بقية رسائل الرئيس من واشنطن وإليها - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 10:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بقية رسائل الرئيس من واشنطن وإليها

نشر فى : الإثنين 31 أغسطس 2009 - 9:15 ص | آخر تحديث : الإثنين 31 أغسطس 2009 - 9:15 ص

نستكمل اليوم بقية الرسائل التى بعثت بها زيارة الرئيس حسنى مبارك الأخيرة لواشنطن إلى أطراف عديدة فى الخارج والداخل، ومنها ما جاء على لسان الرئيس شخصيا سواء فى رسائل علنية حتى من قبل أن يصل إلى العاصمة الأمريكية، أو ما يفترض أنها رسائل أبلغت إلى الرئيس الأمريكى باراك أوباما وأركان إدارته خلف الأبواب المغلقة، وفقا لما رصدناه فى أروقة مباحثات القمة المصرية ــ الأمريكية الأولى منذ خمس سنوات، تغيرت خلالها واشنطن من «جمهورية» تحت قيادة بوش الابن، ومحافظيه الجدد، إلى ديمقراطية بقيادة أول رئيس أسود فى التاريخ الأمريكى، ومن عاصمة تريد إملاء كل شىء على العالم بالقوة العسكرية وبالإرادة المنفردة، إلى عاصمة تؤمن بالعمل الدولى الجماعى.

فقد أثارت مبادرة الرئيس حسنى مبارك بالحديث عن التزامه بمواصلة الإصلاح السياسى فى مصر خلال لقائه هو والرئيس الأمريكى باراك أوباما مع الصحفيين فى البيت الأبيض اهتماما واسعا لدى المسئولين والخبراء الأمريكيين، وتوقع عدد كبير منهم أن تعهد الرئيس مبارك باستكمال تنفيذ وعوده بالإصلاح فى برنامجه الانتخابى الأخير يعنى إلغاء حالة الطوارئ قبل نهاية الفترة الرئاسية الحالية فى أكتوبر 2011.

ورحب ديفيد بولك الخبير فى شئون الشرق الأوسط بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بمبادرة الرئيس مبارك عن الإصلاح السياسى فى مصر، واعتبر أن أهم رسالة فى حديث الرئيس هى أنه لا ينوى التقاعد ونقل السلطة إلى نجله جمال أو أى مسئول آخر فى مصر.

وعلى الرغم من أن الرئيس أوباما والمتحدث باسم البيت الأبيض لم يشيرا مطلقا إلى إدراج قضية الإصلاح السياسى فى مصر على جدول مباحثات القمة الأمريكية ــ المصرية الأخيرة، فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أكد أن القضية كانت موضع بحث فى لقاء وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون مع الرئيس مبارك.

وأضاف الخبراء الأمريكيون فى معرض تفسيرهم لمبادرة الرئيس مبارك بالحديث فى البيت الأبيض عن الإصلاح السياسى فى مصر بأنه تعبير عن استشعاره اهتمام الإدارة الأمريكية بالقضية خلف الأبواب المغلقة.

وكذلك قالوا إن حديث مبارك من تلقاء نفسه عن استكمال الخطوات الإصلاحية فيما تبقى من الفترة الرئاسية هو توجيه رسالة للعالم وللرأى العام المصرى بأنه عندما سيفعل ذلك فإنه ينفذ التزاما شخصيا دون إملاء أو ضغط من الولايات المتحدة.

وفى السياق نفسه، تأتى مبادرة الرئيس مبارك للإعلان فى حديثه الأخير لصحيفة «الأهرام» عدم نيته حل مجلس الشعب، وهو الحديث الموجه من واشنطن قبل ليلة واحدة من إذاعة حديثه لمحطة «بى.بى.اس» التليفزيونية، الذى وجه فيه ما وصفناه من قبل بأنه أكثر رسائله هدوءا لجماعة الإخوان المسلمين منذ سنوات، وهى الرسالة التى استنتجنا منها أن الرئيس رفض السير فى مشروع الإقصاء الكامل للإخوان إلى نهايته، وهو المشروع الذى كان يدفع فى اتجاه حل مجلس الشعب، والتبكير بانتخابات تدفع حزب الوفد أو حزب الوسط ـ إذا حصل على الموافقة ـ إلى مقاعد القوة المعارضة الأولى على أنقاض الإخوان الذين حصلوا مجددا على موافقة الرئيس مبارك على الوجود كمستقلين فى البرلمان، والمعنى الكامل لرسالة الرئيس هذه هى أنه لن يمضى فى شوط منح الشرعية للإخوان إلى نهايته، مثلما أنه لن يمضى فى مشروع إقصائهم الكامل إلى نهايته.

أما أهم الرسائل التى وجهها الرئيس مبارك إلى واشنطن من داخلها، ومن قبل أن يصل إليها، فهى أن مصر لن تكون جزءا من مظلة أمريكية دفاعية عن الخليج ضد إيران، كما شدد المتحدث باسم الرئيس المصرى السفير محمد سليمان عواد بألفاظ صريحة على أن مصر لن تقف فى خندق واحد مع إسرائيل والغرب ضد إيران.

وكانت الرسالة الثانية، هى الرفض المصرى المطلق للتعاون مع أية جهود أمريكية أو دولية للبحث عن حلول مؤقتة للصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى، وأن مصر مستعدة فقط للتعاون مع جهد مركز لاستئناف مفاوضات الحل الشامل، على أن يقود الرئيس الأمريكى بنفسه هذا الجهد، وهو ما وضح فى قول الرئيس أوباما إنه «انخرط مباشرة فى إحياء جهود السلام الشامل فى الشرق الأوسط منذ أول يوم فى البيت الأبيض ولم ينتظر حتى السنة السابعة أو الثامنة من رئاسته لكى يفعل ذلك». فى إشارة إلى أسلوب سلفه جورج بوش.

وكان مسئول مصرى رفيع المستوى قد أبلغنا قبل ساعات من مباحثات مبارك وأوباما أن الجانب المصرى سوف يقترح إطارا للتحرك فى عملية السلام بحيث تظهر نتائج سريعة، ولا تضيع فرصة التزام البيت الأبيض بالسلام.

هذا الإطار يشمل:

الاتفاق من حيث المبدأ على الحدود النهائية لكل من إسرائيل والدولة الفلسطينية، ففى الوقت الذى ترحب به مصر بتركيز أوباما على وقف الاستيطان، فإنها تحذر من استنزاف كثير من الوقت والجهود حول هذه القضية، بحيث تصبح الاستجابة الإسرائيلية لها وكأنها أهم حدث فى التاريخ، فى حين أن البدء بالحدود سوف يحل مشكلة الاستيطان تلقائيا، بمعنى أن الاتفاق على الحدود سوف يلزم إسرائيل بعدم التوسع الاستيطانى، ويشمل حلا لمشكلة المستوطنات القائمة.

وفى إطار هذه الرؤية فسوف يبلغ الرئيس مبارك أوباما بأن فكرة تبادل الأراضى بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل مقبولة عربيا كحل لمشكلة المستوطنات القائمة، ولكن بشرط أن يكون التبادل بنسبة 100٪، ويقترح الرئيس مبارك على أوباما أن يشمل التبادل توسيع حدود غزة بمسافة 300 كيلو متر داخل العمق الإسرائيلى.

فى الوقت نفسه لا مانع (حسب الرؤية المصرية) من تشجيع الدول العربية على اتخاذ خطوات تطبيع محدودة مقابل الالتزام الإسرائيلى بوقف الاستيطان، وقال المصدر المصرى لـ«الشروق»: «إن هذا يعنى أن تعود الدول الخمس التى كانت قد فتحت مكاتب لها فى إسرائيل لإعادة تنشيط هذه المكاتب، وتضاف لها دولة البحرين» ـ الدول الخمس هى قطر، عمان، موريتانيا، المغرب، وتونس.

لكن المصدر المصرى أبلغ «الشروق» بأن العقبة الحالية هى مطالبة نتنياهو بخطوات تطبيعية سعودية، ليست بالضرورة فتح مكاتب تمثيل، بل السماح بمرور الطائرات الإسرائيلية فى المجال الجوى السعودى، ومنح تسهيلات ترانزيت للطائرات الإسرائيلية فى مطار الرياض.. وتنصح القاهرة واشنطن بعدم تبنى هذا المطلب الإسرائيلى على أساس أن السعودية هى صاحبة المبادرة العربية التى تعرض التطبيع الكامل، والاعتراف بإسرائيل من قبل جميع الدول العربية والدول الإسلامية مقابل السلام الكامل.

وعلمت «الشروق» كذلك من المصدر نفسه أن هناك مرونة طرأت على الموقف الإسرائيلى، فقد أبلغ نتنياهو الرئيس المصرى مبارك أخيرا أنه مستعد لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين دون شروط مسبقة، وتتمثل المرونة هنا فى إسقاط مطلب التزام محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية بيهودية إسرائيل كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات.

وفيما يبدو أن هناك تنسيقا أمريكيا مصريا فى هذه النقطة، وجاءت مرونة نتنياهو بعد تصريح لسليمان فياض رئيس حكومة السلطة الفلسطينية بأن الفلسطينيين يدركون جيدا أن إسرائيل دولة يهودية، لكنهم لا يقبلون إلزامهم بوثيقة تنص على يهودية إسرائيل كشرط مسبق للتفاوض.

كذلك أكد المصدر المصرى لـ«الشروق» أن الإدارة الأمريكية تفهمت الاقتراح المصرى بأن تكون قضية الحدود هى نقطة البداية فى عملية السلام المستأنفة، وأضاف أن الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى تلقيا نصيحة أمريكية بهذا المعنى، وأن هذه النصيحة قدمت «استجابة للضغوط المصرية». 
 

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.