كل هذا الملل - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:47 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كل هذا الملل

نشر فى : الأحد 28 مارس 2010 - 9:29 ص | آخر تحديث : الأحد 28 مارس 2010 - 9:29 ص

 ما أكثر المشاهد المملة فى حياتنا. ولكن ربما يكون من أكثرها مللا على الإطلاق مشهد المواجهة المعتادة والمتكررة بشكل سنوى بين المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وبين الحكومة.

عندما يصر السيد المستشار كل عام على أن يلقى نفس الملاحظات بالكلمة والحرف عن الحساب الختامى لموازنة الدولة. وعلى الجانب الآخر لاتمل الحكومة من قول نفس الردود على الملاحظات دون أن يصاب أحد الطرفين بالملل من المشهد، أو يزهق أحدهما من رتابته (المشهد طبعا).

وربما أول من وصله هذا الشعور بالملل، وأراد أن يعبر عنه على الملأ هو الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية. الذى يتعمد خلال المناقشات أن يلعب لعبة السوليتير (الكوتشينة) على تليفونه المحمول بشكل مفضوح، لعله يجد فى لعبته مخرجا من الساعات المملة للمشهد. ولكن حتى تكرار مشهد الدكتور «غالى ولعبته» على الرغم من استفزازه لم ينجح هو الآخر فى قتل الملل.

لأنه سرعان ما أصبح مملا من كثرة مااعتدنا عليه. فلم يعد يستفزنا، وعلى الأرجح لم يستفز أيضا الملط الذى لم يعلق عليه، ولم يعتبره عدم اعتناء من مسئول حكومى بارز بما يقال عن أدق تفاصيل عمل الوزير وهو الموازنة.

يبدأ المشهد عادة بأن يقول المستشار الملط إن النمو الاقتصادى زاد بينما لم تشهد أحوال المصريين تحسنا، وإن أعداد الفقراء تتزايد. فينبرى الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية (عميد الفقراء) للتشكيك فى هذا. ويبدأ فى الدفاع عن الحكومة التى انتشلت الفقراء من فقرهم، ونجحت فى إخراج عدة ملايين من غياهب الفقر إلى رفاهية العيش. وبين الحديثين يتكلم الطرفان طويلا عن أوضاع الدين العام وتضخمه، والعجز فى الموازنة وخطورته، وعن إنفاق الحكومة الزائد على اللزوم على حساب الاهتمام بالتعليم والصحة، وعن المشروعات القومية الفاشلة، وإهدار المال العام فيها. وبعدها تدور مناقشات كثيرة من أعضاء مجلس الشعب تنتهى كالمعتاد بموافقة المجلس على الحساب الختامى. ويغلق الملف فى (حينه وساعته) دون أن يعرف الناس الحقيقة.

والحقيقة إذا أردنا هذا العام أن نكسر الملل فعلينا ألا ننشغل بصحة أرقام الملط أو عثمان حول نسبة الفقر. و ماإذا كانت هناك أخطاء مطبعية قد حرفت رقما هنا أو هناك كما حاول الدكتور عثمان أن يقول. ولكن مايجب أن يشغل الباحثين عن الحقيقة هو طريقة حساب الفقر فى مصر. فإذا كان رئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء يقول إن حد الفقر فى مصر هو 205 جنيهات فى الشهر. وهو المقياس الرسمى الحكومى الذى يتم الاعتماد عليه.

أى أن من ينفق 206 جنيهات فى الشهر لا يعد فقيرا. ولايخفى الرجل أن هذا المبلغ هو ما يكفى فى مصر للإبقاء على (البنى آدم) منا على قيد الحياة، أى يكفيه أن يأكل بالكاد، ويشرب دون حد الارتواء، ويسكن فى مساكن تصعب على الكافر، وطبعا يتنفس من هواء ربنا ولكن بقدر مايسمح به مقر إقامته.
أما أن يركب أو يتشعلق فى أتوبيس أو مترو، أو يحبس فى ميكروباص، أو يدخل أولاده المدرسة، أو يعالج هو أو أحد أفراد أسرته إذا اقتضى الأمر، فهذا من رفاهية الأفعال التى تنقل المرء على الفور إلى فئة «مستورى الحال».

الحقيقة التى يجب أن نبحث نحن عنها هى الكشف بحق عن أحوال المصريين دون الاكتفاء بقول المسئولين الذين يريدون أن يريحوا ضمائرهم بأن البوتاجازات والغسالات والتليفزيونات ومكاوى الكهرباء أصبحت تملأ بيوت مصر بطولها وعرضها.

علينا نحن إنا أردنا معرفة الحقيقة أن نقترب من أوضاع 92.9% من المصريين الذين لايزالون ينفقون أقل من 415 جنيها فى الشهر وهو ماأكده جهاز الإحصاء فى بحث الدخل والإنفاق الذى صدر أخيرا لعلنا بذك نكسر الملل من المشهد إياه. أما مسئولونا الأعزاء فلا نملك إلا أن نتمنى لهم طيب الإقامة فى بلدهم الثانى مصر، وندعو لهم بطول البقاء.

الحقيقة الأخيرة.... أننى أيضا قد أصبت بالملل من كثرة ماكتبت عن هذه الأمور . فمن عساه ان ينقذنا جميعا من كل هذا الملل؟

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات