السلطة فى الدولة الإسلامية - خالد عزب - بوابة الشروق
الإثنين 9 يونيو 2025 6:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

السلطة فى الدولة الإسلامية

نشر فى : الإثنين 27 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 27 مايو 2013 - 8:00 ص

يذهب كثير من المؤرخين إلى حصر السلطة فى المجتمعات الإسلامية عبر العصور فى سلطة الدولة، وفى حقيقة الأمر أن التجربة التاريخية للمسلمين، تبين أن سلطة الدولة كانت سلطة محددة المعالم ولم تكن سلطة مطلقة، إذ نرى فى كتابات علماء السياسة الشرعية الذين نظروا للسلطة هذا البعد واضحا، ونراه ايضا على أرض الواقع عبر التجربة التاريخية، بل وتعكسه التجربة العمرانية والمعمارية.

 

فالسلطة المطلقة لمن يقود الدولة كانت محددة فى إطار كلى ينحصر فى عدد من المسئوليات هى:

 

ــ حفظ الدين على الأصول التى أجمع عليها سلف الأمة ومنع البدع والشبهات.

 

ــ تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين حتى لا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.

 

ــ حماية البيضة والذب عن الحريم والحوزة.

 

ــ إقامة الحدود لتصان محارم الله من الانتهاك.

 

ــ تحصين الثغور حتى لا تظفر الأعداء بضرة ينتهكون بها محرما ويسفكون فيها دما لمسلم أو معاهد.

 

ــ استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليهم من أعمال أو أموال لتكون الأعمال مضبوطة والأموال محفوظة.

 

ــ أن يباشر بنفسه مشارف الأمور وتصفح الأموال ليهتم بسياسة الأمة وخزائنها ولا ينشغل عن ذلك  بالعبادة.

 

  فإذا أوفى من فى سدة الحكم بذلك وجب على الأمة حقان: طاعته، ونصيرته ما لم يوجد من جهته ما يخرج به عن الإمامة كالجرح فى عدالته أو النقص فى بدنه.

 

•••

 

لذا فإن من يظن أن سلطة الدولة فى التجربة الإسلامية كانت مطلقة يعد واهما، فهى مقيدة بشروط وواجبات، إن لم تنفذ وجب الخروج على الحاكم، بل نجد ابن تيمية يذهب إلى ما هو أبعد عند اختيار الحاكم مساعديه فى الحكم على النحو التالى:

 

ــ استعمال الأصلح.

 

ــ أن لا يقدم الرجل الذى يطلب الولاية.

 

ــ أن لا يقدم الرجل لهوى أو قرابة.

 

ــ استعمال الأمثل فالأمثل.

 

وعد استعمال الأصلح عند ابن تيمية واجب على الحاكم، واعتمد فى ذلك على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولى أمر المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح منه للمسلمين فقد خان الله ورسوله».

 

هذا نراه أيضا على أرض الواقع فى التجربة التاريخية للمسلمين فلم يكن صلاح الدين الأيوبى عظيما لشخصه، بل عظيما برجال دولته، فقد اختارهم بعناية فائقة فولى أسعد بن مماتى المسيحى القبطى أمر أموال مصر وماليتها، وولى بهاء الدين قراقوش أمور إدارة مشاريع الدولة فكان حزمه وشدته سببين فى انجازات مازالت آثارها باقية إلى اليوم.

 

إن حسن الاختيار بل عامل الكفاءة فى الاختيار عند ابن تيمية لا هوادة فيه، ويعد قصورًا من الحاكم وخيانة، لذا نجده يشدد على ذلك بقوله: «فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما أو ولاء عتاقة أو صداقة أو موافقة فى بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس كالعربية والفارسية والتركية والرومية أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب أو لضغن فى قلبه على الأحق أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.

 

هذا المفهوم قائم على أن مجتمع المسلمين يجب أن يبحث عن الصالح العام، فمصلحة الأمة مقدمة على كل شىء، وهو مفهوم مغاير لمفهوم الصراع فى السياسة لدى الغرب، الذى يقوم على أن الغالب يتولى السلطة ويقصى الآخر إقصاء تاما.

 

•••

 

بلور هذا منذ العصر المملوكى فكرة المشاركة فى صناعة القرار بين فرقاء الوطن، فالكل يعتقد أن ديوان نابليون بونابرت هو أول من جمع الطوائف فى مصر لمناقشة الشأن العام، لكن فى حقيقة الأمر بدأ عقد جلسات المشورة منذ العصر المملوكى، اقتصرت فى بادئ الأمر على الأمراء المماليك ثم ضم إليها العلماء والقضاة، ثم رؤساء الطوائف الحرفية فى مرحلة لاحقة خاصة كبار التجار، كانت تطرح فى هذه المجالس قضايا عامة للمناقشة، فقد عرض على المجلس من قبل الأمير الكبير برقوق فى عام (780 هـ /1379 م)، حل أوقاف المساجد والجوامع، وهو ما قوبل برفض شديد من القضاة، وأخذ برأيهم.

 

كان مجلس الشورى هذا ينعقد بأمر من السلطان أو نائبه أو أحد كبار الأمراء، أو بطلب من القضاة أو العلماء لمناقشة مظلمة يتعرض لها الشعب، على نحو ما فعل القاضى برهان الدين بن جماعة فى العام 1373م، والشيخ البلقينى عندما عقدا مجلسا بحضور السلطان الأشرف شعبان، وترافعا أمامه ببلاغة وبرهان فى ضرائب المغانى وما فيها من مفاسد وفى ضرائب القراريط وما فيها من ظلم، وبعد أن استمع السلطان للمناقشات استقر الرأى على إلغاء هذه الضرائب.

 

•••

 

استقر الأمر فى أواخر العصر المملوكى واتسع نفوذ هذه المجلس حتى إذا جاء العصر العثمانى، فرضت طوائف الشعب على السلطة، عقد ديوان أربع مرات فى الأسبوع بقلعة صلاح الدين فى مقعد السلطان الغورى عرب بالديوان الكبير لمناقشة كافة أمور الدولة، ووصل الأمر بهذا الديوان إلى عزل الوالى العثمانى، فلم يكن محمد على كما يعتقد الكثيرون أول والٍ يولى بناء على رغبة شعبية مصرية، فقد سبقه عدد من الولاة ذكر وقائعهم الاسحاقى فى أخبار الاول.

 

بل نجد الأمر حينما يشتد الخلاف يعقد فى منزل أحد الأمراء أو كبار الشخصيات ويسمى جمعية، وهو ما يذكره الجبرتى فى تاريخه فى أكثر من موضع.

 

بل أكثر من ذلك، امتد الأمر إلى قيام أهالى رشيد بعزل والى المدينة وهو ما ورد فى سجلات محكمة رشيد الشرعية التى تعود للعصر العثمانى، إذ إن والى المدينة تجاوز فى ظلمه، ولم يقم بأحوال المدينة على النحو المطلوب، فسجل الأهالى طلبهم لعزله مسببا بالبراهين، فأصدر القاضى بعدها وبعد بحث الأسباب حكما  بعزل والى رشيد وتولية آخر اختاره الأهالى.

 

إن القصور فى قراءة التجربة التاريخية للمسلمين، والقصور فى قراءة الموروث السياسى للمسلمين، يؤدى إلى نشر مفاهيم خاطئة، بل وتثبيت آراء موروثة من بعض الكتابات دون أدنى تفكر فى فقه الواقع الذى ساد وأصبح حقيقة ينكرها البعض.

 

 

 

مشرف على  ذاكرة مصر المعاصرة

خالد عزب  مشرف علي برنامج ذاكرة مصر المعاصرة
التعليقات