«مغامرة» منزلية - مي حمدي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«مغامرة» منزلية

نشر فى : السبت 9 سبتمبر 2023 - 9:00 م | آخر تحديث : السبت 9 سبتمبر 2023 - 9:00 م
مفهوم الإجازة عندى يختلف عن كثير من الناس، لذلك كثيرا ما أتعبهم، ويتعبوننى! فالإجازة عندى تعنى الهدوء والاسترخاء فى أغلب الأحيان. خاصة فى رحاب منظر طبيعى، فهو يغنينى عن البشرية بأكملها، وأى صوت بشرى يتناهى إلى مسامعى أثناء استمتاعى بالأزرق أو الأخضر يصيبنى بارتفاع فى ضغط الدم، فلا أقبل فى هذه الحالة أى رفيق سوى فنجان من القهوة اللذيذة أو كوب شاى ساخن، ولا مانع من قليل من المسليات كشرائح البطاطس وما شابه. وهذه الحالة المزاجية أنتظرها من العام للعام وتصيبنى بسعادة وانتشاء لا مثيل لهما، فأصبح فوق السحاب فى لحظات.
إجازة قصيرة لمدة يومين بالساحل الشمالى، كنت مترددة هذه المرة فى السفر، وربما كان أكثر ما شجعنى هو أن الإقامة فى دور أرضى مطل على حديقة. «الأمر يستحق التفكير إذن!» حسنا، فلنشد الرحال إلى «الساحل».
• • •
حين رأيت الحديقة العامرة ببديع خلق الله، بزروعها وورودها ذات الألوان المبهجة والرائحة المنعشة، عرفت أن الأمر يستحق. ولكن، ما بين سمر الأهل والأصدقاء، وضحكات أطفال العائلة وصخبهم، مر اليومان بسرعة شديدة، واكتشفت فجأة أنى سأعود إلى القاهرة فى صباح اليوم التالى دون أن أجد فرصة للاستمتاع بحالتى المفضلة من الصفاء النفسى التى أقضيها وحدى فى صمت لذيذ محبب إلىّ. صحيح أنى لم أعد أصل إلى هذه الحالة بسهولة كذى قبل ولكنى كنت متأكدة من أن وجودى وحدى بالحديقة فى الصباح الباكر كفيل باستحضارها.
أكننت «مخططى» فى نفسى، ونمت وأنا أحلم بالصباح لكى أتنسم هواء الحديقة النقى، وأمتع نظرى برؤية الخضرة والورود، أستمع إلى الصمت، الصمت فقط، ما أجمل صوته! وما أجمل احتساء قهوتى الصباحية بصحبتى فقط أحيانا!
• • •
دق جرس منبهى فى الثامنة صباحا فنهضت بنشاط غير معهود بالنسبة لى خاصة فى الإجازات. مشيت على أطراف أصابعى أتسحّب كاللص خشية إيقاظ أحد، «طبعا خشية إزعاج الجميع، لا لسبب آخر». أعددت قهوتى واتجهت صوب الباب متشوقة لفتحه لأصبح فى جنة أرضية، ولكن وجدت بانتظارى مفاجأة غير سارة!
الباب مغلق بإحكام ولا أستطيع فتحه! حاولت بشتى الطرق فلم أفلح، خاصة أنى كنت أحاول عدم إصدار أى صوت. نظرت إلى فنجان القهوة اللذيذ المهدد بتسرب سخونته مع مرور الدقائق فى محاولاتى بدون فائدة، فهل أيئس؟ هيهات!! لا لليأس فى قاموسى خاصة إذا كانت الجائزة هى نسمات الصباح المنعشة بالحديقة الخضراء. اتجهت إلى غرفتى أتسحّب ثانية، فتحت الشُرفة بهدوء، وقمت بوضع الفنجان على السور و«هوب»..!! قفزت!! نعم قفزت من شرفة الدور الأرضى إلى الحديقة. بعون الله، لم تخذلنى مهاراتى الرياضية القديمة ولياقة بدنية لم يبق منها إلا أقل القليل!
• • •
ها قد أتيت يا صباحى الجميل. سحبت مقعدا للجلوس ومددت ساقى على آخر، وبدأت أرتشف بتلذذ، ولكن...! وآه من كلمة «لكن»!! لم تمر دقيقة إلا واجتمع كل ضجيج الأرض فى صوت مزعج كريه يصب فى أذنى. «خيانة»! أدار أحدهم جهاز التكييف فى الدور الأول! كدت أبكى! تسمرت دقيقة، ثم تحت شعارى «لا لليأس»، انتقلت للحديقة المجاورة الخاصة ببعض الأقارب، ولو أن أحدهم استيقظ فجأة لوجدنى فى حديقتهم بكل أريحية!! جلست وأنا مازلت أسمع الضجيج ولكن من بعيد. توقف بعد قليل فعدت لحديقتنا ثانية. وحين انتهيت من فنجانى، قررت أنى لم «أتمزّج» بما يكفى. ذهبت تحت شرفتى ثانية، تلفت يمنى ويسرى خشية أن يرانى أحد فيتم القبض على فورا بتهمة اقتحام المكان. الطريق أمان، إذن مرة أخرى، «هوووب» إلى الداخل.
كررت نفس العملية من تسحب على أطراف الأصابع، ثم إعداد القهوة، ثم قفز، ثم احتساء! ها قد نجح مخططى واحتسيت القهوة قبل أن يستيقظ الأطفال بكل «ضجيجهم»، أقصد مرحهم وضحكاتهم العذبة.
مر الوقت ممتعا فى صحبة هدوئى المنشود وسعادتى التى انتظرتها طويلا، ولكن، أين الصغار؟ لماذا تأخروا؟ يبدو أننى أفتقدهم!
مي حمدي مديرة اللجنة الثقافية بالمجلس القومى لحقوق الإنسان ومرشد تربوي
التعليقات