عسكرة إدارة ترامب - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عسكرة إدارة ترامب

نشر فى : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : الخميس 27 أبريل 2017 - 9:05 م

قبل أكثر من نصف قرن، وفى عام 1959 تحديدا، أَلحق فريد كريست ترامب ابنه ذا الثلاثة عشر ربيعا دونالد بمدرسة داخلية عسكرية خاصة تقع شمال ولاية نيويورك تسمى New York Military Academy سعيا لغرس صفات الجدية والالتزام والانضباط الذى فشلت العائلة فى تربية ابنهم المدلل عليها. وقضى الشاب دونالد خمس سنوات فى المدرسة العسكرية تألق خلالها وانضبط كثيرا وصار شابا رياضيا ملتزما خاصة مع تعوده على بدء يومه قبل السادسة صباحا وانهائه قبل العاشرة مساء. وبعد تخرجه من المدرسة لم يلتحق دونالد بكلية عسكرية كما كان يرغب، بل انتظم فى دراسة إدارة الاعمال استجابة لرغبة والده فى أن يساعده ابنه النابه ويدير أعماله من بعده. إلا أن إعجاب دونالد بالعسكرية مازال يؤثر عليه بصورة كبيرة حتى بعدما تخطى السبعين من عمره وأصبح رئيسا للولايات المتحدة. ويقوم ترامب بعسكرة البيت الأبيض بصورة غير مسبوقة، وهو ما ساهم فى إيجاد مناقشات داخل وخارج واشنطن لم يتخيل أحد إجراءها من قبل. بعض هذه القضايا تتعلق بمستقبل العلاقات المدنية العسكرية الأمريكية، وبعضها الآخر يتعلق بالتبعات الخطيرة لعسكرة البيت الأبيض على السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية.
***
ظهرت معالم تأثر وإعجاب ترامب بالعسكرية الأمريكية بداية فى اختياراته لمن يشغل عددا مهما من أرفع المناصب فى إدارته. وعلى عكس القوانين المتعارف عليها، جاء ترامب بالجنرال جيمس ماتيس وزيرا للدفاع، وهو المنصب الذى تعود أغلب رؤساء أمريكا على تسمية شخصية مدنية لتدير البنتاجون. واحتاج ماتيس إلى موافقة مجلس الشيوخ باستثنائه من قانون يحظر على العسكريين السابقين تولى منصب وزير الدفاع لمدة سبع سنوات بعد تقاعدهم. واختار ترامب مايكل فلين الجنرال السابق مستشارا للأمن القومى، وعندما اضطر لاستبداله لاحقا عين جنرالا آخر هو إتش آر ماكماستر الذى استعان بدوره بعدد من العسكريين فى مناصب قيادية بمجلس الأمن القومى. ويعطى هذا المنصب لصاحبه أُذن الرئيس، وهو الشخص الأقرب له فيما يتعلق بجميع القضايا الخارجية والدفاعية، إضافة أن لهذا المنصب وضعية خاصة، حيث إن الرئيس ليس لديه أى خبرات بتعقيدات ملفات السياسة الخارجية خاصة تلك ذات الطبيعة العسكرية منها. كذلك سمى ترامب عسكريين سابقين فى مناصب وزير الأمن الداخلى للجنرال جون كيلى، والعسكرى السابق مايك بومبيو مديرا لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA. كذلك يجب أن أُضيف هنا أن ستيفن بانون مستشار ترامب الاستراتيجى الأهم بدأ حياته العملية عسكريا كضابط فى البحرية الأمريكية.
ظهرت عسكرة الإدارة الأمريكية الحالية بوضوح مع عرض الرئيس ترامب لميزانيته الفيدرالية الأولى المخصصة لعام 2018 والتى شهدت زيادة مقدارها 10% أو 54 مليار دولار لوزارة الدفاع وتعهده بإعادة بناء الجيش الأمريكى ليواجه التحديات والمخاطر الجديدة، ومقابل ذلك يدعو ترامب لتخفيض مقداره 28% أو 29 مليار دولار من وزارة الخارجية. كذلك لم ينس ترامب مغازلة مجموعة تصويتية عسكرية شديدة الأهمية وهى المحاربين القدامى الذين يفوق عددهم التسعة ملايين ناخب بزيادة مخصصات ميزانية وزارتهم بنسية 6% أو ما مقاره 4.4 مليار دولار.
وظهرت سياسات ترامبية كتعهد الرئيس بجعل بلاده الأكثر تفوقا فى امتلاك الأسلحة النووية، وتملك روسيا حاليا 7000 رأسا نوويا، بينما توجد لدى الولايات المتحدة ترسانة مقدارها 6800 رأس نووى، وهو ما يدفع لتجديد سباق تسلح نووى ظن الكثيرون أنه جزء من تاريخ الحرب الباردة خلال القرن الماضى. من ناحية أخرى، منح ترامب وزارة الدفاع والقادة الميدانيين العسكريين المنتشرين فى العراق وسوريا وأفغانستان وقرب اليمن ضوء أخضر لشن هجمات حسبما يرتقى لهم دون العودة للبيت الأبيض للحصول على موافقة الرئيس شخصيا قبل أى عملية عسكرية صغيرة أو كبيرة تستخدم فيها قوت أمريكية أو تقتصر على طائرات بدون طيار كما كان الحال إبان عهد أوباما.
من هنا لم تمثل مفاجأة لى شن هجمات صاروخية على مطار الشعيرات السورى العسكرى استخدم فيها 59 صاروخا من نوع توماهوك ردا على قيام نظام دمشق باستخدام أسلحة كيميائية ضد معارضيه. وعلى نفس النسق جاءت الهجمة العسكرية داخل أفغانستان والتى أُلقيت فيها «أم القنابل» التى تزن ما يقرب من 10 آلاف كيلوجرام لاستهداف شبكات أنفاق وكهوف يختبئ فيها مسلحو تنظيم الدولة. وفى شرق آسيا واصل ترامب تجميع قطع بحرية عسكرية أمريكية قبالة سواحل شبه الجزيرة الكورية لتنضم غواصة أخرى تدعى ميشيجان تحمل على متنها أكثر من 150 صاروخ توماهوك، ويرافقها عدد من القطع البحرية الأصغر لغواصات وبوارج حربية أخرى تم تجميعها هناك فى خطوات تصعيدية أمريكية.
***
خطورة عَسكرة إدارة ترامب يرتبط بأخطر تبعاتها السياسية وهى المتعلقة بجاذبية وشعبية قرارات استخدام القوات المسلحة فى الخارج خاصة مع فشل ترامب خلال المائة يوم الأولى من حكمه فى تمرير تشريع جديد للرعاية الصحية يستبدل به نظام أوباما للرعاية الصحية بسبب عرقلة الكونجرس الذى يسيطر عليه الجمهوريون ومعارضة مجموعة منهم لرؤية الرئيس ترامب. أما قضايا الصراعات الخارجية والتدخلات العسكرية سواء بهجمات صاروخية أو بإلقاء قنابل عملاقة فلها شعبية تُسهل من اصطفاف جموع الشعب خلف القيادة السياسية، وهو ما يدركه ترامب وجنرالاته من خلال استطلاعات الرأى التى أظهرت ارتفاع شعبية الرئيس ونسبة الموافقة على سياساته بين الأمريكيين بما يقرب من 10 نقاط كاملة. وترفع قرارات العمل العسكرى معدلات شعبية الرؤساء سواء فى النظم الديكتاتورية أو الديمقراطية على السواء.
***
وهكذا، وبعد أكثر من نصف قرن بعد إحباطه على عدم دخوله كلية عسكرية، يعود دونالد كقائد أعلى لأقوى جيوش الأرض محققا أحلام شبابه غير مكترث بمخاطر طموحاته على حالة السلم والأمن العالميين.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات