وقال لى يا أمى! - مي حمدي - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وقال لى يا أمى!

نشر فى : الأربعاء 26 أبريل 2023 - 7:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 26 أبريل 2023 - 7:50 م

مثل كثيرين من بنات جيلى من مواليد الثمانينيات أصاب بصدمة شديدة مع عصبية حادة إذا ما نادانى أحدهم بـ«طنط»! لا أرى نفسى فى هذا اللقب ولا أشعر به ولا أحبه! يعرف أبناء العائلة والأصدقاء هذا الأمر ويلتزمون به، فهذا اللقب لا يمثلنى، أنا لست «طنطًا» لأحد!.
• • •
بدأت الصدمة ربما بعد التخرج من الجامعة حين بدأ مثلا «سايس» السيارات فى مناداتنا «يا مدام»، لست «مدامًا» يا أخى! أنا شابة حديثة التخرج فى مقتبل عمرى. قيادتى لسيارة ليس مبررا أبدا لمناداتى «مدام».
• • •
ازداد الوضع سوءا مع ألقاب مثل «يا أبلة»، وغيرها، واعتدت الأمر مع مرور السنوات. أما أن ينادينى صبى «السوبر ماركت» فى هذا اليوم بـ«يا أمى» فهذا ليس مقبولا على الإطلاق! لم أفكر فى كم من الممكن أن يكون عمره ولكنى بكل تأكيد لم أكبر لحد أن أكون أما لشاب. حتى لو كان الأمر ممكنا أو عاديا بيولوجيا، فإنى سأنكره!.
• • •
فى البداية قلت ربما تكون «لازمة» لغوية لديه، ولكنه كررها فى اليوم التالى أيضا. فكرت أن أتوقف عن المرور بهذا المتجر فى الصباح، أو أتوقف عن تناول الطعام من الأساس لكى لا يلقى فى وجهى ثانية بهذه القنبلة. لست أمك يا أخى حتى لو كان عمرك يقترب من عمر ابن أخى أو يتجاوزه بقليل، هذا ليس مبررا! من أنا لأكون أمك؟ لا يعنى كسرى حاجز الأربعين من العمر أن تنادينى «أمى» حتى لو كنت تصغرنى بعشرين عاما.
• • •
شعرت بالعظيم أحمد خالد توفيق حين كتب: «فجأة وجدت أننى فى الأربعين.. الخامسة والأربعين.. ثم سن الخمسين! هذه أرقام لم أسمع عنها قط ولم أتخيل أنها ممكنة.. بدأت أشعر بالذعر عندما لاحظت الباعة يقولون لى «يا حاج».. والمراهقون يقولون «يا عمو».. ثم ازداد الأمر سوءا عندما صار الأولاد المهذبون يقفون فى الموصلات كى أجلس مكانهم».
• • •
حين كنا صغارا كنا نظن أن من تجاوز العشرين كبيرا، ومن وصل إلى الثلاثين ربما كان عجوزا!! أما الآن فقد تجاوزنا الأربعين بقلوب أطفال، لا نستطيع استيعاب أننا قد بلغنا هذا الرقم. «هذه أرقام لم أسمع عنها قط ولم أتخيل أنها ممكنة». ما زلنا صغارا، لم يتغير بداخلنا شىء، ما زال فى صدورنا طفل يريد أن يلهو ويحلم، ويتثاقل من المسئوليات.
• • •
ما زلت يا فتى أسابق الأطفال على الأرجوحات فكيف تصفنى بأمك؟! ما زلت يا «بنى» أتشبث بجلباب أمى، تتوكـأ علىّ فأستند أنا. و«بنى» هنا تعبير مجازى لا تعتقد أنى أعنيه حقا. ما زلت أهرع بعد الله إلى أمى فى كل مشكلة. ما زلت أعشق شطيرة أمى، وما أدراك ما شطيرة أمى، هل أحدثك عنها يا «بنى»؟ شطيرة أمى ليس كمثلها شطيرة، تملؤها حشوا وحبا، تبث فيها مشاعرها الطيبة، وتهتم فيها بكل تفصيلة قد لا ألتفت لها، تزفها إليك بالأمنيات والدعوات لصباح خير فى يوم جديد.
• • •
ما زلت أبحث عن «الكبار» وقت الأزمات، ثم أفاجأ بأنى أنا «الكبار» كما قال أيضا توفيق: «أتمنى أن أبكى وأرتجف، ألتصق بواحد من الكبار، لكن الحقيقة القاسية هى أنك أنت الكبار! أنت من يجب أن يمنح القوة والأمن للآخرين». وكيف لى هذا وأنا أحتاج إليهما؟
• • •
صدقنى يا أخى أنا لا أكبر! فى كل عام يصغر عمرى عاما، حتى لو ظهر بالوجه خطوط تنفى ذلك! قطعا أنا لا أعنى ملامحى ولا تقاسيم وجهى ولا لياقتى، ولكنك قد ترانى أحكى بشغف للصغار قصصى مع القطط والطيور والأطفال، لا لتسليتهم أو للوصول إلى مستوى تفكيرهم، ولكن لأنى مستمتعة بهذه القصص فعلا! قد ترانى أستمتع أكثر منهم بلعبة أو بمداعبة قطة أو بنزهة جديدة، أو أسابقهم إلى اكتشاف جديد.
• • •
صدقنى يا «بنى»، أنا لا أكبرك كثيرا حتى لو كان للحسابات الزمنية رأى آخر. طفلة أربعينية أنا ما زالت تلهو وتحلم، ما زالت ترى جميع البشر أنقياء وتلتمس لهم الأعذار رغم لوم الكثيرين، ما زالت تخشى من الحياة وتبحث بعد الله عن «الكبار»، ولا ترى نفسها منهم، ما زالت تعيش طفولتها وترى الأرقام لا تمثلها، فأرجوك يا صغيرى، لا تقل لى «يا أمى»!.

مي حمدي مديرة اللجنة الثقافية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان ومرشد تربوي
التعليقات