اجتماع مسار أستانا: لقاء آخر أم انطلاقة جديدة - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اجتماع مسار أستانا: لقاء آخر أم انطلاقة جديدة

نشر فى : الإثنين 29 يوليه 2019 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 29 يوليه 2019 - 10:10 م

الجولة الثالثة عشرة من اجتماعات مسار أستانا التى ستعقد مطلع شهر أغسطس فى نور سلطان عاصمة كازاخستان لن تشكل اختراقا فيما يتعلق بإطلاق عمل اللجنة الدستورية. اللجنة التى تشكل آلية العملية السياسية التى استقرت حولها جميع الأطراف الدولية والإقليمية للتسوية «الداخلية» للأزمة السورية، باعتبار أن المطلوب دائما فى أزمات من هذا النوع تسوية خارجية تشكل مدخلا ضروريا مواكبا وضامنا للتسوية الداخلية.
هنالك أكثر من فهم لهذه التسوية: بين تغيير فى النظام أيا كانت درجات هذا التغيير أو تغيير النظام عبر عملية دستورية سياسية تدريجية.
المواقف تتغير بالطبع حسب لحظة توازن القوى المحيطة بالأزمة وبالتالى تغير الأولويات. وللتذكير فإن الخلاف ما زال قائما بشأن تشكيل اللجنة وبالأخص حول كيفية اتخاذ القرار واختيار بعض المشاركين فى فئة المجتمع المدنى إلى جانب فئتى ممثلى النظام والمعارضة، أو لنقل المعارضات، وأيضا بشأن تحديد صلاحيات اللجنة. لكن هذا البند سيبقى ضاغطا على جدول أعمال مسار أستانا الذى وصفه بعضهم بأنه صار بمثابة منتدى حوار بين الضامنين الثلاث لهذا المسار (روسيا، إيران وتركيا) وليس منتدى للتفاوض برعايتهم بين فريقى النظام والمعارضة. وللتذكير، فإن هذا المسار قد حل كمسار واقعى وفاعل مقارنة مع مسار عملية جنيف. المسار الذى سينتظر لإعطاء المشروعية الأممية لاحقا لما يتم الاتفاق عليه فى مسار أستانا، كونه المؤتمن على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
علاقات «ضامنى أستانا»، وبالأخص روسيا، مع جميع القوى الدولية والإقليمية المعنية بالملف السورى تساهم فى اشراك هؤلاء، ولو بشكل غير مباشر، فى التعامل مع بعض النقاط الخلافية وفى صياغة بعض التفاهمات التى يتم التوصل اليها.
صحيح ان ثلاثى أستانا هو الأكثر تأثيرا فى مسار الأزمة السورية ولكنه لا يستطيع أن يفرض الحل وحده بسبب تأثير الأطراف الأخرى فى الوضع الراهن بدرجات مختلفة، وبالأخص فى صياغة وبناء السلام متى حان وقته.
ما يزيد من تعقيدات المشهد أن هناك تفاهمات تبنى بين الخصوم وخلافات يعمل على احتوائها بين الحلفاء وذلك «بالقطعة» الجغرافية أو الموضوعية.
مشاركة لبنان المعنى بملف اللاجئين/النازحين ــ ولكل تسمية معناها القانونى والسياسيــ، وكذلك العراق المعنى بالبوابة السورية العراقية وبمن يمسك بمفتاح هذه البوابة فى «لعبة الأمم» الاستراتيجية فى المنطقة يمثل خطوة مهمة كمراقبين إلى جانب المشاركة القائمة من قبل للأمم المتحدة والأردن بالصفة ذاتها. وقد عملت روسيا دائما دون نجاح لتوسيع المشاركة العربية بهذه الصفة دون نجاح.
من المنتظر ان يدفع حوار أستانا إلى إحداث تقدم ولو طفيف فى ملفات ساخنة، منها موضوع إدلب والصدام السورى التركى حولها الذى يشكل مواجهة غير مباشرة بين تركيا من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى. موضوع آخر ساخن يتعلق بإقامة منطقة آمنة شمال شرق سوريا: تركيا تدفع لتوسيع الرقعة الجغرافية للمنطقة التى تريدها تحت سيطرتها وتعلق أهمية خاصة على شرق الفرات وعلى منبج غرب النهر للتخلص من «الورقة الكردية» فى اللعبة. «الورقة» التى تدعمها واشنطن وأوروبا ولا تعارضها موسكو بغية «تشليح» إيران مفتاح البوابة السورية العراقية. الولايات المتحدة تصر على إقامة منطقة عازلة لحماية الأكراد. نقاط شديدة التعقيد مع رفض عربى من خارج مسار أستانا يلتقى مع الموقف السورى برفض تمكين تركيا من إقامة منطقة نفوذ مطلق فى شمال شرق سوريا. وهنالك تخوف من عملية التتريك فى عفرين التى قد تتوسع، والحاملة لتغيير ديمغرافى واسع. والجدير بالذكر أن هنالك أربعمائة ألف نازح جديد فى الأشهر الأخيرة بسبب التصعيد فى شمال غرب سوريا أيضا.
من النقاط «غير الرسمية» على جدول ضامنى أستانا ازدياد التنافس الروسى الإيرانى شمال غرب سوريا والذى انعكس فى توترات وحصول اشتباكات محدودة بين قوات نظامية سورية تتبع لكل من الطرفين. أضف أيضا موضوع الجولان الذى يعود بقوة إلى الواجهة، على الرغم من التفاهمات التى حصلت بإبعاد إيران عن جنوب غرب سوريا وذلك عبر عودة إيرانية غير مباشرة إلى أطراف الجولان السورى بواسطة حلفائها الموجودين بقوة على المسرح الاستراتيجى السورى. يدفع نحو تلك العودة تصاعد سخونة المواجهة الأمريكية الإيرانية السياسية بشكل مباشر وعبر الحلفاء على الأرض، وأهمية ورقة الجولان فيما لو تحقق سيناريو مواجهة عسكرية إسرائيلية مع حلفاء إيران وأصدقائها فى غزة وجنوب لبنان وبالتالى الجولان. يزيد من مخاوف هذا السيناريو ازدياد التوتر والتصعيد فى «الملف» الفلسطينى الإسرائيلى.
كل هذه العناصر الذى ستتناولها هذه الجولة من مسار أستانا ستكون على الطاولة فى القمة التى سيعقدها ضامنو أستانا نهاية شهر أغسطس. ربما يستطيعون حينذاك إطلاق العملية الدستورية للتسوية السورية ولو على المستوى الرسمى وليس بالضرورة على المستوى الفعلى، بانتظار القمة الرباعية التى ستصبح تقليدا بدأ منذ عام وتضم إلى جانب روسيا وتركيا كل من فرنسا وألمانيا، العضوين فى المجموعة المصغرة حول سوريا.
إنها مرحلة اجتماعات وقمم احتواء النقاط المشتعلة فى المسرح الاستراتيجى السورى ومنعها من التمدد جغرافيا وعنفيا بانتظار وقف التصعيد فى الصدام الأمريكى الإيرانى والعودة إلى التهدئة وبلورة التفاهمات التى توفر شرطا ضروريا لانطلاق قطار التسوية فى سوريا، إذ أن الاكتفاء بالترتيبات المجزأة والمؤقتة تبقى هشة فى مناخ إقليمى يتسم بتصعيد مفتوح.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات