أغنية على الممر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 12:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أغنية على الممر

نشر فى : الأحد 27 سبتمبر 2015 - 9:45 ص | آخر تحديث : الأحد 27 سبتمبر 2015 - 9:52 ص

لا أعرف مسرحية نالت من الانتشار ما حققته «أغنية على الممر».. قدمتها فرق بيوت الثقافة، مراكز الشباب، شباب الجامعات، المدارس الثانوية والإعدادية، فالواضح أن هذه المسرحية، ذات الفصل الواحد، جاءت فى وقتها تماما، تلبى احتياجا معنويا، لدى جمهور المشاهدين، بالإضافة لكونها، فنيا، لا تتطلب سوى القدرات البشرية.

فى ليل الهزيمة الطويل، تألقت المسرحية كنقطة ضوء.. الراحل الذكى، على سالم، أدرك أن المسرح المصرى، وجمهوره، يتشوق إلى عمل يختلف، إن لم يتناقض، مع البكائيات السائدة عقب حرب ١٩٦٧، فاختار، بفطنته الدرامية، تذكير اليائسين أن ثمة بطولات منسية، تتمثل فى صمود الإنسان المصرى، وصلابته، برغم ما حدث.

اختار على سالم أحد المواقع العسكرية، يدافع عنه خمسة جنود، فى قلب سيناء.. لم تصلهم أوامر الانسحاب، فكان عليهم الصمود، برغم تناقص الماء والطعام والذخيرة، وتحت قصف دبابات وطائرات العدو، يتمسك الجنود بمكانهم.. يواجهون مصيرهم بشجاعة.

لا يحتاج عرض المسرحية لمعدات أو امكانيات، فقط ستارة خلفية سوداء، ولأنها تخلو من العنصر النسائى، الذى لا يتوفر فى النجوع والقرى، لذا شقت المسرحية طريقها إلى عمق البلاد، ليقدمها الهواة فى أى ساحة أو فضاء، فوق مناضد أو كنبات، تحت ضوء الكلوبات.

انتقلت المسرحية إلى عالم الأطياف، «جماعة السينما الجديدة»، أتيح لها، أخيرا، تحقيق فيلم سينمائى.. بعد حيرة، مناقشات، وجدت ضالتها فى «أغنية على الممر»، حيث أخرجه، فى أول تجربة له، على عبدالخالق، مستفيدا بالطبع من إمكانيات السينما الأوسع فى تقنيات المسرح.. ومن خلال السيناريو المحكم الذى كتبه مصطفى محرم، بدت الشخصيات أعمق حضورا، خاصة، خلال «الفلاش باكات» ــ العودة إلى الماضى ــ لكل بطل.

يبدأ الفيلم بظهور العناوين والأسماء، على خلفية صحراء وجبال سيناء.. تتوالى وجوه الجنود الخمسة التى اكتسبت من صخور الموقع نوعا فريدا من ملامح القوة والصلابة.. وينتهى الفيلم بصوت دبابات العدو وهى تقترب، بينما الجاويش أو الرقيب محمد، بأداء «محمود مرسى»، يتربص، وراء مدفعه الرشاش، مستعدا للمعركة الأخيرة، يغطيه الجندى شوقى «محمود ياسين».. إنهما آخر من تبقى.

بين البداية والنهاية، يسير الفيلم فى اتجاهين: أحدهما يتابع، بصدق، وقلب يقظ، ما يدور فى الواقع الآنى، راصدا تعبيرات الوجوه المتباينة، القلق، الأمل، الغضب، الفرح، الأسى، الرغبة فى الصمود.

أما الاتجاه الثانى، فيتمثل فى عودة الذكريات لكل فرد فى المجموعة، الأمر الذى يقربهم، كنماذج إنسانية، إلى عقل ووجدان المتابع، ويجعل الفيلم أعمق دفئا وأكثر حيوية.

نماذج الفيلم، من أعماق المجتمع المصرى، جغرافيا واجتماعيا وأخلاقيا.. هنا، مسعد «صلاح السعدنى»، أكثر الشخصيات بساطة ومرحا.. كان عاملا فى ورشة نجارة بدمياط، يتذكر، فى موقعه الصخرى، سعادته أثناء رحلته فى نيل القاهرة، مع خطيبته، الشعبية الرقيقة، فاطمة، «هالة فاخر».. وها هو يتساءل ضاحكا، عن نوع الطعام الواجب تناوله، ليلة الدخلة.

شوقى، «محمود ياسين»، الفاشل من وجهة نظر الآخرين، يحرز انتصاره، الأول والأخير، حين يعطب دبابتين للعدو.

حمدى، «أحمد مرعى»، الفنان المغمور، الذى حاول تقديم الحانة المستوحاة من غناء «الشغيلة» إلى الإذاعة التى ترفض إنتاجه بانتظام.

ليست كل شخصيات الفيلم بيضاء، فهناك الانتهازى، الرعديد، الأنانى، الذى يجسده «صلاح قابيل»، والذى فضحه الفيلم خلال الفلاش باكات، فبينما هو يتحدث عن والدته، ملكة الصفقات الناجحة، نراها تعمل، منهكة، أمام ماكينة الحياكة.. وعندما يتحدث عن التزامه الأخلاقى، يقدم لنا الفيلم وهو مقامر، وإلى القواد أقرب.

أجمل شخصيات الفيلم، وأكثرها رسوخا واكتمالا، الفلاح، محمد، «محمود مرسى»، الذى استدعاه الجيش، وهو قابض على عصا الفأس.. وعند توديع زوجته، يطلب منها رعاية الأرض والولد.

«أغنية...» حقق نجاحا، يستحق فعلا، على المستوى الجماهيرى، كما الحال بالنسبة للمسرحية.. وأيضا على المستوى الرسمى: عبدالعزيز حجازى ــ وزير الخزانة حينذاك ــ أصدر قرارا بإعفاء الحفلات التى تخصصها النقابات المهنية والاتحادات العمالية والهيئات الشبابية من ضريبة الملاهى وذلك «لأن الفيلم ذو نفع عام».

من ناحية ثانية، أهدت القوات المسلحة المصرية نسخة من الفيلم إلى الجيش الليبى وأخرى إلى الجيش السورى ــ أين تلك الأيام؟ ــ وجدير بالذكر أن الفيلم حقق نصرا ملفتا عندما فاز فى مهرجان دمشق الدولى لسينما الشباب ١٩٧٢ بالمركز الأول، مناصفة مع الفيلم الكويتى «بس يا بحر» لخالد الصديق.

حكاية «أغنية على الممر»، تستحق أن تروى.. بعيدا عن خواتيمها المحزنة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات