جرائم الاستبداد والعقوبات الدولية - محمد السماك - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 2:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جرائم الاستبداد والعقوبات الدولية

نشر فى : الأحد 30 أكتوبر 2011 - 9:30 ص | آخر تحديث : الأحد 30 أكتوبر 2011 - 9:30 ص

هل شكلت صورة الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك وهو محمول فوق سرير طبى ومحتجز داخل قفص الاتهام، حافزا أمام «الآخرين» من الرؤساء فى الدول العربية وغيرها، للقيام بكل ما يمكن القيام به لتجنب أن يجدوا أنفسهم فى إطار الصورة ذاتها؟.. وإذا كان هناك مثل هذا الحافز، فهل دفعهم إلى المزيد من التشدد والعنف وإلى ارتكاب المزيد من الاستبداد للاحتفاظ بالسلطة، أم أنه دفعهم التى التراحم مع الناس وإصلاح ذات البين لفتح صفحة جديدة من الاحترام والثقة معهم؟ ما يحدث فى اليمن وسوريا يشير إلى الحالة الأولى. وما حدث فى المغرب والأردن يشير إلى الحالة الثانية. فى الحالة الأولى تواصل سقوط الضحايا.. وفى الثانية تواصلت العملية الإصلاحية. لم تبلغ أى من الحالتين السقف. ففى الحالة الأولى يتوقع سقوط المزيد من الضحايا. وفى الثانية يتوقع الاستجابة إلى المزيد من الإصلاحات.

 

السؤال فى أساسه عن صورة الرئيس مبارك على سرير طبى فى قفص الاتهام يذهب إلى أبعد من ذلك، وهو هل محاكمة أى رئيس سواء فى بلاده أو أمام محكمة العدل الدولية، يشجع على كبح عمليات انتهاك حقوق الإنسان خوفا من مصير مماثل أم أنه يشجع عليها لتجنب الوقوع فى مصير مماثل؟

 

●●●

 

للإجابة عن هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أنه منذ محاكمات نورمبرج عن الجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبها النازيون فى أثناء الحرب العالمية الثانية التى جرت فى عام 1949، وحتى عام 1970، لم تجرِ محاكمة أى رئيس أو مسئول أمام محكمة دولية. ولكن العالم عرف فى العقدين الأخيرين اتهام ومطاردة وحتى محاكمة وإدانة العديد منهم. فانتهاك الحقوق الإنسانية لم يعد شأنا داخليا يخص الدولة التى تجرى فيها عملية الانتهاك، ولكنه أصبح شأنا عالميا يخص المجتمع الدولى كله ممثلا بالأمم المتحدة وبمواثيقها الدولية. وبالتالى لم تعد جرائم انتهاك حقوق الإنسان تخضع حصرا للقوانين الوطنية، ولكنها أصبحت تخضع للقوانين الدولية التى تتقدم على القوانين الوطنية. من هنا كان قرار مجلس الأمن الدولى حول ليبيا الذى أعطى الضوء الأخضر لحلف شمال الأطلسى بالتدخل العسكرى لحماية المدنيين من بطش وغطرسة العقيد القذافى.

 

لقد أصدرت محكمة العدل الدولية فى لاهاى أحكاما بإدانة رؤساء دول سابقين كان من بينهم الرئيس الليبيرى، والرئيس الصربى، وأصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحق رؤساء حاليين أيضا، من بينهم الرئيس السودانى والرئيس الليبى ونجله. وتجرى المحكمة تحقيقات بشأن أعمال العنف التى حدثت فى كينيا بعد الانتخابات البرلمانية (2007 ــ 2008) وبالأعمال المماثلة التى وقعت فى ساحل العاج فى العام الماضى بعد الانتخابات الرئاسية.

 

وتطرح هذه الأمثلة السؤال ذاته حول ما إذا كان اتهام أو إدانة أو ملاحقة رؤساء حاليين أو سابقين يشكل حافزا أمام أمثالهم فى الدول الأخرى للارتداع أو للتطرف أكثر.

 

تقول دراسة احصائية للأمم المتحدة شملت مائة دولة انه بين عامى 1980 و2004 فإن عدد الدول التى رفعت قضية واحدة أمام القضاء لمحاكمة مسئول فيها بتهم انتهاك حقوق الإنسان بلغ 48 دولة. وأن عدد الدول التى رفعت أكثر من قضيتين بحق مسئولين فيها بلغ 33 دولة. وهذا فى حد ذاته يؤشر إلى أن الجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبت فعلا فى الكثير من الدول، لم يحاكم المسئولون عنها إلا فى 81 دولة. والتهم الموجهة إلى هؤلاء تتراوح بين جرائم الاغتيال والإخفاء والسجن السياسى.

 

عرفت دول أمريكا الجنوبية ظاهرة إيجابية بعد عقود طويلة من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والتى تمثلت فى التصفيات الجسدية والسجن والتعذيب، خاصة فى دول مثل الأرجنتين والتشيلى. ولقد صدرت أحكام بالإدانة بحق 81 مسئولا سياسيا وعسكريا فى الأرجنتين و66 مسئولا فى التشيلى بتهم تتعلق بارتكاب هذه الجرائم ضد الإنسانية. حتى الأوروجواى فقد أدانت رئيسها الأسبق خوان ماريا بعد عشرين سنة لانتهاكه حقوق الإنسان وحكمت عليه بالسجن ثلاثين سنة لإعطائه تعليمات بقتل سجناء سياسيين. ولقد مات أخيرا وهو فى السجن. ومنذ ذلك الوقت بدأت تلك الموجة من الجرائم بالانحسار فى تلك الدول الأمريكية اللاتينية إلى حد بعيد. وهذا يشير إلى أن العقاب يؤدب الآخرين ويحفزهم على التوقف عن ارتكاب جرائم مماثلة.

 

إن القاعدة العامة تقول إن العقاب ليس مطلوبا لذاته إنما لردع الآخرين.

 

●●●

 

من هنا العودة إلى السؤال الأساس، وهو هل محاكمة الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك ردعت الآخرين؟ خاصة منهم العرب؟.. هل كان العقيد معمر القذافى ليذهب إلى الحد الأقصى من التطرف فى مواجهة الانتفاضة فى ليبيا لو لم يشاهد صورة الرئيس المصرى فى قفص الاتهام؟.. وهل كان الرئيس اليمنى على عبدالله صالح رغم إصابته الشديدة فى محاولة اغتياله، ليرفض المبادرة الخليجية لو لم يخشَ على نفسه مصيرا كالمصير الذى آل إليه الرئيس المصرى السابق؟ وهل لهذا العامل أيضا آثاره على موقف الرئيس السورى بشار الأسد من المظاهرات التى تجتاح المدن السورية المختلفة؟

 

بعد مرور ثلاثة عقود على الجرائم الجماعية التى ارتكبتها الطغمة العسكرية فى كمبوديا، فقد صدرت أخيرا أحكام بإدانة المرتكبين ومعاقبتهم. وهذا ما ينتظر أو ما يجب أن ينتظره كل مسئول مستبد فى أى دولة كان. فالعدالة قد تأتى متأخرة.. ولكنها تأتى دائما.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات