طاعة الرئيس من باب الاحتياط - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طاعة الرئيس من باب الاحتياط

نشر فى : الأحد 31 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 31 مارس 2013 - 8:00 ص

قد لا يبدو مهمًا لكثير من المصريين الذين لا يرون فى البورصة سوى أنها مصدر لأخبار المشاهير من صائدى الصفقات، التعرف على تفاصيل ما يحدث داخل أروقة البورصة فى موقعة «بيع بنك الأهلى سوسيتية جنرال» الفرنسى، الذى يعمل داخل مصر، لبنك «قطر الوطنى». أعرف أن أحدًا منهم لم يدخل هذا البنك من قبل، ولا أحد فيهم يملك سهمًا واحدًا وليس منهم من وضع خططًا مستقبلية، لكى يكون مساهمًا فيه. ولكن كل هذه الحيثيات، لاتبدو لى كافية، لكى لايتابع هؤلاء تفاصيل أخبار الصفقة.

 

فدعوتى لهم لمتابعتها، ليست من باب الفضول لمعرفة من اشترى ومن باع ومن ربح أكثر من غيره. ولكن لكى يتابعوا بأنفسهم كيف تصاغ القرارات الاقتصادية فى القصر الرئاسى فى عصر الأخوان؟ وكيف تدير البيروقراطية العتية فى الأجهزة الحكومية مستقبلنا؟ فتفاصيل هذه الصفقة تكفى عنوانًا للتعبير عن ضبابية المرحلة التى تعيشها مصر. وتجسيدًا لارتباك «أولى الأمر» من الحاكمين لهذا البلد. ولكى نتأكد بأعيننا أن تطبيق القرارات على أرض الواقع ليس له أى علاقة بمستقبل هذا الوطن ولا بمستقبل أهله وناسه ولا برزق أولادهم أو أكل عيش ذويهم.

 

●●●

 

تبدأ الحكاية بعرض مقدم من بنك قطر الوطنى، لشراء أو للاستحواذ على البنك الفرنسى الذى يريد أن يخرج من مصر، وذلك بحوالى 17 مليار جنيه. إلى هنا، وليس هناك شىء غير عادى. ولكن بعد أن اقترب موعد تنفيذ الصفقة، وأبدى عدد من المستثمرين المصريين الحائزين على حوالى 23% من أسهم البنك استعدادهم لبيع أسهمهم للبنك القطرى ولم يبق على تنفيذ الصفقة سوى يومين، تذكر رئيس مصلحة الضرائب ممدوح عمر فجأة، أن قرارًا جمهوريًا من الرئيس محمد مرسى، صدر فى ديسمبر الماضى، يحمل رقم (101) ويقضى بفرض ضريبة قدرها 10% على الأرباح الناتجة عن عمليات الإستحواذ بعد أن كانت هذه الأرباح معفاة تمامًا طبقا لقانون الضرائب السارى حاليًا.

 

أرسل رئيس المصلحة على الفور خطابًا للبورصة يبلغها أن هناك قرارًا رئاسيًا كان قد صدر بفرض ضرائب، ووجب على البورصة تطبيقه على هذه الصفقة. والتطبيق سيكون فقط على جميع المصريين البائعين لأسهمهم للجانب القطرى. أما الفرنسيون فحلال عليهم الأرباح، لأنهم سوف يدفعونها فى بلدهم الأم فرنسا، التى لا تحرم خزانتها من أموال أثرياءها الفرنسيين حتى لو حققوا تلك الأرباح فى الخارج. فهكذا تتعامل الدول الرأسمالية مع رعاياها.

 

وهنا على غير المتابعين لأحوال البورصة أن يروا كيف تتأثر حياتهم اليومية بما يدور فى أروقة المال والأعمال. فالقرار الجمهورى الذى أصدره الرئيس مرسى لفرض ضرائب على الرابحين من عمليات الاستحواذ كان يصاحبه قرارات أخرى فى نفس الوقت تفرض ضرائب مبيعات على عدد كبير من السلع. ولأنه كان قد أصدر هذه القرارات على عجل، قبل قدوم بعثة صندوق النقد الدولى، للتأكيد لهم على أننا نسير قدمًا على طريق السياسات، التى رسمتها لنا المؤسسة الدولية فلم يحسب حساب رد الفعل الشعبى الذى ثار فى وجه قراراته برفع الأسعار لسلع مثل الزيت والسكر والسجائر والتليفون المحمول والأسمدة والمياة الغازية وغيرها مما لا يحمل لهم إلا مزيدًا من الإفقار.

 

فما كان من الرئيس فى منتصف الليلة التالية إلا أن ألغى كل القرارات، الصائب منها والخائب، وما كان فى صالح الناس وما كان ضد مصالحهم. والمدهش فى الأمر أن الإلغاء كان شفويًا. ربما بإشارة منه لمسئول الرئاسة الذى خرج صباح اليوم التالى ليزف لنا البشرى بتجميد القرارات.

 

●●●

 

ولم يعر أحد المسئولين أى أهتمام منذ ذلك الوقت، بمن سيدفع ثمن تلك الطريقة الرديئة فى صنع القرارات التى تتعلق بحياة الناس. لم يفكر أحد لماذا يتحتم على المواطن أن يدفع ثمنًا أكبر فى سعر السيجارة أو زجاجة المياة الغازية أو غيرها من السلع. بعد أن قدم الرئيس بقراراته غطاء شرعيا لرفع كثير من اسعار السلع. واعتمادًا على ما ردده بعض المسئولين الحكوميين بأن كل الإجراءات التقشفية المؤلمة سوف يتم تطبيقها بعد الانتخابات البرلمانية أى بعد التأكد من تثبييت أركان النظام الإخوانى.

 

ولم يفكر أحد من معاونى الرئيس ماذا سيفعل لو كان محل رئيس مصلحة الضرائب عندما تقع أمام نظره صفقة استحواذ بالمليارات. هل يترك أطرافها بدون فرض ضرائب على أرباحهم فيعود بعدها الرئيس ليحاسبه عن عدم تطبيق مرسوم رئاسى مكتوب ومنشور ومحفوظ فى أرشيف الدوواين الحكومية؟ أم يطبق فرض الضرائب؟ فيغضب المستثمرون على الرئيس فلايجد أمامه لإتقاء شر غضبهم إلا إلصاق التهمة برئيس المصلحة.

 

 وفعلًا تصرف رئيس المصلحة كأى بيروقراطى أصيل. فقد أكد أنه سيطبق الضريبة من باب الاحتياط ولو تم رفضها بعد ذلك يمكن أن يتم إرجاعها للمستثمرين.

 

●●●

 

ما يهمنا فى هذه القضية، والتى نريد لغير المعنيين بأمور البورصة أن يهتموا بها. ليس أن المستثمرين المصريين فى الصفقة «الفرنسية القطرية» سيدفعون ضرائب على أرباح حققوها، فهذا منتهى العدل. والدليل أن نظراءهم الفرنسيين سوف يعودون لبلادهم ليسلموا لخزانتها بقلوب راضية نصيب دولتهم من أرباحهم. ليست القضية أن المصريين سيدفعون ضرائب، ولكن المشين فى الأمر أنهم سيدفعون بطرق ملتوية.

 

مع أنه لو كان لدينا نظام حاكم يدرك مخاطر المرحلة التى نعيشها بحق والتى يكشف خطورتها ما يتردد حول تراجع الاحتياطى النقدى فى البنك المركزى، لدرجة تهدد أمكانيات توفير سيولة كافية لشراء المواد البترولية والمواد الغذائية الأساسية والتى سيكون أخطرها القمح.. لو كان لدينا من يدرك خطورة هذه المرحلة، لما تردد فى إصدار رسالة قوية دون مواربة بأنه حان الوقت لكى  تتحمل الطبقات القادرة عبء الخروج مما أوصلونا إليه. وإن إيرادات ضريبية جديدة يمكن أن توفر لنا مثلًا موارد تحفز الفلاحين على مزيد من زراعة القمح الذى يمكن أن يوفر لنا عملة أجنبية.

 

 فهل من المعقول مثلا أن يحقق 37 مستثمرًا ارباحًا، قدرت (طبقا للأوراق الرسمية) بحوالى مليار و800 مليون جنيه، من صفقة واحدة هى بيع البنك الوطنى قبل سنوات دون أن يدفع أحدهم ضرائب عنها.

 

ولو كان الرئيس مرسى يدرك حقا خطورة اللحظة الراهنة، لما تردد فى أن يعلن عن فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية التى تتحقق من بيع وشراء الأسهم فى البورصة. ولايخشى من فريق الرفض الذى يلازمه، ويروج لمخاوف التأثير على البورصة خاصة وأن أقصى ما وفرته البورصة من تمويل طويل، ومتوسط الأجل (وهى الأهمية الحقيقة من البورصة) لم يتجاوز 15% من اجمالى الاستثمارات فى القطاع الخاص، وذلك فى العام الأخير قبل الثورة.

 

ويجب أن يعلم الرئيس أنه حان الأوان لفرض ضرائب على الأموال الساخنة التى يستثمرها الأجانب فى البورصة. والتى كانت أحد اسباب العجز الذى حققه ميزان المدفوعات. حيث أخرج الأجانب حوالى 9 مليارات دولار فى عام الثورة هى قيمة الأوراق المالية، وأذون الخزانة التى حققوا من ورائها الملايين، بفضل اسعار الفائدة المرتفعة. وهذه الأستثمارات  بطبيعتها تهدف للمكسب السريع، والهروب عند الخطر ولاتبنى اقتصادات دول ولاترفع من  قيمة الإنتاج الصناعى لها، ولا تطعم أهلها قمحًا أو أرزًا أو عدسًا.

 

وأخيرًا إذا أخذنا موضوع القرار (101) بحسن نية. فعلينا أن نجد تفسيرًا لنفسية الاخوان المسلمين. فكلهم لايكفون عن اللف والدوران، دون أن نفهم شيئًا مما يريدون قوله. فهل يسعفنا أحد أساتذة علم النفس، أم يجتهد كل منا على قدر استطاعته؟

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات