«لا يحطمنكم سليمان وجنوده» - مدحت نافع - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 1:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«لا يحطمنكم سليمان وجنوده»

نشر فى : الإثنين 28 مارس 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : الإثنين 28 مارس 2022 - 8:55 م
أنشأ الله الفطرة السليمة لأمة النمل على استشعار الخطر والتماس الأسباب لتفادى الضرر، ومهما بلغ الإنسان من درجات فى معارج العلم الحديث، فإنه يتوقى المخاطر بذات القوانين الحاكمة لسائر الأمم، وربما بقدرة أقل على اختيار أنسب البدائل لتفادى الضرر، حيث إنه نادرا ما «يعقلها ويتوكل» اهتداء بالتعاليم النبوية، وكثيرا ما تعميه الأسباب عن قدرة ومكر مسبب الأسباب.
العالم اليوم تجتاحه موجات من القلق والاضطراب، فقد توالت عليه أحداث عظام عز أن يحصيها قرن واحد، ناهيك عن بضع سنين تعرض خلالها الكوكب لجائحة، وحرب، واضطراب فى سلاسل إمداد غالبية السلع، وارتفاع فى معدلات التضخم بنِسَب تاريخية شرقا وغربا، وإجراءات لاحتواء تلك الأزمات من شأنها مضاعفة الألم على الدول الأقل نموا، ومنها رفع أسعار الفائدة، وتقييد الصادرات وحركة الأفراد والأموال...
تنفيس الشعور بالخوف يجب أن يستلهم حكمة النمل فى التعامل مع المخاطر الخارجية، إذ قال تعالى فى محكم تنزيله: «حَتَىٰٓ إِذَآ أَتَوْاْ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَٰٓأَيُهَا ٱلنَمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَكُمْ سُلَيْمَٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ». نداء من شأنه أن يعزز فى الفرد قيمة السعى والحركة، ويخاطب الوعى العام للجمهور بشفافية ومصداقية... أن يدعو كل فرد إلى تحمل المسئولية من أجل بقاء المجتمع واستمرار الأمة.
أذكر هذا وقد ساءنى سؤال وجهه لى أحد مديرى الحوارات فى قناة إخبارية عالمية، عن احتمالات انفجار الشعوب النامية تحت وطأة الظروف الحالية بثورات للجياع!... الفطرة السليمة تنبذ هذا الطرح من أساسه، تنفر من إثارته للفتنة، وإيقاظه للغضب كبديل ومكافئ لشعور القلق والخوف. استشعار الخطر المفروض على الكل من مصادر خارجية مستوردة، يحتم على الشعوب التكاتف والتعاون لاجتياز الأزمات، وعدم إشعال النيران فيما تبقى من مقومات البقاء، لأن أحدا لن يفوز فى تلك المعركة، بل إن جماهير الفقراء التى ربما أغراها أن تسلك ذلك السبيل، سوف تتجرع الألم مضاعفا، خاصة من لا يحتمل الصمود أمام الصدمات الاقتصادية بأوعية خالية من المدخرات والغذاء. يعمق من تلك المأساة أن أحدا لن يلتفت إلى أوجاعك من شعوب وحكومات الدول الأخرى، فكل غارق فى همه الخاص أو على الأقل فى همه الإقليمى.
•••
فى سياق مشابه خرج البعض منددا ببيع بعض الأصول المصرية لصندوق استثمار سيادى بدولة الإمارات العربية. أسباب الرفض والتنديد كانت عجيبة منتحلة، تشف عن تربص بالتحرك الحكومى لجذب الاستثمارات أو فى القليل تعكس تنفيسا غير موفق لحالة القلق من تداعيات الأزمات المذكورة آنفا، فى صورة غضب ورفض عام لكل تفاصيل المشهد الاقتصادى!
نفس الأشخاص الذين عابوا على السياسة المالية للدولة ركونها إلى إصدار أدوات الدخل الثابت لتمويل متطلبات التنمية من خلال جذب الأموال الساخنة، اعترضت على جذب أموال فى استثمارات غير مباشرة فى أسهم شركات قائمة ورابحة! أسباب الاعتراض منها ما انصب على طبيعة الحصص المطروحة للمساهم الاستراتيجى باعتبارها حصصا فى مؤسسات مهمة وحيوية! وهى شركات تعمل فى أسواق حرة تنافسية بهدف الربح، وليست مؤسسات عسكرية مثلا! من تلك الشركات مصرف كبير، فى حين تتعدد ملكية الدولة فى مصارف أخرى أكثر تأثيرا وانتشارا وملاءة مالية... ومنها شركات تعمل فى مجال صناعة الأسمدة الأزوتية، وهى صناعة تحتاج إلى رءوس أموال كبيرة للتطوير والتشغيل، ومن الممكن أن تعتمد على قروض المساهمين فى تمويل احتياجاتها المستقبلية فى ظل أزمة الغاز العالمية المقبلة على أقل تقدير. وتجدر الإشارة إلى أن تلك الشركات كانت جزءا من برنامج الطروحات الحكومية المعلن منذ عام ٢٠١٧، والذى تعثر نوعا ما تحت وطأة الظروف العالمية المحلية فى سوق المال.
طرح آخر لرفض مساهمة الصندوق الإماراتى فى الشركات المذكورة هو أنها شركات رابحة! وهو خطأ شائع غريب يتردد فى أوساط المختصين أحيانا، ومداره أن البيع لا يكون إلا للأصول الخاسرة! وكأن المستثمر المقدم على الشراء مجبر على اختيار أصول متعثرة، متخصص فى أدوات إصلاحها هيكليا، ممنوع من التصرف فى كثير من ميراثها الثقيل ومنه العمالة الزائدة. مثل هذا الطرح يحول الاستثمار الأجنبى من صفقة رابحة للطرفين، إلى معونة مستترة أو هدية ذات مقاصد خفية، وهو ما يهدر الأصول المتعثرة بأكثر مما يظن مناصرو تلك الرؤية الشاذة، حيث إن ذلك المستثمر الذى استعوض الله فى أمواله له أهداف أخرى بخلاف الربح، بل وبعيدة عن المجال المستثمر فيه، ولا يعنيه أبدا أن يصلح تلك الشركات للأسباب العاطفية والوطنية التى يحملها كثير من المصريين فى قلوبهم، وليس من الضرورى أن يتحرك لها أى عربى أو أجنبى بكل تأكيد.
وهناك من يقول إن المستثمر العربى دخل السوق فى أسوأ فتراته وعند أبخس الأثمان للأسهم المتداولة، وهو حق أريد به باطل، لأنه من الظلم أن نحمل المستثمر أخطاء إدارة منظومة سوق المال التى فوتت (لأسباب إدارية ورقابية فى الأساس) العديد من الفرص منذ تعويم الجنيه عام ٢٠١٦ وحتى اليوم (كما سلف أن أوضحنا فى مقالات سابقة). من حق المستثمر أن يقتنص الفرصة المناسبة له، ومن حق البائع أن يفاوض وأن يتخير عددا من بدائل التقييم العادل للسهم، بعيدا عن آلية السوق الثانوية المضطربة فى حالتنا، أو على الأقل عدم الركون إلى أسعار الأسهم فى البورصة بشكل حصرى عند إتمام صفقة البيع.
كذلك لا أملك إلا أن أثمن استهداف الاستثمارات الخليجية فى هذا التوقيت تحديدا، كونها من الدول القليلة التى يمكن أن تتحقق لديها فوائض استثنائية نتيجة للصدمة البترولية الآنية، التى رفعت أسعار برميل النفط من مستويات قريبة من ٤٥ دولارا فى موازنات الخليج العربى إلى ما فوق ١٢٠ دولارا فى بعض إقفالات جلسات تداول عقود النفط بُعيد اشتعال أزمة القرم.
•••
أهداف برنامج الطروحات يمكن أن تتعدد، ولكن الإفصاح عنها من قبل الحكومة ينقصه بعض الوضوح. الفرق كبير بين طرح (عام أو خاص أولى أو ثانوى) لبعض الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، بغرض تمويل الخزانة العامة، وبين طرح بغرض هيكلة وتمويل وتحسين كفاءة تلك الشركات المطروحة... أسلوب الطرح وآلياته وتوقيته وكثير من تفاصيله تختلف... لا مانع من الجمع بين أكثر من هدف للطروحات الحكومية، لكن عمل اللجنة الوزارية المعنية بتلك الطروحات، يمكن أن يقطع الطريق أمام كثير من أسباب الرفض لأى تفاصيل فى التنفيذ، لو أنه تمتع بقدر أكبر من الشفافية ومن الحوار المجتمعى.
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات