الكرنك الجديد - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكرنك الجديد

نشر فى : السبت 29 أغسطس 2015 - 7:35 ص | آخر تحديث : السبت 29 أغسطس 2015 - 7:35 ص

كلما مررت مرورا عابرا على إحدى القنوات الفضائية فى الأشهر الأخيرة، صادفت فيلم «الكرنك». تعثرت فى منتصفه أو نهايته وكأنه فى حال عرض دائمة. كأنه صار أيقونة المرحلة التى نعيشها رغم مرور السنوات. الفيلم إنتاج مُنتصَف السبعينيات، ولم يكن يُعرَض على الشاشات إلا فيما ندر، وإذ فجأة صار ضيفا أليفا يحتلها صباحا ومساء.

كلما سمعت «خالد صفوان» الضابط الجلاد، الذى قام بدوره الفنان «كمال الشناوى»، وهو يدافع عن أفعاله، وعما يرتكبه مُتحدثا بلسان الثورة، مُتعَللا بأن القائمين عليها يشقون طريقهم بصعوبة، ومُحاولا إغراء «زينب»؛ البطلة التى قامت بدورها الفنانة «سعاد حسنى»، بأن تدلى بما تعرفه عن هؤلاء الذين يعملون ضد الثورة، وأن تشى بكل ما تراه مُهدِدا للثورة، وأن تساعده فى حماية الثورة، كلما ذُهِلت مِن حال التطابق بين الماضى والحاضر، وكلما تذكرت الابتسامة العريضة التى يرسمها على وجهه وهو يبشرها بأنها صارت واحدة «منهم»، انتقلت ذاكرتى على الفور إلى رجال الدولة الحاليين، الذين يحثون الموظفين والطلاب وسائر المواطنين جهارا نهارا على أن يشوا ببعضهم البعض، حتى يحافظوا على الثورة ويثبتون جدارتهم بها وبكونهم أبناءها المخلصين.

***

لم أفهم سر التغيُر تجاه الفيلم، لم أفهم لماذا صار مَحبوبا مِن المسئولين الذين كانوا يعتبرونه لسنوات طويلة مِن المُحَرمات. فكرت فى احتمالات عدة؛ أن يكون هناك مَن يُصدق بالفعل أن ثورة قامت ونظاما تغير وحرية صارت مِن حق الجميع، أو أن يكون هناك مَن يرى العكس؛ بأن ظلما قد وقع ولا يزال يقع، وأن أفواها تغلَق، وأن أقلاما تتجمد، وأن مشاهد الفيلم هى أفضل تعبير. أن يُعرَض الفيلم بكثافة أمر ربما يعنى شيئا، إما رسالة للناس بأن الممنوعات صارت مُباحة، وألا خوف مثلما كان، أو رسالة على النقيض؛ بأن هذا هو ما جرى بالأمس وما سيجرى اليوم وغدا؛ أن الطغاة لايزالون يحكمون، وأنهم أقوى مِن ذى قبل بحيث لا يحبذون المنع أو الحجب والإنكار، بل يفضلون المواجهة وفرض واقعهم الجديد، وأظن الرسالة الأخيرة هى الأقرب إلى ما تدور رحاه على الأرض.

***

لا يحتاج المرء إلى كثير مِن الفطنة ليدرك أن مَن اصطنعوا شبه ثورة، يفترسون مَن آمنوا بثورة كاملة، وأن مَن استتبت لهم السلطة واستحكم النفوذ يُنَكِلون بمَن اكتفوا بحلم مَنزوع الأنياب. أسباب التنكيل والافتراس صارت هينة، كما صارت أيضا مُخجِلة، كلمات بديهية باتت مَدعاة للتحقيق وربما الاعتقال، اعتراضات على حقوق مهدورة غدت دافعا لإطلاق الغاز وربما النيران، والمضحك أن تُنسَب كلُ مظاهر الثورة التى مازالت روحها تعبئ الكثيرين، إلى جماعة واحدة لم يكن قادتها أبدا مِن دُعاة الثورة.

فجاجة الافتراس المعنوى الحالى على قدم وساق، ربما تتجاوز قسوة مشاهد العنف الجسدى ضد ضحايا «الكرنك» وأبطاله، كثيرون جرى تشويههم فى الآونة الاخيرة، وآخرون يأتون فى الطريق. وصلت إلى يدى رسالة لشيخ مَجمَعِى جليل، تطاله منذ فترة حملات تنكيل متعاقبة، كتب يقول: «فى الساعات الأولى، من صباح الخميس 20 أغسطس 2015م تتم ستون عاما تماما، منذ التحاقى بجامعة القاهرة، طالبا بكلية دار العلوم: يبلَغنى أَحدُ مساعديَ بمجمع اللغة العربية، أن جامعة القاهرة، أعرق جامعات مصر الحديثة، والجامعات العربية كلها، قد اتخذت قرارا، هى بصدد صياغته وإصداره بصفة رسمية، بإنهاء خدمتى بها». أفهم أن ثمة مواقف لا ترضى عنها السلطة، اتخذها أشخاص قليلون، وتوجب عليهم الآن أن يدفعوا أثمانها، أفهم أيضا أن للشيخ مواقفَ أعلنها منذ سنوات خلت، وجلبت له حينها ما جَلَبَت مِن مضايقات، وأنه فَضَلَ الانسحاب بعدها دون أن يتلوَن أو يطلب الصفح عما ارتكب، أفهم هذا وذاك لكنى لا أفهم هذا القدر مِن المغالاة فى الإيذاء، الذى لا يبدو مُبررا سوى فى سياق جَعلِ الأصوات المُخالفة عبرة للآخرين مِمَن يفكرون، أو ربما سيفكرون فى يوم مِن الأيام أن يعترضوا، أو يتراجعوا عن دعمهم لسلطة تزداد توَحُشا.
***

يقول الشيخ الثمانينى إن أحد أساتذة اللغة العربية مِن المجمعيين يتشارك معه العقاب، إذ صدر قرار إنهاء الخدمة بحقه هو الآخر. يقول أيضا فى رسالته إنه أراد زيارة كلية دار العلوم، وخاف أن يُمنَع مِن دخولها وأيده بعض الرفاق فى مخاوفه، فساورته تِلك الأبيات:
«تعلمْ حياة البعد فالسيف باتر *** ومن حول ليلى عصبة وجماهر
وخلفت طوابير الحراسة عسكر *** بأثواب كتـــاب عيــون نواظــــــــــــــــــر
ودقت بأضلاع الصدور مسامــــــر *** تبوح بأسـرار الصدور المســـــــــــــــــــامر
ترى ما ظن على بدرخان إذ يُعاود مُشاهدة ما صنعه منذ أربعة عقود كما لو كان أنهاه البارحة؟

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات