أيام القاهرة (10) .. كيف شكلت الأضرحة والموالد ثقافة أهل المدينة؟ - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 4:35 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أيام القاهرة (10) .. كيف شكلت الأضرحة والموالد ثقافة أهل المدينة؟

محمد حسين
نشر في: الخميس 4 أبريل 2024 - 10:09 ص | آخر تحديث: الخميس 4 أبريل 2024 - 1:29 م

يتمتع شهر رمضان في مصر، بخصوصية وتفرد عن غيره من أشهر السنة، حيث تزخر به الطقوس والعادات المميزة التي تضفي أجواءً فريدة من البهجة والسعادة.

وتشهد شوارع القاهرة على سهرات وتجمعات العائلات والأصدقاء لتوثيق تلك الأجواء الفريدة والمبهجة خلال الشهر الكريم.

وتشارك "الشروق"، مع قرائها لقطات ساحرة من تاريخ القاهرة، الذي يعود لأكثر من 1000 عام، وصور إلهامها للمبدعين، وذلك في سلسلة حلقات بعنوان "أيام القاهرة" على مدار النصف الثاني من شهر رمضان.

*الحلقة العاشرة

تحدثنا في الحلقة السابقة عن حضور القاهرة في الأعمال الفنية للرساميين الأوربيين؛ النيل والاهتمام به لدرجة الهوس من أهم الموضوعات الرئيسية في هذا التقليد.

فنجد وصف هيرودوت لمصر بأنها "هبة النيل"، وجغرافيا بطلميوس والمناظر الطبيعية النيلية في الفن الروماني التي تم تنصيرها في نهاية المطاف وإدماجها في المسيحية في العصور الوسطى، حيث كان النيل يُعد أحد أنهار الجنة الأربعة وكان فيضانه رمزا لخلق الله للعالم المرتبط في النهاية بالمعمودية.

وكان رجل الدين البريطاني الرحالة ريشارد بوكوك أول من قام في عام 1743 بمسح مبنى ديني، حيث قام برسم مسقط أفقي الجامع عمرو بن العاص، وكان أيضًا أول من أشار إلى البوابات الفاطمية بمسقط أفقي وآخر رأسي الباب الفتوح الذي ظنه خطأ باب النصر ولم تحظ التحصينات الفاطمية باهتمام الرحالة الأوائل، حيث انتهكتها المباني اللاحقة لها وتعدت عليها فاختفت وتلاشت داخل المدينة الواسعة.

كما اشتمل عمل بوكوك على مخطط أفقي وآخر رأسي لمقياس النيل ومأخذ القناة وبئر صلاح الدين مع رسم بإطلالة من الخارج لتوضيحه ووصفه بطريقة شاملة، وكذلك قصر الناصر محمد بالقلعة.

ونكمل في حلقة اليوم مع النفوذ للثقافة للقاهرية وتأثيرها على سكانها وأبرز ما تركته عليهم من عادات وموروثات بالتقدير الكبير لأولياء الله وزيارة وقصد أضرحتهم.

وقدم عبد العظيم فهمي ‏وثائقي ومؤرخ شعبي مؤسس ومدير مبادرة سيرة القاهرة، دراسة عن تأثر وارتباط أهل القاهرة بالأولياء

*صورة سينمائية من الليلة الكبيرة لمولد السيدة نفيسة

ويصف عبد العظيم فهمي أحد المشاهد، قائلا: "في جلباب فضفاض وطاقية شبيكة بيضاء وسبحة ألفية رأيناه يأتي مهرولا، في مشهد سينمائي من داخل عطفة الفرن بشارع الأشراف متجها لساحة السيدة نفيسة.

وكان حضوره خفياوكأنه ظهر من العدم لا يرى حوله ولا يلتفت؛ تجمدت عيناه نحو الساحة والمسجد.. الصحب من حوله يرتفع وتتهافت الأصوات بالمدد.. مدد يا كريمة الدارين.. مدد يا نفيسة العلم.

ويضيف فهمي: "كانت الليلة الختامية للمولد حيث تتكاثر الوفود ويتلاحم البشر، تفوح من البيوت المحيطة رائحة البخور، والمقاهي المحيطة تكتظ بالجالسين، والأنسنة عامرة وحائرة بين الدعاء والسباب والأذكار والنفوس متأرجحة بين المد والجزر، وجوه عابثةوأخرى نضرة، الكل جاء يبحث عن طلب وأمنية؛ لتحقق في رحاب واحد من أشهر أضرحة القاهرة العامرة بعدد الأولياء وصل إلى الساحة وكلما اقترب خطوة نحو الباب المفضي إلى الصريح.

وتلسع ابتسامته وينفرد جبينه، وكرات السبحةالصغيرة تتقلب بين أصابعه في دورةوميثاقا، فرد ذراعيه متشبتا بالضريح كأخر نتوء في الجبل قبل أن يهوي وارتفع صوته مدد يا ستنا مدد دعيت بنفس دعاكي إلهي وسيدي ومولاي متعتي وفرحتي برضاك عني فلا تسبب لي سبنا به عنك تحجيني" واتكتب على بابك عرش الحقائق مهبط الأسرار... قبر النفيسة بنت ذي الأنوار، وانصرف لإحدى الزوايا داخل غرفة الفريح، وجلس مستدا ظهره على الحائط وغاب في تمتماته بين الأذكار والأورادعادة ما يتفاعل الإنسان الشعبي مع الأماكن المحيطة به من خلال الأسطورة أو المتخيل".

*الأولياء والخيال الشعبي
ويؤكد فهمي أن القاهرة مدينة فريدة من نشأتها من حيث تعدد أضرحة الأولياء، تصل الدرجة وجود أكثر من ضريح لولى في حارة أو درب.

ولعب الولي في الخيال الشعبي حائط حماية وشعور بالأمان فاحتل الولي موقعا مهما بين الإيمان الديني والموروث الشعبي، وهو ما يعرف عند المريدين بالكرامة، والتي تعد أهم صفة عند الولي ومن شروط الولاية.

فالكرامة في مفهوم الناس هي القدرة الخارقة للولي يستطيع أن يحدث بها فرقا حينما يلجنون إليه، وإذا تحققت تلك الحاجة يعتقد الشخص أنها لم تتحقق إلا نتيجة لتدخل الولي.

*الكنس ودرء المظالم
ويشير إلى أنه من الممكن أن يشكل الولي أيضا قوة تقف في وجه السلطة الحاكمة.

ويستعين به الناس كقوة خفية يحتمون خلفه من خلال ممارسة بعض الطقوس، منها طقعة شعبية شهيرة غرفت بـ"الكنس"، وهو تعبير رائح و دورود ديني شعبي يستخدمه الأهالي لدرء المظالم.

في القاهرة يطغى التخيل الشعبي على كل شيء، بداية من الكرامات التي قد تنسج حول الولي القابع أسفل ضريحه، فتجد دوما العرويات الشعبية تختلف عن الرواية الرسمية.

وتكون أقرب لقلوب العامة، حتى لو ابتعدت تلك المرويات عن المنطق وكانت أقرب للخروقات، وهو ما يحفز الخيال الشعبي.

*درجات الأولياء
تتنوع في القاهرة الأضرحة والمقامات تبعا المرتبة الولي، فهناك المقامات العالية (مقام عالي في المفهوم الشعبي)، وأخرى متوسطة وأضرحة صغيرة الحجم مجهولة الهوية، كما أن هناك أولياء محدثين ولهم أتباع، والغالب منهم مشايخ لعشرات الطرق الصوفية.

ويبقى الأولياء المحليون ذوو التخصصات العلاجية يشكلون أهمية خاصة، وقد أخذوا شهرتهم من الأساطير المفتولة حول قدراتهم العلاجية وتقديم الشفاء للزائرين، وهناك آلاف القصص التي ما زالت تروى وتتناقلها الألسنة حول الكرامات الخارقة لهؤلاء الأولياء الذين تضح بهم حارات ودروب القاهرة.

وتعد الموالد أيضًا مناسبة مهمة للرواح التجاري في الحي للذي يحوي ضريح الولي، حيث تزدهر عمليات البيع والشراء أيام المولد يكثر فيها أيضا النشاط العلاجي، فنرى الكثيرين ممن جاءوا من أقاصي الصعيد وبطون الريف صوب الموالد الشهيرة في القاهرة لأصحاب المقامات العالية كالحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة ولين العابدين، آملين في إيجاد حلول للأمراض المستعصية.

اقرأ أيضا: أيام القاهرة (9).. كيف ألهمت المدينة وعماراتها الرسامين الأوروبيين؟



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك