الرهانات الخاسرة - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرهانات الخاسرة

نشر فى : السبت 29 أكتوبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 29 أكتوبر 2011 - 8:00 ص

شجاعة أدبية كبيرة تحلى بها المركز الدولى المرموق للأبحاث والمعلومات الاستخباراتية، وهو مركز Stratfor، باعترافه بأنه أخطأ التقدير وجانبه الصواب حيال نيات حماس المستقبلية. أقر المركز أنه راهن على أن تقوم حماس، بسبب التطورات المتوقعة فى مصر ونتيجة لجوء السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، بافتعال أزمة مع إسرائيل، تؤدى من ناحية إلى تقوية شوكة العناصر المعادية لإسرائيل فى مصر بحيث يتم رفع الحصار تماما عن غزة وإلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

 

من ناحية أخرى تقوم السلطة الفلسطينية بتشجيع اندلاع انتفاضة جديدة فى الأراضى المحتلة حتى لا تحتكر حماس خيار المقاومة وتنجح فى تهميش دور السلطة بالمزيد. بطبيعة الحال لم تخلق حماس أزمة مع إسرائيل، بل عقدت معها صفقة مهمة، ولم تلغ مصر معاهدة السلام، ولم تتفجر انتفاضة جديدة. ويسلم المركز المذكور الآن بأن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة قد فتحت صفحة جديدة فى علاقات حماس بإسرائيل، وأحدثت ديناميكية جديدة فى المنطقة، ودعا المركز إلى ضرورة إعادة تقييم المسار الذى يمكن أن تتخذه الأحداث فى المنطقة مستقبلا!

 

هذا الرهان الخاسر كان من بين رهانات عديدة ثبت الآن أنها كانت فى غير محلها تماما. كان الرهان بأن الجندى الإسرائيلى شاليط لن تعيده حماس حيا إلى إسرائيل، وذهب البعض إلى القول بأنه تمت تصفيته بالفعل، وأفتت مصادر «عليمة ببواطن الأمور» بأنه قد تم نقله إلى إيران. ثبت خطأ كل هذه التوقعات، وأعادت حماس الجندى الإسرائيلى سليما لم يمسسه سوء (بالمناسبة هو أول أسير إسرائيلى يتم إعادته حيا إلى إسرائيل منذ ما يقرب من 26 عاما خلت)، كما أنه لم يثبت أن شاليط غادر قطاع غزة فى أى وقت من الأوقات.

 

بالمقابل راهنت إسرائيل منذ أسر الجندى عام 2006 على إمكان «تحريره» بالقوة، وتوالت الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على القطاع بلا هوادة، وتكررت الغزوات بما فى ذلك عملية الرصاص المصبوب الهمجية. وفرضت إسرائيل الحصار على القطاع، وقامت بتجويع أهله. كان غرضها من كل ذلك تركيع غزة ليستجيب حكامها إلى إملاءات إسرائيل ومطالبها. فشلت إسرائيل تماما، حتى لم تتمكن من مجرد تحديد مكان أسره. لم تسعفها أجهزة رصدها المتطورة، أو قرون استشعارها التى تسمع دبيب النمل كما تدعى. إذن فهو فشل بامتياز للجيش الإسرائيلى وللمخابرات الإسرائيلية.

 

هناك من راهن أيضا على أن نجاح حماس فى تحرير هذا العدد الضخم من الأسرى الفلسطينيين سيسرق الأضواء من على السلطة فى رام الله، وستتسع شقة الخلاف بين الأخيرة وبين حماس بالمزيد. ثبت زيف هذا الادعاء، ولم يكن ترحيب محمود عباس وقيادة فتح بالأسرى المفرج عنهم بأقل من ترحيب حماس وأهل غزة. حرصت حماس أن تضم قائمة الأسرة المحررين كل الفصائل الفلسطينية بما فى ذلك فتح، وشملت الصفقة سكان القدس، وعرب إسرائيل، وأهل الجولان السورى. فبذكاء شديد جاء المفرج عنهم من كل الأراضى العربية المحتلة.

 

●●●

 

واقع الأمر أن الصفقة نجحت فى التقريب بالمزيد بين حماس والسلطة، وأجمع الكل الآن على ضرورة طى صفحة الخلافات بينهما إلى الأبد، وإتمام فصول اتفاق المصالحة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وربما إجراء انتخابات جديدة فى وقت غير بعيد. هناك حديث الآن عن فتور قد اعترى علاقات حماس بالنظام السورى بسبب عدم تورط حماس فى تأييد النظام فيما يرتكبه من أعمال قمعية تجاه شعبه. ويذكر البعض الآن أن حماس ترغب فى نقل قيادتها من دمشق إلى عاصمة عربية أخرى. أضف إلى ذلك، أو لعله بسبب ذلك، يتردد وجود فتور مماثل فى علاقات حماس بإيران التى تدعم حتى الآن النظام السورى.

 

وقبل أن أتعرض إلى نتائج الضفة وتداعياتها، أو أن أشير إلى رهان آخر ثبت بطلانه وهو المتعلق بالدور المصرى. راهن الكثيرون منذ فترة على انحسار الدور المصرى وأفول نجم مصر من سماء الأحداث، إقليمية كانت أم دولية. ثم ادعى البعض أن الثورة المصرية أدت إلى انكفاء مصر داخليا على نفسها. حقيقة الأمر أن مصر قد نجحت أولا فى إبرام اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، ثم لعبت دورا محوريا فى إتمام صفقة تبادل الأسرى. وقبل كل ذلك قامت مصر الثورة بفتح معبر رفح بشكل مستمر، وعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية التى جعلت من مصر بكل أسف شريكا فاعلا فى جريمة حصار غزة إبان الحكم السابق.

 

ما إن تم إبرام الصفقة وتنفيذها، حتى انتعشت الآمال فى إمكان أن ينعكس ذلك على عملية السلام فى المنطقة التى تبقى بالطبع هى الهدف الأساسى لكل تحرك. عبر الرئيس الفرنسى ساركوزى عن الأمل فى استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وصدرت تصريحات مماثلة عن سكرتير عام الأمم المتحدة، وعن ممثل الرباعية تونى بلير. وطالب عضو فى حزب كاديما الإسرائيلى بإعادة تقييم علاقات إسرائيل بحماس، وإعادة النظر فى الحصار المفروض على غزة، واعترفت صحف أمريكية بأن الصفقة قد حركت المياه الراكدة فى المنطقة. أما صحيفة هيرالد تريبيون الأمريكية فقد تساءلت عن أسباب عدم قيام رئيس وزراء إسرائيل بالتفاوض بشكل جدى مع السلطة الفلسطينية، فى الوقت الذى تفاوض فيه مع حماس التى يعتبرها منظمة إرهابية، ومازالت عند موقفها من عدم الاعتراف بإسرائيل، بل تمطر إسرائيل بالصواريخ عندما تريد؟! وهل سيبقى نتنياهو على موقفه من مطالبة أمريكا بوقف مساعداتها للسلطة بسبب استعدادها لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس بعد التطورات الأخيرة؟!

 

جاء الموقف الأمريكى الرسمى من الصفقة محيرا تماما، حيث كان رد فعلها فاترا، ولم ينضم إلى بقية المواقف الدولية التى عبرت عن الأمل فى أن تؤدى الصفقة إلى دفع عملية السلام قُدما. اكتفى المتحدث باسم الخارجية بإبداء الارتياح الأمريكى للإفراج عن الجندى الإسرائيلى، وأعلن فى نفس الوقت أن بلاده قد أبلغت إسرائيل باعتراضها على بعض الأسماء التى وردت بقائمة المفرج عنهم بسبب تهديد هؤلاء لأمن أمريكا وإسرائيل! لم أفهم سببا لهذا التحفظ الأمريكى تجاه الصفقة إلا إذا كانت أمريكا قد ساءها ألا تكون طرفا فى المفاوضات التى أدت إلى إبرامها، أو أن تكون أمريكا قد أضحت ملكية أكثر من الملك، إذا ما نحن قارنا موقفها بالموقف الإسرائيلى!. وهنا يثور التساؤل عما إذا كان الكونجرس الأمريكى سيستمر مغردا خارج السرب ويقطع المساعدات عن السلطة بسبب عزمها تشكيل حكومة وطنية مع حماس؟

 

دب النشاط مرة أخرى فى الرباعية، وفى نفس الوقت نرى مجلس الأمن على أعتاب النظر فى طلب السلطة المشروع فى انضمام دولة فلسطين إلى عضوية المنظمة الدولية. لا يستطيع أحد أن ينكر الآن أننا قد نكون أمام صفحة جديدة لعلاقات مختلفة بين السلطة الفلسطينية وحماس، وأيضا بين إسرائيل وحماس، وربما يفتح ذلك نافذة أمل جديدة حتى وإن بدت ضيقة.

 

●●●

 

ولاشك أن مصر ومن واقع ما لديها من رصيد ضخم من الثقة لدى مختلف الأطراف، مؤهلة الآن للبناء على ما تحقق، وحشد كل الطاقات الإقليمية والدولية من أجل الانتقال إلى آفاق أوسع تتمثل فى تحقيق السلام والأمن والاستقرار بالمنطقة.

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات