أرقام للتأمل بعد «فيتو» الرئيس - محمد بصل - بوابة الشروق
الجمعة 28 نوفمبر 2025 3:39 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

أرقام للتأمل بعد «فيتو» الرئيس

نشر فى : الخميس 27 نوفمبر 2025 - 6:35 م | آخر تحديث : الخميس 27 نوفمبر 2025 - 8:01 م

للتصويت في الانتخابات أهميةٌ خاصة تتجاوز التدليل على صحة النظام الديمقراطي، إلى أنه مؤشر حيوي للتنبؤ بالمزاج العام والتغيرات الاجتماعية، وقياس التأثير المتبادل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والقوى السياسية من جهة، وفئات المواطنين المختلفة من جهة أخرى، وتفضيلات كل فئة من حيث العمر والتعليم والدخل والمستوى الاقتصادي.

تتحكم في نسبة المشاركة عشرات العوامل بدءًا من سهولة التسجيل والاقتراع والنظام الانتخابي (قائمة مطلقة أو نسبية/ مفتوحة أو مغلقة/ فردي) وتقسيم الدوائر، وحتى اتجاهات التصويت العائلية، مرورًا بالاستقطاب السياسي وقدرة المواطن على تمييز الأحزاب والبرامج، ومدى ثقته في الحكومة والبرلمان وإمكانية شعوره بتمثيل مصالحه بصورة أمينة.

ما سبق ليس محلَ خلاف كبير، إلّا عند أولئك الذين يحقّرون من الانتخاب والتمثيل النيابي، ويتناسون -أو يجهلون- أنه صمام أمان للمجتمعات، تحديدًا في دولة مثل مصر، لها إرث كبير من تجارب النضال والصراع من أجل ترسيخ دولة القانون على مبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات، كما ينص الدستور الحالي في مادته الخامسة.

وعلى خلفية بيان الرئيس عبدالفتاح السيسي بشأن انتخابات مجلس النواب الحالية وضرورة أن تكون أكثر نزاهة وشفافية، شهدت المرحلة الثانية بعض المستجدات أهمها إعلان وزارة الداخلية ضبط أكثر من 40 واقعة رشوة انتخابية. وبدا المرشحون والناخبون أكثر جرأة في الإبلاغ عن التجاوزات خاصةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ثم ترقبنا الإعلان عن الحصر العددي لتصدمنا نسب المشاركة بمعظم الدوائر.

فمن واقع البيانات التي أعلنها رؤساء اللجان العامة أمام وسائل الإعلام، وجدت أن عددًا معتبرًا من دوائر محافظة القاهرة تدنت نسب المشاركة فيها إلى حد مؤسف. سجلت مصر القديمة-المنيل 5.2% والقاهرة الجديدة-الشروق-بدر 5.6% والبساتين-دار السلام 5.7% والسيدة زينب 7% وشبرا-روض الفرج-بولاق أبو العلا 7.8%.

فلماذا عزف الناخبون –حتى بعد بيان الرئيس- عن المشاركة في هذه الدوائر الرئيسية في قلب العاصمة، التي كانت تشهد من قبل معارك انتخابية عنيفة وتُمثّل سابقًا بأهم السياسيين ورجال الحكم؟ وهل من "المُريح" أن يدخل البعض البرلمان بتأييد أقل من 3% ممن لهم حق التصويت في دوائرهم؟ وبأصوات تقل كثيرًا عمّا تحصده مقاطعهم بـ"فيسبوك" و"تيك توك" من "اللايك والشير"!

في الأقاليم نجد النسب تتحرك للأعلى، ولكن بما لا يتناسب أيضًا مع التاريخ السياسي المعروف لبعض الدوائر. مثلًا: سجلت العاشر من رمضان 5.9% والمنصورة 12.4% وبورسعيد الأولى 11.5% والثانية 11.1% وبندر دمياط 9.5%، وترتفع النسبة إلى 17.5% في طوخ-قها و20% في شبين الكوم.

تلك عينة عشوائية من واقع بيانات الحصر العددي في انتظار النتائج النهائية. تؤكد المؤكّد، ويجب أن تثير قلق من صمموا هذا النظام الانتخابي، ويجب أن تدفعهم إلى توفير جميع الضمانات لانتخابات تنافسية كاملة حرّة من القيود والاحتكار و"الفلاتر" لإنعاش معدلات التنافسية التي تراجعت في المتوسط من 13.9 مرشح لكل مقعد في 2020 إلى 9.3 في الاستحقاق الحالي.

وإلى جانب فتح المجال العام الذي يبشّر به الجميع مؤخرًا بعد "فيتو" الرئيس -على حد وصفه أمس الأول- فأولى الضمانات: تعديل النظام الانتخابي إلى أغلبية فردية تدور حول ثلثي المقاعد، وإلغاء القائمة المغلقة المطلقة، والاستعاضة عنها بقائمة نسبية بحوالي ثلث المقاعد تُستوفى بها الفئات التي أولاها الدستور رعاية خاصة، حتى لا تُهدر أصوات الناخبين وتزيد فرص التمثيل الحزبي، ويسهل على المستقلين تشكيل قوائم.

في درجة الأهمية ذاتها تأتي إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية للحد من العصبيات القروية والقبلية، وتسهيل التواصل بين المرشحين والمواطنين، وإعادة الاعتبار إلى السياسة والأفكار والخدمات. إذ تؤكد دراسات أكاديمية عدة الآثار السلبية لزيادة حجم الدوائر على الإقبال، أبرزها للباحثين كريستوف ياكوبس ونيلز سبرنجر عام 2010 على جمهورية الدومينيكان.

وفي السياق المصري الحديث؛ أوصت دراسة أجراها د. ماهر عيش، أستاذ الجغرافيا بجامعة المنوفية على انتخابات 2015، بالعدول عن الدوائر الشاسعة التي تضم مجموعة مراكز أو أقسام خاصة في الصعيد والدلتا، والاكتفاء بدوائر أحادية وثنائية المقعد، لما ثبت من تأثيرها السلبي على نسبة الإقبال واهتمام الناخب بل ومعرفته بالمرشحين من الأساس!

الصناديق الخاوية تدق جرس الإنذار: الاهتمام بالعملية السياسية في أدنى مستوياته، ولا يمكنكم غض الطرف.

محمد بصل مدير تحرير الشروق - كاتب صحفي، وباحث قانوني
التعليقات