخ الأنظمة نفسها بهذه الدرجة من الدقة والكآبة، من الاتحاد السوفييتي والدول التي تدور في فلكه، وحتى صيدناوي وبنزيون في مصر.

استدعى المتجر في ذهني بالتداعي نقيضه على الجهة الأخرى من السور. "متجر الغرب" الذي يحمل اسما مشابها "كا دي ڤي" أو "كاوفهاوس ديس ڤستنز". أكبر وأفخم متاجر برلين الغربية بكل ما يحويه من ملابس فاخرة وحلوى وأجهزة كهربائية ومشروبات روحية وما لذ وطاب من صنوف الطعام والفاكهة واللحوم المستوردة والمصنوعة في مختلف أنحاء العالم. ربما يقترب في فخامته وتنوع بضائعه من متجر هارودز اللندني الشهير.

كانت زيارته حلما مستحيل التحقق عند أهل برلين الشرقية. الاستثناء الوحيد كان المتنفذين من أعضاء الحزب والمكتب السياسي والمقربين منهم. ضحكت وتذكرت قصة كارل إدوارد فون شنيتسلر.

كان مذيعا تليفزيونيا معروفا يعيش في القسم الغربي من المدينة. عمل فترة مع مكتب بي بي سي، إلا أنه كان ضمن قلة قليلة من ألمان القسم الغربي الذين انتقلوا طوعا إلى القسم الشرقي خلف السور الفاصل ليعيش تجربة بناء الاشتراكية. كان فون شنتزلر يقدم برنامجا أسبوعيا سياسيا على قناة ألمانيا الشرقية الأولى التي كانت تستقبل بوضوح في القسم الغربي. اسم البرنامج كان اصطلاحا عاميا يطلقه السباكون على ماسورة المجاري: القناة السوداء - دير شڤارتسر كانال. أما موضوعه فكان مقتطفات مما يذاع في قنوات الغرب مع تحليل ونقد لاذعين. كان برنامجا من برامج الحرب الباردة، لا يختلف في طبيعته عن برامج وقنوات مماثلة كانت تبث من الغرب "الحر" نحو الشرق "الشيوعي المكبل". كان الرجل اشتراكيا مخلصا ومذيعا محبوبا ومثيرا للجدل. بحكم وضعه كان من القلة القليلة التي يسمح لها بالسفر الحر.

في احد الأيام تصدرت صورته صفحات جرائد التابلويد الغربية وخلفه "كا دي ڤي" مع قصة مثيرة حول توقيفه متهما بسرقة قطع من الشيكولاتة الفاخرة. لا أعلم حقيقة إن كان فعلها حقا أم أن الأمر كما قال محاولة لتشويه سمعته. أتساءل الآن وأنا اتذكر القصة، ألم يكن من الأجدى أن يدسوا له لفافة بانجو أو قطعة حشيش؟!

توجهت نحو أحد المطاعم لأنفق الماركات التي في حوزتي. أكلت بسرعة ثم سرت نحو السور. طالعت الرسوم التي زينت بعض جدرانه. الجرافيتي في الجهة الغربية يتمتع بشهرة أكبر. رسمه فنانون شباب زينوا بفرشهم مساحات واسعة برسوم جريئة غير تقليدية وألوان مبهرة. اختلف الوضع في الشرق. لم يكن "الرسم الحر" ممكنا. اتخذ القرار على مستويات سياسية على الأغلب لمحاكاة الغرب. وجاءت الرسوم تكرارا لتيمات اشتراكية معتادة تصور كفاح الشعب العامل أفرادا وجماعات. رموز المطرقة والمنجل. تروس وفؤوس. جنود وعمال وفلاحون يصطفون في نظام ويتطلعون نحو شمس المستقبل المشرقة.
شعرت بالضجر. داهمتني فكرة. ربما لم تعبر مشتلد أصلا. قررت العودة إلى الغرب علي أجدها هناك. مددت الخطو نحو معبر تشيكبوينت تشارلي.

سور برلين وأنا (١)
سور برلين وأنا (٢):
سور برلين وأنا (٣):

التعليقات