حتى إشعار آخر - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 9:55 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حتى إشعار آخر

نشر فى : الثلاثاء 29 ديسمبر 2009 - 9:51 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 29 ديسمبر 2009 - 9:52 ص

 من عام لعام تزداد قسوة الأحداث والتطورات التى تحيط بنا وبالمنطقة وتتضاءل قدرتنا على مقاومتها. ويصبح من العسير رؤية المستقبل والخروج من تحديات الواقع الراهن، وخلال السنوات العشر الأخيرة التى تنتهى بنهاية هذا العام، شهدت المنطقة بأسرها تغيرات جذرية عميقة، أطاحت ببعض النظم العربية، وهزت أخرى من جذورها، وأوقعت من الانقسامات والحروب بين شعوبها.

فى العام الذى نشهد ساعاته الأخيرة ينتهى بنفس الأزمة التى بدأ بها.. غزة والحصار الإسرائيلى لغزة وموقف مصر الملتبس منها، والذى وضعنا فى مشكلة مع الشعب الفلسطينى وأثار كثيرا من موجات الغضب،ولم يحقق فى نفس الوقت أدنى تقدم فى التعامل مع الصلف الإسرائيلى، ولم يحقق خطوة واحدة فى طريق السلام.

فى عام 2009 وقفت مصر وحدها فى كثير من المشاكل والأزمات، وانفضت من حولها دول عربية عديدة، حتى أخذت كل واحدة منها تبحث عن طريق.. فى الماضى كانت القضية الفلسطينية والمشاعر القوية والاستقطابات الدولية، تدفع الدول العربية إلى الاصطفاف معا فى شكل ما من أشكال التضامن، ولم تكن الفوارق بين الدول الغنية والفقيرة.. عربيا قد تعاظمت لتولد مشاعر الأنانية والاستغناء.

وأما الآن فقد تغيرت الموازين، ونجحت قوى خارجية فى أن تقلب المعادلات.

لم يعد خطر التوسع الإسرائيلى هو العدو الذى يهدد الأمن العربى، بل أصبحت إيران ــ التى سعت ونجحت لأسباب استراتيجية عديدة فى امتلاك التكنولوجيا النووية ــ هى مصدر الخطر. ولم يعد الحديث عن شعوب إسلامية بل عن دول سنية وأخرى شيعية، وأصبحت الجامعة العربية مجرد واجهة أنيقة لواقع متهدم. وظهر بجلاء خلال العام المنصرم أن تركيا وإيران قد عملتا على سد الفراغ الذى خلا باستقالة مصر من موقع الريادة، خاصة بعد الاحتلال الأمريكى للعراق، وتدهور العلاقات مع سوريا، والرضوخ للضغوط الأمريكية الإسرائيلية التى ساعدت على تمزيق الشعب الفلسطينى، ووقوع السودان فى شرك نزاع انفصالى بين الشمال والجنوب، وانحدار اليمن إلى حرب أهلية تورطت فيها السعودية، وبينما مازالت إسرائىل تملك البوصلة فى توجيه الأحداث والسيطرة عليها، لا تملك مصر ولا سائر الدول العربية بوصلة تقود إلى خيارات أخرى، أو تؤثر على أمريكا والغرب فى وقوفهما إلى جانب إسرائىل على طول الخط.

ويبدو هذا التدهور فى السياسات الخارجية مرتبطا بتدهور فى قدرة النظام المصرى على بناء قاعدة سياسية واجتماعية صلبة، تقف فى وجه الضغوط وتستمد شرعيتها من أوضاع ديمقراطية ودستورية لا خلاف عليها، وعلى الرغم من حالة الحراك السياسى التى بدت مبشرة بإمكان حدوث تغيير فى تحريك المياه الراكدة، فقد عجزت المجموعة الحاكمة باسم الحزب الوطنى عن قبول النزعات الإصلاحية والمطالب الشعبية.. وبمعنى أدق عن قيادة الشعب على طريق التحديث السياسى والاقتصادى.

وظل الاعتماد على الأساليب القمعية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار ومواجهة المصاعب المعيشية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية.. والتى لأول مرة فجرت مظاهرات احتجاج فئوية بين العمال والموظفين والمهنيين والطلبة إزاء ضراوة الأوضاع الاقتصادية.

وفى كل هذا لم تستطع الأحزاب السياسية المعارضة فى أن تثبت مواقعها، وتوسع نفوذها فى الشارع المصرى، بل بقيت على حالها تتخذ موقف المتفرج، وتعجز عن بناء هياكلها الداخلية على أسس ديمقراطية، فى انتظار مكاسب محدودة قد تنجم عن صفقات صغيرة فى كل انتخابات قادمة!

وربما كانت جماعة الإخوان هى أكثر القوى السياسية التى أثبتت وجودها فى الحلبة أمام الحزب الوطنى، على الرغم مما اتسمت به من جمود فكرى وعقائدى. وكان الخوف من تمدد نفوذها هو الذى ضاعف من غلبة الجناح المتشدد وجعلها هدفا لقمع أمنى غير مسبوق. زاد من وطأة الشعور بالخوف والاختناق العام.

وفى مقابل هذا شهد العام المنصرم تراجع مؤسسات الإسلام الرسمى التقليدى وانتشار دعاة الفضائيات، الذين أغرقوا الناس بالفتاوى وبخطاب دينى متخلف ومتعصب.. كان سببا فى تنامى عوامل انشقاق مع الأقباط وانتشار مظاهر التدين الشكلى الزائف لدى الجانبين. وسرعان ما انعكس على علاقات المسلمين بالمجتمعات الأجنبية التى هاجروا إليها فى الغرب، ليشكلوا فيها بؤرا خارجة عن المألوف. تدل على مدى ما وصلت إليها الدول العربية من ردة حضارية.

لم يكد يشهد العام نهايته، إيذانا بعقد جديد فى القرن الواحد والعشرين، حتى ظهرت بوادر تحركات سياسية ترمز إليها عناصر من خارج الأحزاب والقوى السياسية التقليدية. تطالب بتعديل الدستور وإلغاء المواد المعطلة للحريات وتداول السلطة، وهى المواد التى تقيد الترشيح للرياسة وتفتح الطريق أمام شبهة التوريث، وظهرت أفكار وأسماء جديدة مثل البرادعى وعمرو موسى وغيرهما.

وعلى الرغم من أن ظواهر الأمور تبدو أكبر مما يشى به الواقع، ولا يوحى بأن سيناريوهات 2010 و2011 سوف تختلف عما هو مرسوم ومخطط، فمازالت بعض القوى السياسية الطامحة تبحث عن مخرج من القفص الحديدى الذى يكبل احتمالات التغيير.

وقد بدأت بالفعل عمليات الاستعداد والتعبئة وبادر وزراء وسياسيون إلى إعلان تأييدهم لترشيح الرئيس مبارك وظهرت علامات الساعة بإعلان نقابات العمال عن مطالبها بترشيح الرئيس مبارك، فى نفس الوقت الذى قطع فيه جمال مبارك بأن الباب مغلق أمام أى تفكير فى تعديل الدستور، وأن النظام الفردى للانتخابات سيبقى كما هو. والتزم الجميع الصمت حول إلغاء قانون الطوارئ.. يعنى كل شىء يبقى على حاله، حتى إشعار آخر.

ولكن هل يمكن أن يمر عام بغير مفاجآت؟!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات