من مسلم مرتبك إلى فضيلة الإمام الأكبر (٢ــ٢) - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 14 نوفمبر 2024 4:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من مسلم مرتبك إلى فضيلة الإمام الأكبر (٢ــ٢)

نشر فى : الأربعاء 28 نوفمبر 2018 - 11:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 28 نوفمبر 2018 - 11:30 م

فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر
تحية طيبة وبعد..
هذه تكملة الرسالة التى كتبتها إلى سيادتكم فى هذه المساحة يوم الأحد الماضى، وقبل أن أبدأ رسالتى، أضيف ملاحظة مهمة لفت إليها الأصدقاء نظرى وهى أن هذه الرسالة الموجهة إليكم هدفها الوحيد هو فتح مساحة حرة وآمنة للحديث عن التجديد والإصلاح الدينى فى الإسلام عن طريق أولا تحرى الدقة والموضوعية فى النقل المنهجى العلمى دون الاقتطاع من السياق، وثانيا عن طريق طرح أفكار عامة لبداية طريق هذا التغيير، وليس من ضمن أهداف رسالتى هذه تسيس القضية أو استغلال أى خلاف حقيقى أو متخيل بينكم وبين السلطة، وأشكر الدكتور زياد بهاء الدين على تأكيد هذه النقطة فى مقاله المنشور يوم الثلاثاء الماضى فى هذه المساحة عن الموضوع نفسه.
أما بعد..،
بعد نشر نقدى لسيادتكم فيما يتعلق بمقالة الدكتور محمد توفيق صدقى الذى نشره فى مجلة «المنار» لأنكم وضعتم مقالة الدكتور فى سياق الفتنة والتربص بالسنة وليس فى سياق الآراء والتفكير والاجتهاد، اكتشفت أن الدكتور صدقى لم يكتف بالاجتهاد فقط ولكنه تراجع عن موقفه أصلا وعاد وأكد بعد مجموعة من السجالات بينه وبين الشيخ طه البشرى ورشيد رضا على خطأ موقفه فى مقال نشره فى مجلة «المنار» أيضا بعنوان «كلمة إنصاف واعتراف»، قال فيها نصا وأنا هنا أقتبس:
«وأما البحث الثانى (السنة العملية) فالشطط الوحيد الذى ارتكبته فيه على ما أرى؛ هو إنكارى وجوب ما فهم الصحابة من النبى صلى الله عليه وسلم أنه دين واجب ولم يكن مذكورا فى القرآن، ولكن أجمع عليه المسلمون سلفهم وخلفهم؛ عملا واعتقادا بدون أدنى اختلاف بينهم.. فأنا أعترف بخطأى هذا على رءوس الأشهاد واستغفر الله تعالى مما قلته أو كتبته فى ذلك، وأسأله الصيانة عن الوقوع فى مثل هذا الخطأ مرة أخرى. وأصرح بأن اعتقادى الذى ظهر لى من هذا البحث بعد طول التفكر والتدبر هو أن الإسلام هو القرآن وما أجمع عليه السلف والخلف من المسلمين عملا واعتقادا أنه دين واجب وبعبارة أخرى أن أصلى الإسلام اللذين عليهما بنى هما الكتاب والسنة النبوية بمعناها عند السلف؛ أى طريقته صلى الله عليه وسلم التى جرى عليها العمل فى الدين».
ويمكن لسيادتكم مراجعة كتاب قيم بعنوان «حوار حول الإسلام هو القرآن وحده» للباحث هشام عبدالعزيز، نشر فى عام ٢٠١١ عن دار نشر «جداول للطباعة والنشر والتوزيع»، وأشكر الصديق العزيز الأستاذ محمود الشهاوى مساعد رئيس تحرير جريدة «الدستور» على لفت نظرى لهذا الكتاب القيم الذى يوضح هذه المساجلات الحرة المتفتحة الآمنة التى جرت قبل قرن كامل من الزمان، بينما نحن الآن مازلنا ندور فى سياق التخوين والتشكيك! ألا تعتقد فضيلتك أن الأمانة العلمية والمنهجية تحتم عليكم إيضاح هذا التطور فى فكر الدكتور محمد توفيق صدقى بدلا من الاكتفاء بنقل ما اعتقدتم أنه فتنة وتربص؟ أدعوكم عن طريق منبركم الكريم لإعادة مناقشة الكتاب المهم ليس فقط لإكمال السياق الذى نقلته خطبتكم مقتطعا، ولكن أيضا لإيضاح قيمة التفكير والمساجلات الآمنة المبنية على الفكر الحر وليس على التخويف والتشكيك والاتهامات المرسلة.
***
فى نهاية خطبة سيادتكم احتفالا بالمولد النبوى الشريف، أشرتم إلى حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) القائل «يوشك رجل منكم متكئا على أريكته يحدث بحديث عنى، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذى حرم الله عز وجل» لتتساءل حضرتك متعجبا من أنبأ الرسول أن أناس سيأتون ليرفضوا سنته حينما قال الرسول هذا الكلام وهم فى غياهب العدم!
والمشكلة هنا ليست فى نص الحديث قطعا ولا حتى فى سنده، ولكن لأن فضيلتكم ترتكبون فى تقديرى نفس الخطأ الفادح الذى يرتكبه الكثيرون من قادة منابر المساجد والزوايا، وهو وضع الأحاديث فى غير سياقها، بل واستنطاق الرسول للدلو برأيه فى أحداث لم يعاصرها أو يتحدث عنها عن طريق استدعاء كلامه فى غير موضعه لتحقيق انتصار وهمى واغتيال معنوى لدعاة التجديد أو حتى لمن يحاول أن يفكر مجرد التفكير لتحدى وضع لا يراه صحيح حتى لو أخطأ! نعم ما حرم رسول الله هو الذى حرم الله، ولكن هذا لا علاقة له بمن يحاول التجديد والتفكير، فاستدعاء هذا الحديث هو محاولة خلق مواجهة مصطنعة بين الرسول وبين أناس هذا العصر لدعم وجهة النظر هذه أو تلك وهذا هو تحديدا ما نطالب تجديده وتغيره، سياق الاستدعاء وطريقة الاستدلال ومنهجية الحجج، لا الأحاديث نفسها!
***
ورغم أن الموضوع يطول شرحه وتكثر تفاصيله، إلا أننى أعرض لفضيلتك ما أتصور أنه خطوط عامة لعملية الإصلاح الدينى والتى وإن كنت أرفض بوضوح أن يكون الأزهر الشريف محتكرا لها، إلا أننى قطعا أراه هو الأولى بالدعوة إليها دون خلط متعمد للأوراق فى كل مرة يطرح فيه موضوع التجديد.
الخط الأول: الإصلاح السياسى: لا أعتقد أن سيادتكم ستختلفون معى باطلاعكم الواسع وعلمكم ومنهجكم المشهود به وله أنه لا إصلاح أو تجديد دينى بدون إصلاح سياسى، وأحيل سيادتكم إلى ما كتبه الأستاذ خالد سيد أحمد فى هذه المساحة يوم السبت الماضى بعنوان « التجديد الناقص»، فى حتمية الإصلاح السياسى كشرط للإصلاح الدينى بحديثه الرائع عن «الديموقراطية الغائبة» كمعوق للإصلاح أو التجديد، ولكن لا يعنى هذا أن سيادتكم غير مسئولون عن هذا الإصلاح، فالكنيسة الكاثوليكية (مثلا) لعبت دورا مهما فى الإصلاح السياسى فى أمريكا اللاتينية فى ثمانينيات القرن الماضى، والكنيسة فى جنوب إفريقيا لعبت دورا مهما فى المصالحة السياسية بعد سنوات من الفصل العنصرى، وكذا هو الحال فى شرق وغرب أوروبا، لا أطالبكم قطعا بالصدام مع السلطة، بالعكس أدعوكم لفتح حوار صريح مع الأخيرة حول أهمية الإصلاح السياسى، أدعوكم لتقليل خطب التخوين والتشكيك فى المطالبين بالتجديد، وإقناع الناس بأهمية الإصلاح حتى لو كان تدريجيا وحتى لو كان بطيئا، فهذه هى بداية مسئوليتكم الحقيقية عن تجديد الخطاب الدينى.
الخط الثانى: استيعاب المسلمين الغاضبين والمرتبكين: يحلو لكثير من علمائنا الأفاضل والكثير منهم من الدارسين بالأزهر الشريف الحديث بتفاخر عن «المليار مسلم» (الحقيقة أن العدد وصل إلى مليار ونصف المليار)، لكن هل تعلمون فضيلتكم كم من هؤلاء يعانون؟ كم من هؤلاء يشكون؟ كم من هؤلاء غاضبون أو مرتبكون؟ كم من هؤلاء انتهجوا حياة منفصلة تماما عن فتاوى الأزهر وعلماء المسلمين؟ كم منهم يحاولون أن يصنعوا لنفسهم منهج فتاوى مختلفا اعتمادا على فتوى القلب وروح الإسلام بعيدا عن تحجر الفتوى الرسمية وانفصالها عن الحياة المعاصرة؟ أى تجديد تلقائى هذا الذى يتحدث عنه بعض الأزهريين؟ ما هى أصلا أهمية منهاجية أو صدق الأحاديث طالما أنها لا تفيد الناس؟ هل صنع الإنسان من أجل الدين أم صنع الدين من أجل الإنسان؟ عليكم باستيعاب الغاضبين والمتشككين وليس لومهم أو تخوينهم! عليكم ببداية حوار فكرى وآمن مع الناس تقتربون فيه من حياتهم واحتياجاتهم ومظالمهم ومالم تفعلوا ذلك فستظل خطبكم منفصلة عن واقع المسلمين، قد يخاف الأخيرون من البوح، لكنهم لن يتوقفوا عن التفكير ولا عن التصرف بمعزل عن حالة التجمد الرهيبة التى أصابت مؤسساتنا الدينية مهما قيل غير ذلك!
الخط الثالث: الاقتراب من الحياة المعاصرة: وهذا شرط آخر من شروط التجديد، إذا كان الإسلام بالفعل صالح لكل زمان ومكان (وهذا هو إيمانى)، فهذا معناه أن يحاول الإسلام (القائمون على أمره) تطويع نفسه لمفردات العصر وليس العكس! العالم القائم الآن لا تفلح معه الكثير من كتب التراث الحالية، ولا التفسير الحرفى لآيات القرآن دون أخذ السياق القديم والمعاصر فى الاعتبار. إذا كانت هناك آيات قطعية الثبوت والدلالة ولكنها معطلة نتيجة لانتهاء ظروف عصرها أو نتيجة لتطور العلاقات المجتمعية، أو نتيجة لفساد الضمائر وعجز القوانين الوضعية عن تنفيذ الحكمة الإلهية من الآيات، فلماذا لا نجدد الفهم اعتماد على روح النص وليس لفظه؟ ماهى القيمة العظيمة التى ستضاف إلى الإسلام والمسلمين بالإصرار على تطبيق «لفظية» الآيات أو الأحاديث إذا كان تغير كل هذه الظروف يجعل من التطبيق النصى معضلة كبيرة ينتج عنها ظلما مجتمعيا فادحا؟ بدون الاقتراب من الحياة المعاصرة وتطوراتها الحديثة، فلا يمكن أبدا تقليل تلك الفجوة الكبيرة بين الإسلام وبين الناس، مهما قيل فى ذلك من تبريرات لا تنفع الناس وقطعا لا ترضى الله تعالى الذى عرفناه عادلا رحيما لا ظالما متحجرا! الأصل كان وسيظل الروح وليس النص وتاريخ السيرة الأولى للإسلام فى أقصى مراحل نقاؤه ملئ بهذا الاتجاه ولا نعلم من في صالحه تعطيل هذا الاتجاه؟!
الخط الرابع: بين السنة والقرآن: آخر الخطوط التى أطرحها على فضيلتكم لبداية طريق التجديد الفعلى دون الاكتفاء بخطابه هو الاعتماد على القرآن والسنة كمصادر للتشريع الإسلامى ولكن بشروط ثلاثة لابد من مناقشتها بجدية:
الشرط الأول: مراجعة بعض الأحاديث التى تتعارض بوضوح مع القرآن الكريم، وإنكار هذا التعارض لا يفيد فى حل القضية، فنظرة على كتب الأحاديث وفى مقدمتها كتاب البخارى توضح أن بعض الأحاديث قد تتعارض بالفعل مع القرآن الكريم ولأن القرآن فى مرتبة أعلى من الحديث فلابد من توفيق الأخير على الأول وليس العكس!
الشرط الثانى: التفرقة بين نص الحديث اللفظى وبين قيمته المبتغاة، لا تتسع المساحة الآن لأمثلة، ولكن مثله مثل آيات القرآن الكريم هناك أحاديث لا يمكن فهمها إلا فى ضوء عصرها، ومن ثم فلابد من تجريدها من الفهم اللفظى للوصول إلى القيمة المبتغاة فيتم الحفاظ على السنة بحق باعتبارها توجيهات وقيما تمثل منهج حياة، لا أوامر جامدة ومنفصلة عن السياق!
الشرط الثالث والأخير يتمثل فى ضرورة التفرقة بين الأحاديث التى لا توثق إلا سيرة الرسول باعتبارها رواية تاريخية لحياة رسول الإسلام لاستخلاص العبر وأخذ القدوة وبين الأحاديث التى تمثل مجموعة من الأوامر أو النواهى أو التفسيرات المفصلة للقرآن الكريم والتى لابد من تطبيقها بواسطة المسلمين.
من يأخذ بزمام هذه المبادرة غير الأزهر الشريف وعلماءه المتخصصون؟
شكرا لسعة صدركم ووفقكم الله ومؤسستكم لما فيه صالح الناس جميعا.
أستاذ مساعد العلاقات الدولية الزائر، جامعة دنفر.

أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر