الأمير عبد القادر ابن سيدي محي الدين - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمير عبد القادر ابن سيدي محي الدين

نشر فى : الأحد 29 يناير 2017 - 12:45 م | آخر تحديث : الأحد 29 يناير 2017 - 12:45 م

طيف الأمير عبد القادر كان يحوم حول المكان، أثناء حديث وزير الثقافة والتعليم الفرنسي السابق، جاك لانج، الذي يشغل منذ حوالي أربع سنوات منصب رئيس معهد العالم العربي بباريس. جاء لانج إلى مصر لمقابلة رئيس الجمهورية وبابا الكنيسة الأرثوذكسية وعدد من المسئولين ولشرح تفاصيل معرضين سيتم تنظيمهما بالمعهد في خريف 2017 وربيع 2018، الأول حول تاريخ مسيحي الشرق، والثاني حول ملحمة قناة السويس عبر القرون. تخيلت الأمير عبد القادر بزيه التقليدي وذقنه الأسود يأتي من بعيد على دراجة بخارية، ليلعب دور المخلص أو يقوم بدور الوسيط في حل هذه الأزمة أو تلك، فنحن بحاجة إلى شخصيات غنية ومرهفة تعرف متى تلجأ إلى المقاومة المسلحة ومتى تهادن ومتى تستسلم ومتى تلجأ إلى الدبلوماسية والحوار.

لماذا الأمير الجزائري عبد القادر بن محي الدين الحسني تحديدا؟ لأن تاريخه ارتبط بموضوع المعرضين: أنقذ مسيحي سوريا عام 1860، أثناء إقامته في دمشق، عندما زحف الدروز بالبنادق والسيوف على منازلهم لإبادتهم وجعل داره ملاذا آمنا لهم، فكالعادة كانت الطائفية والنزعات الدينية هي الحاكمة في لحظات ضعف وارتباك الدولة العثمانية مثلما هي الحال في دول كثيرة. كما كان له دور بارز في حفر قناة السويس، إذ ساهم في تذليل بعض العقبات وتسوية الخلاف بين الخديوي اسماعيل وفرديناند ديليسبس، ممثل الشركة الفرنسية، بحكم صداقته لكليهما وبحكم إيمانه بأهمية مشروع حفر القناة بالنسبة لحركة التجارة والملاحة وللعلاقات الدولية وبضرورة ربط الشرق والغرب.

خلال اعتكاف هذا السياسي المتصوف في مكة والمدينة، سنة 1863، نجح في إقناع السلطات الدينية في المنطقة بأهمية المشروع الذي لاقى رفض الباب العالي في القسطنطينية بإيعاز من الإنجليز. ثم توجه بعدها إلى مصر حيث التقى مشايخ القبائل في مناطق الحفر وأقنعهم أيضا بأهمية المشروع والتضحية من أجله، موضحا أنه سيسهل وصول الحجاج إلى مكة وسيؤتي ثماره حضاريا واقتصاديا، ونجح بالفعل بسبب مكانته لدى البدو، كما نجح من قبل في توحيد القبائل الجزائرية لمقاومة الاستعمار الفرنسي في بلاده قبل أن يتم عزله واقتياده إلى السجن والمنفى بطولون ثم القسطنطينية ثم دمشق حيث وافته المنية بعد حوالي عشر سنوات من إقامته هناك، عام 1867، ودفن إلى جوار ابن عربي، أستاذه وشيخه، في مقامه بالصالحية، ثم نقلت رفاته للجزائر في بدايات الستينات بعد الاستقلال.

•••

لماذا تخيلت الأمير ذي اللحية قادما على دراجة بخارية؟ ربما هذه هي الصورة الكاريكاتورية التي ترسخت في ذهني عن المبعوث الخاص الذي يتنقل بين مناطق النزاع والتوتر، وربما لشيوع المنظر في شوارع القاهرة، وربما للحس البراجماتي للرجل الذي تسعى كل الأطراف لأن تضمه لفريقها أو تبرزه في الصورة التي تريد.

جمع بين السياسة والدين والتصوف والفلسفة والشعر والفروسية. نشأته الأولى على يد والده رجل الدين والسياسة الذي ينتسب إلى الإمام الحسين بن علي وللطريقة القادرية، وكذلك زياراته المبكرة للبلاد العربية وعلاقاته المتشعبة فيها، جعلته في نظر البعض نموذجا للقومي العربي. ويعتبره بعض المنتمين للتيار الديني قائدا ربانيا ومجاهدا إسلاميا، بوصفه أول من نادي بالجهاد والحرب المقدسة في الجزائر، في الوقت نفسه الذي يسعى من هم في السلطة إلى إبرازه كبطل قومي موحد للجزائريين في محاولة لطمس ذكريات أخرى.

خطب وده الماسونيون وتواصلوا معه خلال وجوده في مصر، بل ذهب البعض إلى أنه تعاطف مع أفكارهم أو حتى التحق بهم، فتفسير الكثيرون لمواقفه ومراحل حياته المختلفة لا يخلو من الالتباس، وقد اقترنت سيرته دوما بدرجة من الانفتاح على الآخر، يصعب أحيانا استيعابها. لم يفصل بين الطرق الصوفية، وتلاشت معه العديد من الحواجز والفواصل، فالرب واحد والأديان واحدة والخلاف ما هو إلا على التفاصيل. لذا صعب تصنيفه.
يقاوم الفرنجة ويحمل السلاح ضد الاستعمار، لكنه شغوف بالثقافة الفرنسية وفلسفة التنوير والتقدم الأوروبي. يفاوض حول ظروف عزله، ويحصل على راتب شهري من الفرنسين، ويوطد علاقته بنابليون الثالث، لكن يرفض التورط في دور سياسي أكثر مما رسم هو لنفسه.

•••

عندما نقرأ خطاباته مع ديليسبس، أو نرى رسومات افتتاح قناة السويس التي تصوره جالسا ضمن المقصورة الملكية إلى جانب الإمبراطورة أوجيني، أو نسترجع أفكاره الإصلاحية التي نجد صداها في مؤلفات محمد عبده أو الأفغاني أو شكيب أرسلان، نفهم أننا أمام نسيج مختلف، فارق كبير بين تركيبة وثقل هذه الشخصية بتناقضاتها وتعقيداتها وضحالة الموجود على الساحة. المعرضان اللذان بدأت بالحديث عنهما ليسا عن الأمير عبد القادر، كما سبق وأن أوضحت، لكن هما فرصة للتبحر في التاريخ الذي يجب أن يظل صوب أعيننا في مرحلة صعبة.

التعليقات