تزامنًا مع احتفاء معرض القاهرة للكتاب هذا العام بالمفكر الكبير أحمد أمين في ذكرى مرور 140 عامًا على ميلاده، تعود سيرة «حياتي» لتتصدر المشهد الثقافي بوصفها إحدى أهم السير الذاتية في الأدب العربي الحديث، ونافذة واسعة تطل على ملامح عصر كامل من التحولات الفكرية والاجتماعية.
في هذا الكتاب يكشف أحمد أمين، بأسلوبه السلس وشفافيته المعهودة، عن محطات حياته منذ الطفولة والصبا في مدرسة «أم عباس» الابتدائية النموذجية، مرورًا بدراسته في الأزهر ومدرسة القضاء الشرعي، ثم انتقاله إلى عالم القضاء والتدريس، وصولًا إلى الجامعة التي أصبح فيها أستاذًا ثم عميدًا لكلية الآداب.
ولا يقف الكتاب عند حدود السيرة الشخصية، بل يمتد ليقدّم صورة نابضة لمصر في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وللجيل الذي صنع نهضتها الفكرية، ومن بينهم طه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهما.
كتاب «حياتى» هو سيرة ذاتية يسرد فيها المفكر أحمد أمين بأسلوب شيق ما مر به من تجارب فى حياته بدءا من مرحلة الطفولة والصبا التى قضاها فى مدرسة أم عباس الابتدائية النموذجية التى شيدتها إحدى أميرات القصر الملكى، والتى انتقل بعدها إلى الدراسة فى الأزهر ومدرسة القضاء.
ويعرج الكتاب إلى مرحلة الشباب والرجولة وتنقل أحمد آمين فيها بين مناصب القضاء والتدريس وعمله كأستاذا وعميدا لكلية الآداب، ومعاصرته خلال تلك الفترة لنخبة من عظام المفكرين المصريين أمثال: طه حسين، وأحمد لطفى السيد وغيرهم.
هذا الكتاب لا يطل فقط على الحياة الشخصية للمؤلف، بل يطلعنا أيضا على الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية السائدة فى أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين.
الكتاب يروى قصة إنشاء أول جمعية ثقافية تهدف للنهوض بحالة الثقافة والمعرفة فى مصر، وتقريب النهضة العلمية والأدبية الأوروبية إلى أيدى المصريين والعرب، والتى أسسها أحمد أمين ومجموعة من النخبة الثقافية فى مصر، تحت اسم «لجنة التأليف والترجمة والنشر. والتى ترأسها بالانتخاب ولمرات عدة الكاتب والمفكر أحمد أمين، وكيف تمتعت الجمعية بالحيادية والدقة فى اختيار الكتب، حيث لا تقرر كتابا إلا إذا حولته إلى اثنين خبيرين بالموضوع، يبديان فيه رأيا بالصلاحية أو عدامها أو حاجته إلى التعديل. وكيف حرصت اللجنة على أن تعامل المؤلف الناشئ والمؤلف الشهير بذات المعاملة.
خلال 36 عاما أسست اللجنة مطبعة خاصة، كما أسست لها مجلة اسمها «الثقافة»، تنشر فيها الآراء على مبادئها، واستمرت نحو 14 عاما قبل أن يتم إغلاقها لما تتكبده من خسائر فادحة، بحسب وصف أحمد أمين فى سيرته الذاتية «حياتى»، الصادرة عن دار الشروق.
وعن الكتاب قال عميد الأدب العربى «طه حسين» هذه السيرة الذاتية لواحد من أهم رموز النهضة العربية الحديثة: «إذا لم يكن أحمد أمين مثلا رائعا للجد المنتج، والنشاط الخصيب، والمثابرة التى لا تعرف كللا ولا مللا، والمقاومة التى لا تعرف ضعفا ولا فتورا، والثقة التى لا تعرف شكا ولا ترددا، فلا ينبغى للمصريين أن ينتظروا مثلا رائعا من أى مواطن آخر».
وقال عنها أحمد حسن الزيات: «يجمع بين حسن الفكرة وجمال الصورة، ويلائم بين رزانة المعنى ورصانة اللفظ. وربما كان ذلك أظهر ما يكون فى كتابه «حياتى» فإن تصويره البيت والسقاء والمحدث والكتاب والأزهر، وفى وصفه لأبويه وأخويه، وصديقيه عبدالحكيم محمد وعلى فوزى، وأستاذيه عاطف بركات ومس بور، لنماذج من البيان المطبوع الذى يشرق بنور العقل، وينبض بروح العاطفة، ويزهو بألوان الفن.