تحل يوم 6 أغسطس الذكرى الـ80 للضربة النووية الأولى في العالم على مدينة هيروشيما اليابانية، والتي أسفرت عن مقتل 160 ألف شخص، يمثلون نحو نصف سكان المدينة. ويبرز عند ذكر هيروشيما اسم الطيار الأمريكي بول تيبتس، منفذ الضربة قاتلة الـ160 ألف شخص، ليصبح الطيار الشهير محلًا للجدل في كل ذكرى لضربة هيروشيما، خاصة مع تأكيده افتخاره بفعلته وعدم شعوره بالأسف من أجل الضحايا المدنيين.
وتسرد جريدة الشروق، نقلًا عن كتاب "صناعة القنبلة الذرية" لريتشارد رودس، ومذكرات بول تيبتس، وصحيفة "ديلي هيرالد"، وقناة "بي بي سي"، تفاصيل حكاية الطيار الأمريكي المنفذ لضربة هيروشيما النووية، وأهم تصريحاته المتفاخرة بنسف هيروشيما.
هوس الطيران منذ الطفولة
وُلد تيبتس عام 1915 لأسرة أمريكية متوسطة في ولاية أيوا، وظهر شغفه بالطيران مبكرًا بعد انتقال العائلة للعيش في فلوريدا، حيث دفعت له والدته دولارًا ليركب مع أحد الطيارين في أحد العروض الاحتفالية. وقد أطلق تيبتس اسم والدته على الطائرة التي استخدمها لاحقًا في ضرب هيروشيما. ثم استأجر له أبوه طيارًا ليطير به في استعراض آخر حين كان عمره 12 سنة، وكان الطفل تيبتس يلقي الحلوى على الجمهور من الطائرة.
احتراف القتل بدل الطب
التحق تيبتس بجامعة فلوريدا عام 1933 وقرر دراسة الجراحة، وكان خلال دراسته يتلقى دورات تدريبية على الطيران بأحد المطارات، وكانت لديه خلفية عسكرية جراء التحاقه بأكاديمية حربية قبيل المرحلة الجامعية. وقد توقف تيبتس عن دراسة الطب بعد عامين فقط، ليلتحق كمقاتل بالجيش الأمريكي. ونظرًا لحصوله على دورة تدريبية بالطيران سابقًا، تم تعيينه في سلاح الجو الأمريكي، ليتنقل بين الأسراب المختلفة كطيار حربي.
الحرب العالمية وأولى تجارب سفك دم المدنيين
أكّد تيبتس خلال لقاءاته الصحفية تنفيذه ضربات قتلت العديد من المدنيين خلال مشاركته ضمن العمليات القتالية فوق فرنسا عام 1942، حيث كان قائدًا للسرب 98 من قاذفات القنابل التابع للفرقة 340، التي عمل تيبتس أيضًا نائبًا لقائدها. وقد تصدّرت طائرة تيبتس أول طلعة جوية أمريكية نهارية فوق فرنسا، ثم قاد أكبر طلعة أمريكية من نوعها على مدينة ليل، ليتسبب خطأ في التصويب في وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين. وعلّق تيبتس على تلك الواقعة بأن مهنته تتطلب تنفيذ الضربة دون الاهتمام بالأخلاقيات، لأنه إذا لم يُنجز عمله "فلن يساوي شيئًا" حسب قوله.
واصل تيبتس مهماته القتالية حين انتقل للقتال بين الجزائر والمغرب، حيث أكّد أنه تعامل مع قتل أعداد أكبر من المدنيين، ولكنه "تأقلم مع الأمر". وقد تميز أداؤه في تلك المرحلة لدرجة اختياره كطيار مسؤول عن نقل القائد الأمريكي دوايت آيزنهاور لمتابعة العمليات في شمال إفريقيا.
الاستعداد للضربة النووية
عاد تيبتس إلى الولايات المتحدة ليشرف على تطوير القاذفة الحربية "بي 29" المعروفة بـ"الحصن الطائر"، والتي جرى إعدادها لاستخدامها في الضربات النووية. وتسلم تيبتس في سبتمبر 1944 قيادة المجموعة الجوية المختصة بتنفيذ الضربات النووية بعد لقاء جمعه بممثلين عن مشروع مانهاتن النووي. وتم وضع 1800 من الضباط والمساعدين تحت إمرته، وسرب من 15 طائرة "بي 29" قادرة على حمل السلاح النووي، ليتمركز الفريق في ولاية يوتا استعدادًا للهجوم.
تم تحديد يوم 6 أغسطس موعدًا لنسف هيروشيما اليابانية، وقد اختار تيبتس إحدى طائرات "بي 29" لتحمل قنبلة "الولد الصغير" المستخدمة في الضربة، وسماها "إينولا جاي" على اسم والدته، امتنانًا لها على دعمها له حين قرر ترك الطب ليلتحق بالجيش الأمريكي، وفقًا لتصريحات لاحقة له.
أقلع التشكيل المنفذ للضربة من جزر ماريانا خلال الليل، ليطيروا لمسافة 3000 كيلومتر حتى وصلوا إلى هيروشيما. وكان الطيار المساعد لتيبتس قد عطّل زر الأمان الخاص بالقنبلة قبل نصف ساعة من موعد التنفيذ، ليتم التنفيذ تمام الساعة 8:15 صباحًا. هبطت القنبلة من ارتفاع 9800 متر على المدينة، وانفجرت خلال 53 ثانية، مُحدثة سحابة عظيمة صدمت الطائرة من شدتها.
كان الوضع مختلفًا على أرض هيروشيما، حيث هبطت القنبلة فوق أحد المستشفيات، مصدرة وميضًا شديدًا وحرارة بلغت 8000 درجة مئوية، ليدمر ميل كامل حول القنبلة، وتنطلق أعاصير النار على مدى 11 كيلومترًا. وأسفر ذلك عن مقتل 70 ألف شخص خلال دقائق، ثم موت 90 ألفًا آخرين متأثرين بإصاباتهم على مدار الأشهر التالية.
لا يقبل الندم
قال تيبتس معلقًا على الضربة إنه يؤدي عمله، وإن المطلوب منه القتل بأقصى سرعة، مضيفًا أنه "أدى مهمته ويستطيع النوم مرتاحًا في كل ليلة". كما قال إنه "لا فرق بين إلقاء قنبلة نووية أو قنبلة وزنها 100 رطل"، وأن الأخلاقيات ليست من اختصاصه. وقد بلغ افتخاره بالضربة أنه أعاد تمثيل عملية القنبلة النووية أمام عدسات التصوير، ما أثار موجة استنكار يابانية واتهامات له بإهانة الشعب الياباني.
أوصى بحرق جثته
توفي تيبتس عام 2007 بمرض الجلطة، وقد منع إقامة جنازة له تجنبًا لحدوث مظاهرات. كما أوصى بحرق جثته ونثر رمادها في مياه القناة الإنجليزية التي قاتل فوقها خلال الحرب العالمية الثانية.