أولادنا لا يقرأون! - مي حمدي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أولادنا لا يقرأون!

نشر فى : الأربعاء 28 يونيو 2023 - 6:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 يونيو 2023 - 6:10 م

حين كنت طفلة كنت أستمتع بالاستلقاء صيفا على الأريكة فى غير أوقات الخروج أو التدريبات وفى يدى كتاب وبجوارى طبق من الفاكهة الباردة المنعشة. حصلت على حصيلة لغوية ومعلوماتية لا يستهان بها من قراءتى للعظيم نبيل فاروق فى رجل المستحيل، وملف المستقبل. تعرفت على العالم من حولى من خلال مجلة ميكى. صال خيالى وجال مع المكتبة الخضراء. ضحكت كثيرا مع فلاش، وانتظرت بشغف ماجد وسمير، وغيرهم.
عبثا أحاول تشجيع أطفال العائلة على القراءة، فأجدنى أمام سد منيع وحصن حصين. «مبنحبش القراية!»، هكذا يأتينى الرد قاسيا. أحاول تارة أن ألقى أمامهم بكتاب مصور، دون أن أنبس ببنت شفة، فى محاولة «خبيثة» منى لجذب انتباههم بشكل غير مباشر، فأنجح لثوانٍ يتصفحون فيها الكتاب سريعا ثم لا يلبثون أن يلقونه بعيدا.
أولادنا لا يقرأون، لغتهم ضعيفة، معلوماتهم يستقون معظمها من على الإنترنت. أعرف السبب الرئيسى وراء هذا العزوف والمتمثل فى ذلك الملعون الإلكترونى الصغير الذى قلب حياتنا رأسا على عقب، والذى يجذب كل حواسهم وانتباههم، يسرق تركيزهم، وأعمارهم، وأعمارنا، وتقوم الدنيا ولا تقعد فى بيوتنا بسبب محاولات ومشادات جذب الصغار ــ والكبار ــ بعيدا عنه.
• • •
الحقيقة أنى لن أعطى نصيحة هذه المرة، فأنا فعلا فى حيرة من أمرى، لا أدرى كيف يمكننا استعادة أولادنا المسحورين من هذا العالم الإلكترونى الذى امتصهم وابتلعهم على مرأى ومسمع منا. أعرف أن إفراز الدوبامين فى المخ الناتج عن استخدام الإنترنت أو تحقيق انتصار فى لعبة إلكترونية هو المسئول عن الرغبة المستمرة فى العودة للإنترنت، حيث إن الدوبامين هو هرمون السعادة والمكافأة والمرتبط بالإدمان والرغبة فى تكرار الفعل، مما يسبب رغبة فى العودة للإنترنت دائما. حسنا كيف يمكننا محاربة هذا الأمر؟
أستطيع أن أوجه مجموعة من النصائح لمكافحة إدمان الإنترنت بشكل عام، منها على سبيل المثال لا الحصر توفير سلوك بديل عن استخدام الإنترنت يوفر لأولادنا نفس الشعور بالاستمتاع والسعادة، مثل الخروج مع الأصدقاء، وزيادة التفاعلات الاجتماعية، والأنشطة الرياضية والفنية، بالإضافة إلى مناقشة الأطفال والاتفاق معهم بشكل تشاركى على قواعد وتوقيتات استخدام الإنترنت، وأن نكون نحن أنفسنا قدوة لهم بتقليلنا من وقت استخدام الإنترنت. أعى تماما أن تنفيذ هذه النصائح ليس بهذه السهولة، بل هو تحدٍ كبير وعملية طويلة تستوجب التدريج والصبر والمثابرة.
هناك فكرة الحكى، وتتمثل فى إلقاء القصص على الأطفال بطريقة جذابة شبه تمثيلية، يتم فيها تغيير طبقات الصوت وتنويع الأداء لجذب الأطفال، وهى مفيدة كبديل مؤقت غير كافٍ عن الكتاب، وتمثل أيضا طريقة جيدة لإيصال الرسائل التربوية خاصة وأن أنماط التعلم تختلف من طفل لآخر، فقد تكون بصرية، أو سمعية، أو مقروءة/ مكتوبة، أو حركية أو غير ذلك.
ولكن تبقى المشكلة الرئيسية: كيف نعيد الأطفال إلى الكتب؟ استشرت بعض خبراء التربية وعلم النفس والذين طرحوا عددا من الأفكار القيمة التى يمكن أن تساهم فى تحسين الوضع إذا اهتممنا بتنفيذها وصبرنا عليها.
ترى المستشارة التربوية حنان صبرى أن الحل يكمن فى ربط الكتاب بالحياة الاجتماعية وبالتجارب الممتعة والأنشطة المختلفة، وتقترح تكوين «أندية الكتاب» بمعنى تنظيم لقاءات دورية لعرض ومناقشة الكتب بشكل جماعى، على أن يتم الاستماع للأطفال وأفكارهم وانطباعاتهم. وقد تشمل «أندية الكتاب» أنشطة أخرى اجتماعية أو فنية أو ثقافية، ويمكن خلال هذه اللقاءات استضافة أحد صناع المحتوى على الإنترنت للتحدث عن حبه للقراءة، أو أحد مؤلفى الكتب ليروى تجربته، على أن يكون الضيف ذا سن صغيرة لكى يشعر الأطفال بالقرب من الكتاب.
وتؤكد أمنية عسكر المدربة القائدة بالجمعية الأمريكية للتربية الإيجابية أن حب الكتاب يبدأ من الصغر، وأنه من المفيد قضاء وقت خاص وذى جودة مع الأطفال فى قراءة القصص لهم ومناقشتهم فيها، وتشجيعهم على إعادة حكيها بأنفسهم، وبهذا تنشأ علاقة بينهم وبين الكتاب، على أنه يجب الاعتراف بصعوبة هذا التحدى فى زمن الصور والإنترنت وسهولة الوصول للمعلومات عبر الشبكة العنكبوتية، لذا يجب التحلى بالصبر وإدراك التأثير السلبى للإنترنت على الانتباه والتركيز للكبار والصغار.
أما منال رستم المدربة التربوية فتنصح بضرورة إيجاد قدوة للأطفال بأن يكون الأشخاص المربون أنفسهم من القراء، على أن يشاركوا الأطفال فى قراءة الكتب المناسبة لأعمارهم ويقوموا باصطحابهم للمكتبات العامة والاشتراك فيها، والعمل على جعل القراءة عادة يومية لكى يحب الطفل أو الطفلة الكتاب.
وكاتبة ورسامة كتب الأطفال رانية حسين أمين ترى أن الكتاب يحتاج إلى مجهود ذهنى أكبر مما يحتاجه التصفح على المحمول، والأطفال يهربون من المجهود الذهنى إلا إذا كان المجهود مصاحبا لمضمون يخاطبهم ويخاطب مشاعرهم، أى يتكلم عنهم وعن مشاكلهم وأحلامهم وحياتهم الحقيقية، أو عن خيال يرغبون حقا فى الهروب إليه، أو أفكار تروق لهم وتشبع تساؤلاتهم، أو مواقف وشخصيات تضحكهم وتسليهم وتثيرهم. لذلك فالحل لن يكون إلا بفهم الأطفال فهما حقيقيا وتقديم ما يروق لهم حقا، ثم استخدام كل الوسائل الممكنة لجذبهم، حتى وإن كانت وسائل التواصل الاجتماعى، والتفكير فى طرق مختلفة ومبتكرة لترويج الكتب لهم مباشرة أو للأشخاص المربين.
وأخيرا وليس آخرا، توصى كاتبة الأطفال ميريام رزق الله بإنتاج برامج مسابقات تليفزيونية للقراءة والكتابة للأطفال، تقوم بمتابعة المراحل المختلفة لهذه المسابقات وتصفياتها، وتستضيف الأشخاص المشاركين والفائزين فيها، لتشجيع المزيد من الأطفال على الاشتراك، وترسيخ فكرة أن القراءة والكتابة نشاطان ممتعان، بالإضافة إلى إطلاق حملة قومية للتشجيع على القراءة، ويمكن أن يتم ذلك تحت رعاية وزارتى الثقافة والتربية والتعليم، على أن تتضمن الحملة مسابقة قراءة للأطفال، يقوم الأطفال بتسجيل مقاطع «فيديو» لتقديم عروض للكتب المفضلة لديهم، يتم نشرها وتداولها على وسائل التواصل الاجتماعى، مما يزيد من ثقتهم بأنفسهم فى طرح الموضوعات التى تشغل اهتمامهم، ويُشجع غيرهم من الأطفال على القراءة.
• • •
اليوم أنا لا أطرح نظرية، ولا ألقى محاضرة، وإنما فقط أدق جرس إنذار لمشكلة العزوف عن القراءة، التى تتوغل بثقة فى مجتمعنا وفى نفوس أولادنا ونفوسنا، فلربما التفتنا لها، أو حاولنا مواجهتها، قبل أن يندثر الكتاب، وتضيع اللغة، وتتوه العقول، وتتشتت القلوب.

مي حمدي مديرة اللجنة الثقافية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان ومرشد تربوي
التعليقات