طقس للأعياد - خولة مطر - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طقس للأعياد

نشر فى : الأحد 30 ديسمبر 2018 - 11:45 م | آخر تحديث : الأحد 30 ديسمبر 2018 - 11:45 م

عند الأعياد تتغير الأمزجة، تكتسى السموات بأسراب العصافير عندما لا تزاحمها الغيوم الحبلى بالمطر أو زخات من البرد، يخرج البط فى البحيرات وتغطى النوارس الشواطئ الرملية الممتدة أحيانا على مد البصر.. تغير الأمزجة لا يلحق بالبشر فقط بل والمدن والشوارع والأرصفة، حيث تتحول كلها إلى مزاج من الفرح يتحول البشر أو جموع واسعة منهم إلى فرقة موسيقية كل يعزف آلة مختلفة ولكنها جميعا لا تستطيع أن تبعد عن عصا المايسترو فتتناغم الأجساد الجارية بحثا عن الهدايا أو للتحضير لوجبة دسمة ارتبطت بها الأعياد.. كل الأعياد من عيد مولد المسيح إلى المولد النبوى إلى السنة الميلادية والهجرية والنيروز وعيد الفصح والفطر والأضحى والديوالى.. كلها مرتبطة بالأكل والرقص والموسيقى.. تختلف الأديان ولكن الفرح واحد كما الحزن لا تمزقه الأديان ولا الطوائف ولا لون البشرة ولا تختلف النساء فى فرحهن عن الرجال إلا بما يميز المرأة أصلا من أنها المخلوق الوحيد الذى يمنح الحياة.
***
كأن البشر هم جزء من فرقة موسيقية مستعدين لعزف سيمفونية الفرح. يقف المايسترو بعصاتيه ويعلن لنبدأ معا أنه موسم تحول الألوان إلى قوس قزح، إنه التصاق البشر وتلاحمهم حتى وإن كانوا طوال العام متفرقين بسبب الجغرافيا أو الاقتصاد وكلاهما يسببان غربة ما بعدها غربة وأقساها أن تكون غريبا وأنت مع أقرب من تحب ومن يسكنون قلبك!
***
تسرع الأرجل فلا تحملها الأجساد التى اعتادت أن تجر أيامها فى طرق واحده لا تتغير.. تسير بها كل يوم نحو أمكنة للعمل تحولت مع الوقت وكأنها مصانع لا تفاعل بشريا إلا للتنافس.. ثقافة عمل جديدة نشرها المستفيدون.. ربح وربح وربح وأيدٍ عاملة أرخص وأرخص فيما العشرة الكبار يكدسون الأوراق هنا وهناك.
***
الأعياد تعنى الخفة فى.. خفة فى المشى، والحركة والترحال والتجول والشراء والتبضع وأيضا الخفة فى الحب ألا يقولوا إنه «حب فى زمن الأعياد» لا يدوم فيرحل سريعا كما ورق السولفان قصير العمر رغم بريقه الناصع!
***
تسرع العربات جارية ويرقص المارة التانجو الجماعى على أرصفة تزدحم بأشجار الميلاد وأكياس من القمامة المليئة للمرة الأولى هى الأخرى بألوان الأعياد من ورق الهدايا الذى مزقته الأيدى سريعا شغفا بهدية تختفى بين الورق الأحمر أو الذهبى وكثير من العلب.. حتى القمامة فى الأعياد تتغير، تتلون تبعد عن تلك الألوان الكئيبة لبقايا طعام أو؟! وتتحول إلى أكياس حبلى ببقايا هدايا خلقت شيئا من البهجة على وجه طفل أو رجل أو امرأة حتى لبضع لحظات.
***
خلف النوافذ بتلك العمارات الشاهقة أو البيوت المتراصة، موائد عامرة بكل ما لذ وطاب من الديك الرومى إلى الخروف المحشى، حسب أين تكون وفى أى مدينة أو أى عيد.. لكل عيد ضحاياه أيضا من الحيوانات والطيور ومن البشر! ألا يتجاور الفرح مع الحزن.. تربض المقابر ثقيلة ملتصقة بصالات الأفراح وساحات اللعب.. فى الأعياد تصل حالات الفرح عند البعض إلى النرفانا أى أعلى الدرجات.. وهنا إما أن تشرق الشمس فتعيد الأيام إلى مقاماتها، أو ينتقل أحدهم من الصالات العامرة بالموسيقى والرقص إلى ما تحت التراب!

***
تفرغ الغيوم حملها من المطر ودرجات الحرارة إلى ما دون الصفر تتجمد حبة المطر فى نزولها وما إن تلتصق بالأرض الدافئة حتى تعود إلى انسيابها المائى.. يسرع المارة خوفا من هذا الصباح شديد البرودة والمطر رغم أنهم يعلمون أن الأعياد لا تكتمل دونه.. دون طقوس تضيف دفئا وشيئا من التجديد.
***
تلتصق الأجساد أكثر عندهم، فيما نحن لا نزال نخاف أجسادنا فى العلن وفى السر لا نفكر إلا بها! تلتحم مع بعضها البعض فينتشر دفء القلب لتتقاسمه الأجساد المتعبة.. يزداد المطر فيختبئ اثنان تحت شجرة أو عند ظل عمارة أو تمثال.. يفتح معطفه هو ويدخلها كأنه يقول تعالى فلا عيد دون حبك ولا أعياد دون فنك.. تعالى نحتفى معا بكل الأعياد.. لا أعين متلصصة هنا ولا مارة يهمهم ما يفعل الاثنان من طقس هو أعلى من مستوى الشبهات.
***
هو العيد بل الأعياد، افتحوا نوافذكم وشرعوها لكثير من المطر وبعض الحب المعتق فى رحم غيمة.

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات