كتاب مترجم جديد يقدم فيه هشام مطر تجربة إبداعية استثنائية.. «أحلام محفوظ الأخيرة.. القاهرة كما رآها نجيب» - بوابة الشروق
السبت 2 أغسطس 2025 7:28 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

كتاب مترجم جديد يقدم فيه هشام مطر تجربة إبداعية استثنائية.. «أحلام محفوظ الأخيرة.. القاهرة كما رآها نجيب»

منى غنيم
نشر في: الجمعة 1 أغسطس 2025 - 9:31 م | آخر تحديث: الجمعة 1 أغسطس 2025 - 9:50 م

ترجم الكاتب العالمى هشام مطر الحائز على جائزة «البوليتزر» إلى جانب عدة جوائز أخرى كتاب الأديب العالمى نجيب محفوظ «الأحلام الأخيرة»، وهى الأحلام التى كتبها بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال عام 1994 خلال فترة علاجه الطويلة؛ حيث قدم مطر ترجمة لمختارات من الأحلام إلى اللغة الإنجليزية بعنوان «وجدتُ نفسى: الأحلام الأخيرة»، ورافقتها صور فوتوغرافية لزوجته الفنانة البصرية، ديانا مطر.

وفى الخامس والعشرين من شهر يوليو الماضى أجرت ماندانا تشافا رئيسة تحرير مجلة «نوروز» للفنون والآداب الفارسية، والمحررة بموقع «شيكاجو ريفيو أوف بوكس» ــ الموقع الأدبى الشهير ــ حوارا جمع بين هشام وديانا مطر عن تجربتهما الإبداعية المشتركة فى كتاب الترجمة الجديد الصادر عن دار نشر «بنجوين»، والذى وصفته بـ «التجربة الآسرة بفضل الجو الحلمى اللاواقعى الذى تميزت به تلك الرؤى الخاصة بالأديب الراحل».

وجاءت ترجمة «مطر» رقيقة ومتقنة لتعكس قلم «محفوظ» الفريد وروحه الخالدة فى أعماله، وأضافت صور زوجته، ديانا مطر، الملحقة بالكتاب لمسة بصرية عميقة للترجمة تحاكى ذاكرة المدينة التى لطالما عشقها محفوظ؛ القاهرة، فى حضورها الواقعى والزمنى السرمدى، وذكرياتها التى لا تغيب عن وجدان الكاتب.

وقالت «تشافا» إن تلك التجربة الإبداعية المتميزة للزوجين أثّرت فيها بشكل كبير؛ فهو عمل مشترك جاء على غير المتوقع مليئًا بالحنين، يقودنا إلى العوالم الخفية الخاصة بهذا الرمز الأدبى الراحل، بمرافقة مترجم ومصورة من طراز رفيع، ليصل إلينا نحن البشر فى كل مكان، كما تأثرت أيضًا كثيرًا بالجملة المؤثرة فى خاتمة الكتاب التى تقول: «وشعرت، بعد كل تشاؤمى هذا، أن الأمل لابد وأن يعود».

فى البداية، ذكّرت المحاورة «مطر» بعبارة قد قالها له نجيب محفوظ ذات مرة؛ ألا وهى: «إن الإنسان ينتمى إلى اللغة التى يكتب بها»، ثم قالت إنها - مثل «مطر» - لديها مشاعر متناقضة تجاه هذه المقولة؛ فهى تكتب بالإنجليزية، لكنها ليست لغتها الأم، ومع تقدمها فى العمر، تجد نفسها تعود أكثر فأكثر إلى اللغة التى نشأت عليها، لا التى تكتب بها.

وأضافت أن هذا الأمر يسلط الضوء على تعقيد العلاقة بين اللغة والهوية الوطنية؛ فقولنا إن عملاً ما كُتب باللغة العربية لا يعكس بالضرورة تنوّع مصادر هذه اللغة أو تأثرها بالعوامل الخارجية. وبسؤال «مطر» عن علاقته باللغات التى يكتب ويتحدث بها بصفته كاتبًا ومترجمًا، أجاب أنها علاقة معقدة ولا شك، بيد أن اللغة الإنجليزية هى أداته الرئيسية للتعبير؛ فهو يتعامل معها على أنها ممارسة يومية لفهم خباياها وتاريخها، ويستخدمها لتحقيق أغراضه الأدبية.

وقال: «إن اللغة الإنجليزية ليست لغتى الأم، ومن ثمّ فإننى لا أتعامل معها بوصفها حقًا مكتسبًا، بل أُدرك دومًا أن كل اللغات فى جوهرها محاولات تقريبية، ومهمة الروائى هى الإمساك بالكلمات ووضعها فى موضعها الصحيح»، وأضاف: «هناك العديد من الكُتّاب العظام الوافدين - مثلى - على اللغة الإنجليزية ممن أجد فى مسيرتهم ما يدهشنى ويؤرقنى فى آن واحد»، وضرب مثالًا على ذلك بالأديب الإنجليزى بولندى الأصل، جوزيف كونراد، فى كتاباته بالإنجليزية، فالقارئ يستطيع بسهولة أن يستشعر المسافة والبعد بينه وبين كاتب الكلمات، والتمزق فى الروح الأصلية للنص، وفقدان المعنى الأولى الخام، وإن كان عمق وجهة النظر وآراؤه يعوضان عن ذلك الخلل بشكل ما.

وفى مقدمة كتابه الجديد، قال «مطر»: «فى ذلك الصيف الذى التقينا فيه نجيب محفوظ، حيث كان يعيش بعضًا من هذه الأحلام، أصبحت القاهرة مصدر إلهام لديانا»، ومن هذا المنطلق وجّهت «تشافا» سؤالًا لديانا عن أصل هذه الصور التى أوردتها عبر الكتاب، والتى تحمل إحساسًا حميميًا، ربما بفضل اللونين الأبيض والأسود، أو التباين الحاد مع شىء من الضبابية؛ فكثير منها يتجاوز الزمان والمكان، كأنها تحاكى الحلم حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال. وأجابت ديانا مطر بأنها زارت القاهرة لأول مرة عام 1997، ومنذ زيارتها الأولى للمدينة العتيقة، شعرت برغبة ملحة أن تكون وسط الشوارع؛ فقالت: «لا يمكن الإفلات من ضوء النيل المنعكس على وجه المدينة، إنها مدينة يترك عليها الزمن بصماته، حتى وإن انهارت فى بعض الأحيان أجزاء من ماضيها».

وأضافت: «إن جمال القاهرة يكمن فى التقاء الحاضر والماضى الاستعمارى والقديم، وتعاقب الزمن على المدينة الذى يترك أثره بقوة على الصور». كما تحدثت ديانا مطر عن الأمان الذى شعرت به أثناء تواجدها بالقاهرة، وطيبة الناس، وقدرتها كامرأة على التجول بحرية ليلًا ونهارًا بلا خوف، وأوضحت أنها التقطت صورًا للقاهرة على مدار أكثر من 15 عامًا، بلا خطة مسبقة، فقط بدافع الشغف وحبها للمدينة.

ووجّهت المحاورة سؤالًا لديانا مطر عن أعمالها التى دائمًا ما تلامس الذاكرة، والشهادة الحية، والأحداث التاريخية والسياسات المعقدة، سواء الشخصية أو العامة، حيث تساءلت عن كنه الحكاية البصرية التى سعت لصياغتها عبر الصور، خاصة مع معرفتها الشخصية بنجيب محفوظ، وتطويعها لصور القاهرة فى هذا المشروع، حتى بدا وكأنها تحمل زمنها الخاص، أو كأنها خارج الزمن.

وأجابت ديانا مطر بأنها عندما بدأت اختيار الصور للكتاب، وجدت نفسها تعيش لحظة سحرية من التفاعل مع ترجمات هشام زوجها لأحلام «محفوظ»، ثم بدأت الغوص فى أرشيفها الخاص، بحثًا عن صور تعكس إحساسًا مشابهًا لما فى تلك النصوص القصيرة المدهشة.

وأضافت أن بعض الصور كانت اختيارًا بديهيًا، وأخرى كانت مدروسة أكثر؛ فعلى سبيل المثال «محفوظ» كثيرًا ما كان يحلم بـ«ب» ــ التى تعبر عن الحب غير المتبادل ــ فاختارت صورًا لنساء لا يظهر وجههن، كرمز بصرى لذلك الحب المستحيل، أما الرجال فى صورها فقد تحلّوا بمظهر الجدية فى تناغم مع نبرة الأحلام العامة للكتاب.

وتابعت: «ما يعجبنى أن هذا الاختيار البصرى تم بعد سنوات من التقاط الصور، وبمساهمة فنية من شخص آخر، له علاقة أعمق بالقاهرة، وهذا يؤكد أن الفن ليس فقط عملًا فرديًا، بل هو أيضًا تعاون روحى لا ينتهى بمجرد رحيل أحد المبدعين».

وعبر المقابلة، كشفت «تشافا» عن أن «مطر» بدأ ترجمة الكتاب فى الأصل من أجل زوجته ديانا، وليس بهدف النشر العام، وهذا ما يجعل العمل يحمل حسًا خاصًا وحميمًا، ثم بسؤاله عن كيف تطور المشروع بينهما، وعن طبيعة حياتهما الإبداعية المشتركة، قال «مطر» إن الأمر بدأ ذات صباح خريفى فى 2018، حين كان يقرأ أحلام محفوظ ويشعر برغبة عميقة فى أن يشاركها مع زوجته ديانا، فقام بترجمة بعضها، ثم تتابع المشروع بشكل طبيعى.

وقال: «كنت أرى صور ديانا للقاهرة بجانب تلك الأحلام، وبدأنا ننسج هذا الكتاب معًا»، وأضاف: «إننى أراه عملًا مشتركًا بين نجيب محفوظ وديانا مطر؛ فهو مجموعة رؤى بالكلمات والصور لمدينة القاهرة وعالم الحلم».

وتابع: «أما عن حياتنا الإبداعية، فهى مترابطة تمامًا؛ فنحن زوجان، ونعمل جنبًا إلى جنب. نقرأ أعمال بعضنا أولًا، ونخوض حوارًا مستمرًا عن الفن منذ لقائنا قبل ثلاثين عامًا، وهذه العلاقة الإبداعية هى من أعز ما أملك».

وقالت ديانا مطر إن الحياة الفنية بالنسبة لها لا تنفصل عن الحياة اليومية؛ فهى شىء مقدس وخاص للغاية، وأوضحت أن زوجها هشام مطر كان يقرأ لها أحلام «محفوظ» كل صباح، كأنها هدايا صغيرة، ومصدر للدهشة، وبيّنت أنهما واصلا العمل على المشروع بشكل منفصل وعلى فترات طويلة بجانب أعمالهما الأخرى.

وقالت ديانا مطر إن القاهرة، بالنسبة لمن لهم عائلة فيها، مكان حميمى بامتياز، وبالنسبة لها، فالقاهرة تنبع من بيت والدة زوجها هشام؛ حيث تأسرها دائمًا التفاصيل الدقيقة: كرائحة الطعام، وصوت الضحكات، وزقزقة العصافير، والزحام، والأذان، وضوء الشمس المتغير، وأضافت أن أروع ما فى أحلام «محفوظ» أنها تمزج الداخل والخارج وكأنهما واحد.

وكشف هشام مطر عن أنه انتقل إلى القاهرة عندما كان فى التاسعة من عمره، وعاش بها حتى سن الخامسة عشرة، ثم انتقل لإنجلترا بعدها، لكنه لا ينفك يعود إليها كل عام، وعن المدينة الخالدة قال: «تأثرت بها كثيرًا، خاصة بجانبها الاجتماعى الحى، ومع ديانا، تعمقت علاقتى بها أكثر، ومع ترجمات كتبى للعربية، وجدت نفسى جزءًا من مجتمعها الأدبى، المتأثر دومًا بإرث محفوظ».

وبسؤال الزوجين عن أثر هذا المشروع فى رؤيتهما للأحلام وتذكرها ومشاركتها، أشارت ديانا مطر إلى أن المشروع لم يؤثر على ذاكرتها الخاصة بالأحلام، ولكنه ألهمها طريقة «محفوظ» فى إدخال الوعى الباطن إلى قلب الواقع الاجتماعى والسياسى، وقالت: «إن هذا بالضبط ما أبحث عنه كفنانة؛ فأنا دومًا ما أبحث عن طريقة تجعل الوعى الداخلى يلتقى مع اللحظة السياسية والاجتماعية فى العمل الفنى».

وقد وافقها فى الشعور زوجها هشام مطر، وقال: «إن الترجمة جعلتنى أكثر اهتمامًا بالأحلام، وأكثر وعيًا بصعوبة مشاركتها بسبب خصوصيتها الكبيرة»، وأضاف أنه يخطئ دائمًا عندما يتحدث عنها، فيقول «قصائد» بدلًا من «أحلام»، ربما لأنها تتعامل مع المعنى والذاكرة بنفس الطريقة التى تتعامل بها القصائد. وقالت ديانا مطر إن الصور والأحلام بمثابة «ماندالا»؛ أى تأملات متشابكة تساعدنا فى إدراك أشياء لا نعرفها، وأضافت: «أحيانًا أعود لمطالعة عبارات من كتّاب أحبهم، فتأتى الكلمات كأنها رد على سؤال لم أسأله بعد»، وتابعت: «ربما السر وراء ذلك هو تقاطع الحواس بين الكاتب والقارئ، أو شىء أعمق، كاستعدادنا لتلقّى الحكمة وقتما نكون جاهزين لها».

ووجّهت المحاورة سؤالًا لهشام مطر عن دلالة الأرقام فى الكتاب الذى يبدأ من حلم رقم 200 إلى 299، فقال «مطر» إن الجزء الأول، بعنوان «أحلام فترة النقاهة»، ضم نحو 230 حلمًا، وصدر عام 2004 عن دار الشروق قبل وفاة محفوظ، أما الجزء الثانى، الذى نُشر بعد وفاته عن دار الشروق تحت عنوان «الأحلام الأخيرة»، فيبدأ من حلم 200 وحتى 497، والكتاب الجديد المترجم «وجدتُ نفسى» يحتوى على ترجمة أول 99 حلمًا من هذا الجزء الثانى.

وقالت «تشافا» إن رغم واقعية «محفوظ» المعروفة، فإن هذه الأحلام كانت أقرب إلى لوحات فنية شفافة، والكلمات والصور فيها تلامس مشاعر الحب والفقد والخوف والأمل، حتى إنها شعرت أنها ترى نفسها فى هذه الأحلام التى تعبر عن صدى مشترك بيننا كبشر حين ننفصل عن الوعى، وعن ذلك الشعور، قال «مطر» إنه كان يأمل أن يشعر القارئ بذلك، فحين قامت زوجته بتصميم الكتاب، اتفقا منذ البداية ألا يقوما بشرح الصور أو النصوص أو العكس؛ لأنهما أرادا أن يكون هناك تفاعل يخلق شيئًا ثالثًا؛ ألا وهو حالة من التداخل بين الحلم والصورة. وفى الختام، قالت ديانا مطر إن كلمة «ترجمة» نفسها لها أبعاد كثيرة؛ فعملية الترجمة قد تكون لمدينة ما، أو زمن ما، أو رغبة ما، أو ربما كلمة أو لمحة من ضوء أو فيلم أو ورق، ثم تحويل كل ذلك إلى شكل رقمى ومطبوع، وأضافت أن كل خطوة تُغيّر الأصل، لكنها تفتح بابًا لفهم مدينة «محفوظ» ووعيه، وتابعت: «إن الترجمة دعوة لأن يرى كل من القارئ والمترجم والمصور المكان بعين الآخر».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك