الذكاء الصناعي ... وجهة النظر الأخرى - محمد زهران - بوابة الشروق
الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 11:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الذكاء الصناعي ... وجهة النظر الأخرى

نشر فى : السبت 27 أكتوبر 2018 - 10:45 م | آخر تحديث : السبت 27 أكتوبر 2018 - 10:45 م

بعد مقال الأسبوع الماضي قرأت تعليقاً لقارئ كريم يتحدث عن وجهة النظر الأخرى للذكاء الصناعي وهي أخطاره الناجمة عن إختفاء الكثير من الأعمال وإنتشار البطالة وقد تفضل القارئ الكريم وأرسل هذا الفيديو مع تعليقه، لذلك أحببت في هذا المقال أن أناقش وجهة النظر الأخرى وهي مخاطر الذكاء الصناعي، سنناقش هذه المخاطر من الناحية الإجتماعية ومن الناحية التكنولوجية.

 من الناحية الإجتماعية نستطيع أن نرى بوضوح أن تطبيقات الذكاء الصناعي تزحف على كثير من مناحي الحياة ونتيجة ذلك أن الكثير والكثير من الأعمال تختفي من سوق العمل لأن الكمبيوتر أصبح يقوم بها، فهل نحن على أعتاب عصور من البطالة؟ أم أن أنواع أخرى من الأعمال ستظهر؟ في مقالنا السابق تبنينا وجهة النظر التي تقول أن هناك أعمال ستظهر ولكن هذه الأعمال تحتاج قدرات عقلية وتعليم أعلى لأن الكمبيوتر يزحف على الأعمال الدنيا ثم يتقدم للأعمال الأعلى في سلم المهارات، ما الخطر هنا؟ الخطر الأول أن الدول التي لا تهتم بالتعليم كما يجب ولكن تشتري التكنولوجيا التي تنتجها الدول المتقدمة ستواجه مشكلة بطالة كبيرة لأن التكنولوجيا ستقوم بأعمال كانت تحتاج إلى أيد عاملة كثيرة وهذه الأيدي العاملة ستصبح بلا عمل لأن ما يتبقى من أعمال أو ما سيظهر من أعمال جديدة ستحتاج مستوى عال من التعليم، وإذا قررت هذه الدول ألا تشتري هذه التكنولوجيا حتى تحافظ على سوق العمل فسيؤثر ذلك على الإقتصاد لأن سوق الأعمال في العالم كله مرتبط ببعضه وإذا تخلفت دولة عن ركب التكنولوجيا فستخرج من سوق العمل أو ستخسر الكثير، ماذا لو قررت هذه الدولة استخدام التكنولوجيا والحفاظ على سوق العمل عن طريق خلق أعمال إدارية أو ماشابه للناس؟ هنا ستدفع الدولة ثمن التكنولوجيا وثمن مرتبات الناس في نفس الوقت وهذا عبء كبير على ميزانية الدولة، هذا بالإضافة إلى البيروقراطية التي ستحدث مع زيادة هذه الأعمال الإدارية (التي سيكون أغلبها بطالة مقنعة) مما يلغي السرعة المكتسبة من التكنولوجيا، الخطر الثاني أن إحلال تكنولوجيا ما مكان تكنولوجيا أخرى يأخذ وقتاً وجهداً ومالاً، مثلاً إحلال السيارات ذاتية القيادة (self driving cars) مكان السيارات العادية يحتاج حلول لمشكلات مثل ماذا سنفعل في السيارات القديمة؟ كيف سيتغير قانون المرور ليواكب هذا التقدم، ستوجد فترة من الوقت تتواجد فيها التكنولوجيتان في نفس الوقت فستجد السيارات العادية والسيارات ذاتية القيادة في الشارع في نفس الوقت وهذا يخلق مشكلات، أغلب حوادث السيارات ذاتية الحركة كانت نتيجة وجود عنصر بشري في السيارات الأخرى في الشارع، فلكي نحصل على جميع إيجابيات السيارات ذاتية القيادة يجب أن تكون كل السيارات في الشارع ذاتية القيادة وذلك سيستغرق وقتاً، إذا وصلنا إلى هذه النقطة التي تصبح فيها كل السيارات ذاتية القيادة إذن ستختفي مهنة القيادة ولكن ستظهر مهن أخرى مثل صيانة تلك الأنواع من السيارات وتمهيد الطرق لها ومبرمجين لتحسين ومراقبة الأداء وشبكة إتصالات أقوى وهكذا ولكن كل تلك الأعمال تحتاج مهارات فنية عالية وتعليم متقدم، فماذا سنفعل مع السائقين الذين سيعاصرون هذه التكنولوجيا؟ هذا مجرد مثال.

من الناحية التكنولوجية سنجد مشكلة كبيرة، الذكاء الصناعي الحالي والذي يعتمد في أغلبه كما قلنا سابقاً على تكنولوجيا الماكينة المتعلمة (machine learning) لا يعتبر مجرد برنامج كمبيوتر كتبه مجموعة من المبرمجين يستطيعون تعديله وقتما شاءوا بل هو برنامج في البداية فقط ثم يتعلم مهارات يخزنها في هيئة أرقام لا نعرف كيف تعمل وبالتالي تصبح هذه البرامج مع الوقت صندوق أسود حتى مبرمجيه الأصليين لا يعرفون معنى وتأثير كل رقم، فهل ستثق في هذا الصندوق الأسود وتجعله يقود سيارتك؟ أو تجعله يقوم بعلاجك؟ أعتقد أن الإجابة معروفة ويعكف العلماء الآن على محاولة فتح هذا الصندوق الأسود وفهمه.

إذا فحتى مع وجود هذه التكنولوجيا فإن العنصر البشري أساسي لأن التكنولوجيا دائماً ينقصها الوعي والإبداع وفهم ما لا يمكن برمجته، لذلك تجتمع كبرى شركات التكنولوجيا مثل جوجل ومايكروسوفت لترى كيف تواجه هذه التكنولوجيا التي تشبه الصندوق الأسود المجهول ما بداخله وماهي أخلاقيات استخدامها.

 

هناك أعمال ستختفي وأعمال أخرى ستظهر ولكن هل عدد الأعمال المختفية أكثر من الأعمال الجديدة التي ستظهر؟ هذا سؤال صعب جداً لأنه لا يعتمد فقط على التكنولوجيا ولكن أيضاً على علم الاجتماع وعلم النفس والسياسة والكثير من العلوم الأخرى ... فلننتظر ونرى ونستعد بالتعليم الجيد.

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات