سائقون يروون لـ«الشروق» تجاربهم مع صندوق مكافحة الإدمان: رجعنا من الضياع.. والعلاج مجاني وسري - بوابة الشروق
الأحد 3 أغسطس 2025 9:02 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع النجاح لنظام الدوري المصري الجديد في ظل مشاركة 21 فريقًا؟

سائقون يروون لـ«الشروق» تجاربهم مع صندوق مكافحة الإدمان: رجعنا من الضياع.. والعلاج مجاني وسري

تصوير: دنيا يونس
تصوير: دنيا يونس
آية عامر
نشر في: الأحد 3 أغسطس 2025 - 6:43 م | آخر تحديث: الأحد 3 أغسطس 2025 - 6:43 م

عبدالله: «المخدرات أفقدتنى السيطرة على نفسى».. تامر: «كنت أخاف من لجان المرور خشية إجراء تحليل»

مدير «مكافحة الإدمان»: 620 سائقًا طلبوا العلاج طواعية دون مساءلة قانونية

 

تظل مشكلة تعاطى المخدرات بين سائقى سيارات النقل والأجرة واحدة من أخطر التحديات التى تهدد السلامة العامة، وتدق ناقوس الخطر على مدار الساعة، ومع ذلك، فإن بارقة أمل بدأت فى الظهور من قلب الأزمة، حين اختار مئات السائقين كسر حاجز الخوف، وتوجهوا طواعية إلى مراكز صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، طلبًا للعلاج والنجاة.

«الشروق» التقت عددًا من السائقين الذين خاضوا تجربة العلاج من الإدمان داخل مراكز صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، ونجحوا فى التعافى، وبدأوا حياة جديدة على الطريق، لكن هذه المرة بوعى ومسئولية.

وأكد السائقون المتعافون أن دعم صندوق مكافحة الإدمان، وتوفير مراكز علاج مجانية، كان طوق نجاة حقيقيًا، وأنهم الآن ليسوا فقط متعافين، بل يساهمون أيضًا فى توعية آخرين من زملائهم، ويرغبون فى أن يكونوا قدوة لسائقين آخرين لم يتخذوا قرار العلاج بعد.

«من جرّب الإدمان يعلم أن نهايته إمّا حادث أو موت.. ونحن اخترنا أن نعيش»، بهذه الكلمات عبّر محمود صبحى، أحد السائقين المتعافين عن تجربته، مؤكّدًا أن قرار العلاج غيّر مجرى حياته بالكامل، وجعله يرفض العودة إلى طريق الإدمان، خاصة بعد أن رأى بنفسه كيف كانت المخدرات تُفقده الوعى، وقد تودى بحياته وحياة أبرياء على الطريق.

ويجلس السائق صاحب الـ37 عامًا، المقيم بمنطقة بهتيم بشبرا الخيمة، مسترجعًا رحلته التى بدأت كسائق ميكروباص، قائلًا: «كنت فى سن 13 عامًا، أقود السيارة الأجرة وأنا فى طريقى إلى المدرسة، وأُنهى يومى الدراسى صباحًا، ثم أواصل العمل كسائق حتى نهاية النهار»، مضيفًا: «لم تكن المهنة اختيارًا، بل كانت إرثًا عائليًا».

لم يُكمل السائق تعليمه، إذ توقّف عند الصف الثالث الإعدادى، ومع مرور السنوات، أصبح سائقًا محترفًا، وأدمن تعاطى المخدرات، واستكمل حديثه قائلًا: «كنت بشرب سجاير من بدرى، وبعدين برشام، لحد ما دخلت فى البودرة والمخدرات المصنعة.. أى حاجة جديدة بتنزل، كنت لازم أجربها».

ويروى محمود، قائلًا: «خسرت كل حاجة بسبب المخدرات، الميكروباص اللى كنت شاريه بعته واشتغلت عند الناس، وبعد كده سبت الشغل وبيتى اتدمر، مراتى وبناتى مروا بظروف صعبة بسببى».

اللحظة الفاصلة جاءت ذات ليلة، حين أدرك أنه لم يعد يتحكم فى نفسه، وحكى قائلًا: «كنت أقود السيارة، ورأيت شخص يعبر الطريق، وضغطت بكل قوة على الفرامل.. لكن لم يكن هناك شخص يعبر الطريق وكانت مجرد تهيؤات».

وأشار السائق إلى أنه علم بما يقدمه «صندوق مكافحة الإدمان» بالصدفة، من خلال صديقه المدمن، قائلًا: «كنت فاكره عمره ما هيبطل لقيته متغير، ومبطل فعلًا، ودلنى على مركز علاج الإدمان.. روحت هناك، ولقيت حب من غير شروط».

هكذا بدأ محمود رحلة التعافى، قائلًا: «بقالى ست شهور مبطل، وكل أسبوع بروح أعمل تحليل، وبدأت أحب نفسى».

ولم يكتفِ محمود بالتعافى، بل قرر أن يكون صوتًا داعمًا لمن يسلك نفس الطريق، وحكى تفاصيل يومه، قائلًا: «بروح الجيم، وبعمل فيديوهات، وبشجع أى حد يبطل، وبنخلى اللى بيبطل ييجى الجيم ببلاش، بندعمه لحد ما يقف على رجليه، وبقينا صورة لناس كتير كانوا فاكرين إننا عمرنا ما هنفوق».

يحاول حاليًا السائق أن يجد فرصة عمل جديدة، بعدما قرر الابتعاد نهائيًا عن العمل فى مواقف السيارات، قائلًا: «رفضت أرجع لشغل الكارتة ولا العربيات، جربت كذا شغل ولسه بدور، بس على الأقل دلوقتى، بصحى من النوم فايق، ومش خايف».

وفى سياق مشابه، بدأ تامر عبدالسلام، سائق من شبرا الخيمة، روايته منذ لحظة التعاطى حتى الوصول إلى طريق التعافى، قائلًا: «بدأت أسوق الأتوبيس، وأنا عندى 13 سنة، كنت سايب المدرسة من رابعة ابتدائى، والناس كانت بتخاف تركب معايا عشان سنى الصغيرة».

يواصل السائق البالغ من العمر 43 عامًا حديثه: «بدأت أتعاطى البانجو فى عمر 19 سنة، وبعدها دخلت فى أنواع تانية، لحد ما وصلت لمخدر الآيس، وده كان أسوأ حاجة دخلت حياتى وسنين ضاعت من عمرى، وفلوسى كلها كانت بتروح على الكيف، وأنا مش حاسس بنفسى».

السائق هو أب لثلاثة أطفال، مات أحدهم، ولا تزال هذه الخسارة تؤلمه حتى اليوم، يتحدث عن زوجته ودورها فى إنقاذه، قائلًا: "زوجتى كانت تعرف أننى أتعاطى مخدرات، وكانت تحاول تساعدنى وتقنعنى بالاقلاع رغم إنى كنت أعاملها بشكل سيىء، لكنها لم تتركنى وفضلت الوقوف بجانبى بتخطى هذه المحنة".

ويضيف السائق أن نقطة التحول فى حياته بدأت من عمل زوجته، قائلا: "كانت بتشتغل عند ناس، وهم من أخبروها على صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وإنه مجانى وبيساعد الناس بجد، وفعلا رحت، واتحجزت 70 يوم، واتعالجت".

ويقول تامر بفخر بعد مرور عام على تعافيه: "زمان كنت سايق مغيب، بخاف من اللجان خشية إجراء التحليل، لكن دلوقتى أقود وأنا مركز، وبقيت أتابع كل حادثة بتحصل بسبب سواق متعاطى، وأقول لنفسي: الحمد لله إنى بعدت".

ويضيف بابتسامة: "دلوقتى بقيت أرجع بفلوس، أجيب هدوم لولادى، أعيش فى بيتى مرتاح، ورأسى مرفوعة، اللى عمله الصندوق معايا ما يتنسيش، وأنا حاليا إنسان تانى خالص".

وفى سياق متصل، يحكى محمد عبدالله، 35 سنة، سائق نقل ثقيل، تفاصيل رحلة طويلة ومؤلمة مع الإدمان استمرت لأكثر من 15 سنة، انتهت بقرار شجاع بالتعافى من أجل أسرته وأولاده.

ويقول السائق: "بدأت تعاطى المخدرات وأنا لسه شاب صغير، أول حاجة جربتها كانت البانجو، ومن وقتها وأنا كل يوم أغوص أكتر، بعد شوية بدأت أخد برشام، وحسيت إنى خلاص فقدت السيطرة على حياتى، وفضلت 8 سنين فى السكة دى، لحد ما وصلت لمرحلة كنت باخد فيها قطرات مخدرات بتخلينى أنسى نفسى حرفيًا".

ويتذكر السائق لحظات الانهيار، قائلًا: «كنت بمشى فى الشارع وأخلع هدومى من تأثير المخدرات، ولما كنت سايق، ماكنتش حاسس بالمسافات، ولا بالناس، ولا بنفسى».

ويحكى محمود، سائق تريللا، عن سنوات فقد فيها نفسه وكل من حوله، قائلًا: «كنت أقود السيارة وأنا مغيب ومش شايف الطريق ولا الناس.. ما كنتش خايف على نفسى ولا على اللى حواليا، وبعدها بيتى اتخرب، وكل الناس بعدت عنى، ووصلت إلى حالة كنت حاسس إنه مفيش رجوع».

نقطة التحول فى حياته جاءت على يد صديق قديم، تعافى هو الآخر من الإدمان، وقرر أن يمد له يد العون، قائلًا: «صاحبى أخبرنى بضرورة الذهاب إلى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، وأنهم هيتعاملوا معى بإنسانية، وسوف أعالج مجانًا»، متابعًا: «فى الأول كنت حاسس بالخوف والعار، بس لما رحت، لقيت ناس بتساعد بجد، وحسيت إنى بنى آدم ليه قيمة».

ويعبّر السائق عن تجربته بثقة ووضوح، قائلًا: «أنا دلوقتى راجع أقوى من الأول، ما بخجلش من اللى فات، بس باتعلم منه، موجهًا كلامه لكل شاب: «ما تستهونش بسيجارة، لأن أول خطوة ممكن تكون آخرك، ولو وقعت، متخافش.. الصندوق هيساعدك، بس خد القرار».

من جانبه، كشف عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، عن أن الخط الساخن للصندوق تلقى أكثر من 620 اتصالًا هاتفيًا من سائقى مركبات تقدموا طواعية لطلب العلاج من الإدمان، مؤكدًا أن كل الخدمات العلاجية تُقدَّم مجانًا ولجميع الحالات، مع ضمان السرية التامة، ودون التعرض لأى مساءلة قانونية.

وأشار عثمان إلى أن السائقين المتقدمين للعلاج كانوا قد بادروا بذلك قبل خضوعهم لحملات الكشف المفاجئة على الطرق السريعة، مؤكدًا أن من يثبت تعاطيه للمواد المخدرة دون أن يبادر بالعلاج، يُحال إلى النيابة العامة بتهمة القيادة تحت تأثير المخدر، طبقًا لقانون المرور.

وأوضح أن الصندوق يواصل تنفيذ أنشطة توعوية داخل المواقف العمومية فى مختلف محافظات الجمهورية، بهدف رفع وعى السائقين بمخاطر تعاطى المخدرات، وتصحيح المفاهيم الخاطئة المرتبطة بها، وذلك ضمن حملة «القيادة الآمنة»، التى أطلقها الصندوق بالتعاون مع الهلال الأحمر المصرى، بالتوازى مع حملات الكشف المبكر عن تعاطى المخدرات بين السائقين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال المخالفين.

وأضاف مدير الصندوق أن الحملة تستهدف كذلك توعية السائقين بالخدمات المتاحة، ومنها العلاج المجانى والسرى، والمتابعة المستمرة للحالات الخاضعة للعلاج، بالإضافة إلى تقديم الدعم والمشورة للأسر حول كيفية الاكتشاف المبكر لعلامات الإدمان، والتعامل السليم مع المرضى.

ولفت عثمان إلى استمرار تكثيف حملات التوعية فى المواقف العامة بالتنسيق مع المحافظين، لتصحيح المفاهيم المغلوطة المنتشرة بين بعض السائقين، مثل الاعتقاد بأن المخدرات تعزز التركيز، أو تُنشط الذاكرة، أو تساعدهم على تحمل فترات عمل أطول، مؤكدًا أن هذه المعتقدات لا تستند إلى أى أساس علمى، بل تؤدى إلى عواقب خطيرة.

واختتم عثمان بالإشارة إلى تقارير الأمم المتحدة التى أوضحت أن السائقين الذين يقودون تحت تأثير مخدر الحشيش تزيد احتمالية تسببهم فى الحوادث بمعدل ثلاثة أضعاف مقارنة بمن لا يتعاطون.


صور متعلقة


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك