المدخل السورى إلى الحرب الباردة - محمد السماك - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المدخل السورى إلى الحرب الباردة

نشر فى : الأحد 1 يوليه 2012 - 9:20 ص | آخر تحديث : الأحد 1 يوليه 2012 - 9:20 ص

منذ أن بدأ التباين فى وجهات النظر من القضية السورية بين مجموعة الدول العربية والاتحاد الروسى، انهمرت التحذيرات العربية على الكرملين من المخاطر التى تحدق بعلاقاته وبمصالحه فى العالم العربى. وكان رد الكرملين بسيطا وسريعا: أين هى المصالح الروسية التى يمكن أن تتعرض للخطر؟.. أين هى الاستثمارات المالية العربية فى الأسواق الروسية التى يمكن أن تسحب؟.. وأين هى البضائع والمنتجات الروسية فى الأسواق العربية التى يمكن أن تقاطع؟..

 

●●●

 

لم ينعكس انهيار الاتحاد السوفييتى وسقوط الشيوعية تطورا إيجابيا على العلاقات العربية ــ الروسية. فالاستثمارات المالية العربية بقيت فى أسواق المال الأمريكية والأوروبية. ولم تعرف المنتجات الروسية طريقها إلى الأسواق العربية. مع ذلك استمرت موسكو فى موقفها الداعم للقضايا العربية.. واستمرت الولايات المتحدة فى موقفها الداعم لإسرائيل.

 

زادت الحرب الأهلية التى انفجرت فى التسعينيات من القرن الماضى فى البلقان من التباعد بين الموقفين العربى والروسى. فقد وقفت روسيا إلى جانب الصرب ضد المسلمين فى البوسنة، ثم ضد المسلمين فى كوسوفا التى ما تحررت واستقلت إلا بدعم أمريكى ــ أوروبى مشترك. وتعاطفت الدول العربية مع الشيشان ضد العنف العسكرى الذى مارسه الكرملين لقمع حركة الاستقلال الوطنى فيها. حتى أن موسكو طاردت قادة هذه الحركة إلى قطر حيث اغتالت أحد كبارهم. ومنذ أن طرد الرئيس المصرى الراحل أنور السادات الخبراء الروس من مصر ووضع كل اوراقه فى السلة الأمريكية توالت خسارة موسكو لحلفائها العرب الواحد تلو الآخر. خسرت عراق صدام حسين ثم خسرت ليبيا القذافى، كما خسرت موطئ القدم الوحيد الذى كانت تحرص عليه فى اليمن وتحديدا فى جنوبه. وهى اليوم ترى كيف يتداعى النظام الأخير المتحالف معها فى سوريا. ولذلك فإنها تعض عليه بالنواجز. وتشد على يد إيران فى الوقت الذى تمر فيه العلاقات العربية ــ الإيرانية فى أسوأ مراحلها.

 

●●●

 

تدرك روسيا انها تحتاج إلى تفاهم مع العالم العربى يساعدها على إخماد جذوة الانتفاضات الوطنية فى الجمهوريات الاسلامية التابعة لها (يوجد فى روسيا حوالى 20 مليون مسلم) ولكنها تعتقد أن قرارا عربيا من هذا النوع يحتاج إلى المرور عبر الولايات المتحدة. وان واشنطن لن تقدم لموسكو هذه الهدية مجانا.. ومن هنا المدخل إلى لعبة الأمم.

 

ففى اطار هذه اللعبة كانت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى اسرائيل. من حيث التوقيت جاءت هذه الزيارة فى الوقت الذى توجه فيه الاتهامات العربية إلى موسكو بالمسئولية عن استمرار سفك الدماء فى سوريا من خلال الدفاع عن النظام فيها وتعطيل أى مبادرة دولية للحل. حتى أن المملكة العربية السعودية التى استضافت فى جدة منذ عامين مؤتمرا اسلاميا روسيا للتعاون المشترك، رفضت استقبال وفد من رجال الأعمال الروس كان مقررا أن يقوم بزيارة المملكة لفتح لزيادة التبادل التجارى. وأوقفت الكويت أعمال المركز الاسلامى الروسى المشترك للحوار الثقافى والدينى الذى أنشأته بالتعاون مع موسكو فى احدى الجمهوريات الاسلامية فى الاتحاد الروسى.

 

وفيما يدير العرب ظهورهم لروسيا، توحى زيارة الرئيس بوتين لإسرائيل وكأن الأيدى الوحيدة التى تمتد اليه فى المنطقة هى أيادى إيران وسوريا واسرائيل.

 

لقد كان مشهد الرئيس بوتين وهو يعتمر القلنسوة الدينية اليهودية فى باحة المسجد الأقصى (أمام حائط البراق) رسالة جارحة ليس للعرب وحدهم، انما للمسلمين أيضا بمن فيهم بالطبع مسلمو الاتحاد الروسى. ولم توقف زيارته بعد ذلك إلى رام الله حيث استقبله الرئيس الفلسطينى محمود عباس من النزيف المعنوى الذى بدأ يسيل من هذا الجرح.

 

مع ذلك لا بد من التساؤل: هل كان هذا التصرف للرئيس الروسى يعكس خيبة أمل من مواقف مجموعة الدول العربية من بلاده.. أم أنه يعكس تحولا جديدا فى سياسة الكرملين من الشرق الأوسط؟. وهل يستطيع الرئيس بوتين أن يضع روسيا فى خندق اسرائيلى واحد مع الولايات المتحدة؟. بل هل يتسع هذا الخندق لقطبى الصراع العالمى الكرملين والبيت الأبيض معا؟

 

ان محاولة الاجابة على هذا التساؤل تتطلب القاء الضوء على واقع العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسى.

 

●●●

 

فقد اتخذ الحلف ثلاث مبادرات استيعابية لموسكو لم تثمر حتى الآن عن أى نتيجة. والمبادرات هى:

 

•اعلان الحلف انه لا يعتبر روسيا مصدر تهديد له.

 

•الامتناع عن وضع أسلحة نووية فى أى من الدول التى كانت جزءا من الاتحاد السوفيتى السابق والتى انضمت إلى المجموعة الأوروبية الغربية.

 

• الامتناع عن نصرة أى من هذه الدول عسكريا اذا ما تدهورت أو ساءت علاقاتها مع الكرملين.

 

غير أن الرد الروسى على المبادرة الأولى تمثل فى اعلان قائد الأركان الجنرال نيقولا ماكاروف أن روسيا مستعدة لتوجيه « الضربة الأولى» إلى منظومة الصواريخ الاستراتيجية التى قد تقيمها الولايات المتحدة فى بولندا ورومانيا فى المستقبل.

 

وتمثل الرد الروسى على المبادرة الثانية فى اجراء مناورات عسكرية للقوات الروسية على حدود دول البلطيق التى تعتبر نقطة الضعف فى منظومة حلف شمال الأطلسى.

 

أما الرد على المبادرة الثالثة فتمثل فى اطلاق شبكات تجسس روسية على دول الحلف، وعلى الادارة المركزية للحلف فى بروكسل رغم أن لروسيا مقعد الشريك المراقب فى اجتماعات الحلف. وقد القى القبض على بعض عناصر هذه الشبكات بالجرم المشهود كما يقول راسمونسن أمين عام الحلف!

 

تطلب روسيا من الولايات المتحدة أن تغلق كل قواعدها فى الدول التى كانت جزءا من الاتحاد السوفيتى وأن تسحب منها كل قواتها وخبرائها العسكريين. وبالمقابل تبدى روسيا استعدادها لعقد صفقة مع الولايات المتحدة بشأن السلاح النووى، وسواه من القضايا التى تشكل عامل اهتمام جوهرى لواشنطن.. بما فى ذلك قضيتى الملف النووى الايرانى ومستقبل النظام السورى.

 

فى عام 2009 أجرت القوات الروسية مناورات بالذخيرة الحية بهدف اعادة احتلال دول البلطيق.. بما فى ذلك بولندا. وتضمنت تلك المناورات القاء قنبلة نووية (وهمية طبعا) على العاصمة وارسو.

 

وردا على تلك المناورات يستعد حلف الأطلسى لإجراء مناورات معاكسة فى العام المقبل 2013 يحضر لها لأن تكون الأضخم منتذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. غير انه فى هذا العام أيضا فإن ستين بالمائة من القوات البحرية الأمريكية سوف تحشد فى الشرق الأقصى (فى مواجهة الصين؟) كما أعلن وزير الدفاع الأمريكى نفسه.

 

●●●

 

يوحى ذلك بأن الحرب الباردة قد عادت من جديد وانها قد تقوم على قاعدة تحالف أمريكى ــ أوروبى مقابل تحالف روسى ــ صينى. فأين سيكون موقع الشرق الأوسط؟.

 

تتطلب الاجابة إعادة دراسة عمليات التصويت فى مجلس الأمن الدولى حول الملف السورى. فقد كان هناك تفاهم أمريكى ــ أوروبى مشترك فى المجلس، الا أن هذا التفاهم كان يعطل فى كل مرة بالفيتو الروسى ــ الصينى.

 

من قال إن العالم العربى لن يكون مسرحا من مسارح الحرب الباردة؟!.

محمد السماك كاتب وصحفي لبناني
التعليقات