الحقيقة الغائبة ودفع الثمن - احمد سعيد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:06 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحقيقة الغائبة ودفع الثمن

نشر فى : السبت 27 نوفمبر 2021 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 27 نوفمبر 2021 - 7:50 م

الحقيقة الغائبة فى الضجة المثارة حاليا حول الغناء فى مصر هى أنه لا يوجد ما يسمى بـ«الذوق العام» فالذوق العام يعنى أن الشعب يتذوق الموسيقى بشكل «عام».. يسمع كل الألوان الموسيقية والغنائية ويحترمها، ثم يختار كل إنسان منها ما يحبه ويفضله.
المشكلة فى مصر الآن، أن هناك ذوقا واحدا منتشرا وكاسحا منذ سنوات، ولا يهم إن كان خرج من العشوائيات أو من الأفراح الشعبية، المهم أن أنصاره يريدون فرضه على الناس والحصول على شرعية لهذا الغناء، وفى الوقت نفسه يتهمون المعارضين لهم بأنهم يريدون «الحجر على ذوق الناس»، مع أن الواقع يقول بكل أسف إنه لم تعد هناك اختيارات، هناك فقط المهرجانات أمامكم وحمو بيكا من ورائكم.. ولا مفر!!!

وللفريق الآخر أقول:
تتحسرون على ضياع «زمن الغناء الجميل» وتدافعون عن التراث الموسيقى «العظيم» الذى ــ للأسف ــ لا تعرفه أجيال الشباب، وسوف تصدمون عندما تسألون شابا عمره ١٥ عاما عن محمد فوزى أو بليغ حمدى، فتكون الاجابة: من هو؟!.. بيشتغل إيه؟!! وسوف تكتشفون الحقيقة المرة لغياب الوعى والتذوق وكم الجهل عندما تعرفون أن هناك آلاف الشباب الذين لم يسمعوا عبدالوهاب أو فريد الأطرش، أو حتى يعرفوا من هو سيد درويش ملحن النشيد الوطنى!!!
المشكلة الأساسية..فى كلمة واحدة هى: «الجهل» وإهمال التعليم منذ قرون!
الجميع يتباكون، وكأننا كنا نعيش جميعا بالأمس فى مجتمع الملائكة ثم تعرضنا فى الصباح لغزو شياطين هجموا علينا من كوكب آخر، فجأة أفسدوا أخلاقنا ونشروا فى الجو فيروس غير حياتنا بين يوم وليلة، لغتنا تحولت من لغة راقية ورقيقة إلى لغة عدوانية وبذيئة سواء فى كلامنا مع بعض أو فى غنائنا وفنوننا.
فما نحصده اليوم هو نتيجة ما زرعناه لسنوات وسنوات!!
لم تَنْهَرِ الاخلاق فجأة، ولم يفسد الذوق والغناء وتضيع الثقافة وتسود فنون العنف والبلطجة بين يوم وليلة، فكل ما نراه هو نتيجة طبيعية..
لإهمال التعليم
وإهمال التدريب وتطوير مهارات العاملين
وإهمال الفنون
وإهمال النقابات المهنية وغياب دورها الحقيقى
نحن أهملنا تعليم الموسيقى منذ عدة قرون ونعيش زمن الجهل بموسيقانا وبأغنياتنا وتراثنا الغنائى العظيم، لم يتربَّ عليه أبناؤنا فى المدارس، لم نعود الأجيال الجديدة على التذوق والاستماع لألوان موسيقية وغنائية مختلفة، تركناهم محاصرين بلون واحد سائد ومنتشر حولهم فى كل مكان!
المدارس فى أوروبا وامريكا تنظم للتلاميذ رحلات للاستماع الموسيقى سواء فى الأوبرا أو لحفلات كبار الفنانين وليس من الضرورة عندما يكبر هؤلاء التلاميذ أن تكون هذه الألوان الغنائية اختيارهم، قد يفضلون البوب أو الهيب هوب أو الراب أو أى شكل غنائى آخر، ولكنهم ــ وهذا هو المهم ــ يكونون قد عرفوا وتذوقوا واحترموا تراثهم الموسيقى!
وقبل ان نتهم شبابنا بالتفاهة والجهل لأنهم لا يتذوقون أم كلثوم ويفضلون شاكوش عن عبدالحليم، علينا أن نسأل أنفسنا: وهل كانت أمامهم فرصة للاستماع لأى غناء آخر غير المهرجانات؟!
إن أمريكا تنتج يوميا نحو ٣٠٠٠ أغنية تنتمى لجميع المدارس والاتجاهات الغنائية، وبين هذا الكم الغنائى هناك أغان رديئة، موسيقى سيئة وكلمات مبتذلة، وكل واحد حر يسمع ما يشاء، ولكن فى النهاية لا يصل إلى القمة إلا الأحسن والأجمل، ولا يحقق أعلى انتشار إلا أفضل عشر أغنيات لحنا وموضوعا، أما الباقى فيكون مصيره سلة المهملات ولا يتذكره أحد.
إن أجيال الكبار ــ أمثالنا ــ عشنا زمنا آخر كانت السيادة فيه لأنواع من الموسيقى والغناء أحببناها ورددناها لأنها عبرت عنا وخاطبت وجداننا وارتبطت بذكرياتنا ومناسباتنا، وعندما سمعنا بعد ذلك الأصوات والتجارب الجديدة.. منير، الحجار، عمرو دياب، أو الغناء الشعبى بأشكاله، كان بمقدورنا أن نفرز ونختار، نحب، ونرفض، لأننا أتيحت لنا فرصة الاختيار... أما الان فحرام أن نتهم ملايين الشباب أو نسخر منهم..
نحن المتهمون الحقيقيون لأننا من البداية لم نقدم لهم البديل!
وفى النهاية للفريقين المتناحرين حاليا: من يرون أهمية الدفاع عن «الذوق العام» ومن يؤكدون على أهمية عدم الحجر على الأذواق وعلى ما نستمع اليه أقول:
أنتم تنتمون غالبا لأجيال ما بعد الستينيات، لم يكن متاحا لكم غير ما تذيعه الإذاعة المصرية وما تبثه القناتان الأولى والثانية، استمعتم ونشأتم على ما كان يقدم لكم، ثم تتابعت عليكم الموجات التالية من الغناء... كنتم أحرارا فيما تنتقون، والآن أنتم تملكون «سلطة القبول والرفض»..
نحن نتحدث الآن عن أجيال الشباب.. جيل
يوتيوب وأنغامى وسبوتيفاى، جيل غنى ورقص مع نجوم المهرجانات الذين أحيوا مناسباتهم الجامعية وحفلات التخرج، جيل لم تغنِّ له أم كلثوم فى قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة!
هذا الجيل «الغائب» عن الحوار، وغير المشارك فى الخناقة الحالية، والذى لا يعنيه إطلاقا من يكسب الجولة.. النقابة أو معارضيها، هذا الجيل يا سادة يعيش فى واد آخر، وبثقافة أخرى لم نحاول نحن على مدى ٣٠ عاما تغييرها أو تعديل مسارها!

احمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار
التعليقات