«يوميات الفوضى والرعب» - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:33 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«يوميات الفوضى والرعب»

ترجمة: محمد حامد
نشر في: الأربعاء 7 أكتوبر 2015 - 10:48 ص | آخر تحديث: الأربعاء 7 أكتوبر 2015 - 2:19 م

الملازم يعقوف بورات يسترجع ذكرياته: كيف عرف المصريون مكاننا ونحن عرايا بدون خنادق
أطلقت المضادة للطائرات نيرانها على الطائرة.. انحرف الطيار قائلا لنا «أنا منكم أنا إسرائيلى»

فى يوم الغفران 1973. أقلب فى ذاكرتى، وأرى نفسى وأنا فى الثالثة والعشرين من العمر، أب شاب لثلاثة أطفال.. يصل أحدهم يحمل أمر استدعاء للجيش، يخرج الجميع لوداعى حتى أول الطريق. متى أراهم مرة أخرى. يبدو أن الحرب بدأت بالفعل، لكن لا أحد يبدو متعجلا. انتظرت بضع ساعات مجىء الحافلة التى تقلنى مع آخرين إلى معسكر «ناتان». كانت المقابلة مع أعضاء السرية مؤثرة. لم نكن قد شاركنا فى أى حرب بعد..

بزغ النهار. كان الطريق غاصا بطوابير طويلة من الدبابات والمسيرين والحافلات. وسارت القوافل ببطء. وفيما يبدو ستنتظرنا الحرب، فنحن قادمون للنصر. وصلنا إلى بير جفجافة. الضجيج من حولنا، وكل شىء مجهول. مركبات ومدرعات ودبابات الواحدة وراء الأخرى دون نظام، والظلام يلفنا. أهكذا تبدو الحرب؟ يبدو الأمر فوضى. ومن داخل هذه الفوضى سمع ضجيج يصم الآذان. اتضح أن قذائف سقطت على مسافة ليست بعيدة عنا. عرفنا أننا على مسافة 70 كيلومترا من القناة. انقبضت صدورنا عندما عرفنا أن العدو نجح فى إطلاق قذائف إلى هذه المسافة. هل هم قريبون جدا أم أن قدرتهم على إطلاق النار أصبحت جيدة إلى هذا الحد؟ صافرة قذيفة أخرى، رجفان فى القلوب، وصخب فى الآذان. هذه الصافرة تعنى بالطبع قنبلة تزن 500 كيلو جرام. واتضح لنا فيما بعد أنها كانت صواريخ سكود أطلقت فى اتجاه القاعدة الجوية فى ريفيديم. قفزنا جميعا من المدرعات، وبحثنا عن ملاذ.

إذا كان الإحساس السائد من قبل هو الفوضى، ففد تحول الآن إلى إحساس قوى بالرعب والجهل. ثمة شخص ينبغى أن يتحمل المسئولية وإلا فإن الرجال سيبدأون فى الفرار.استدعيت قادة الأطقم، وأعطيتهم تعليمات بجمع الرجال وإحصائهم، وإعادتهم إلى المدرعات بينما يترجل القادة أمام المدرعات وخلفها. تفرقنا نحن القادة بين المدرعات الأخرى، وصار المشهد كقافلة ثعبانية تعرف شيئا واحدا فقط هو أن عليها أن تسير وراء الرأس وتتقدم. وصل الذيل فى أعقاب الرأس إلى الطريق المؤدى إلى منطقة الطاسة.

سرنا عدة ساعات بسرعة بطيئة، ومع بزوغ فجر يوم الاثنين وصلنا إلى الطاسة. أشعر بإرهاق شديد. أخذت غفوة لمدة ساعة ونصف منذ أكثر من 24 ساعة دون نوم. أحاول أن أفهم اتجاه حركة المدرعات الأخرى وأتابعها. نحن نسير فى اتجاه ممر المتلا. وعندما وصلنا إلى هناك تلقينا أمرا بالعودة إلى الطاسة، ثم تلقينا أمرا بالعودة إلى اتجاه المتلا. كان ثمة إحساس بالعجلة وأننا يجب أن نصل إلى هناك، لكن لا أحد يعرف إلى أين. توقف محرك مدرعة أخرى عن العمل، لكننى لا أرغب أن أتخلى عن المدرعة. وفى الجولة الأخيرة بالقرب من الطاسة تركنا طاقم إحدى المدرعات مع مركز قيادة إطلاق النار على أمل أن ينجحوا فى إصلاح المحركات ثم الانضمام إلينا فيما بعد.

فى تلك الليلة نمت فوق إحدى المدرعات. أرهبنى صوت انفجار ضخم. وتمكنت من رؤية اللهيب الصادر من عادم الطائرة النى مرت فوقى. قفز جميع من حولى من فوق المدرعات إلى الرمال. تركت الطائرة المصرية خلفها نقطتين سوداوتين كانتا موجهتين نحو بطارية صواريخ هوك كانت منصوبة بجوار الطاسة، ثم اختفت الطائرة وهى تطير على ارتفاع منخفض داخل سيناء فى اتجاه إسرائيل. وجهت المدفع نحو الطائرة وضغطت على الزناد دون توقف.انطلق وابل طويل ومتواصل من الطلقات والطلقات المضيئة من المدفع فى اتجاه مسار الطائرة التى كانت قد مرت.

غيرت الطائرة مسارها، وعندئذ تمكنت من معرفة أنها طائرتنا الفانتوم. لم أكن أنا وحدى من أطلق النار فى اتجاه الطائرة، فقد أطلقت بطارية الصواريخ المضادة للطائرات نيرانها على الطائرة. انحرف الطيار بطائرته وكأنما يلوح يجناحيها وهو يقول لنا «أنا منكم، أنا على مايرام». ما أسهل فى هذه الفوضى أن تطلق النار على صديق بدلا من العدو.

اتصلت بـ «نادى» نائب قائد الكتيبة الذى أمرنى بالتوجه إلى محور المزرعة الصينية حتى النهاية. توجهنا إلى المحور فى اتجاه الجنوب.. لم نتمكن من النوم لفترة طويلة، فقد بدأت قذائف 122 ملى فى السقوط بين الأطقم.

كيف عرف المصريون مكاننا؟ لماذا أطلقوا النار علينا؟ ربما كان المكان مستويا من البداية ونحن بدون خنادق، عرايا فى مواجهة القذائف. أيقظنا الضجيج ولفحنا برد الصحراء. كانت أسناننا تصطك من الخوف والبرد.
أعطيت أوامرى بالتراجع كيلو متر إلى الخلف بعيدا عن المحور المعرض للقصف، وحفرنا الخنادق ونمنا. كان إطلاق النار من حولنا، ولكن الإرهاق تغلب على الضجيج. فى الصباح صعدنا إلى التلة جنوب المحور، ونشرنا بطاريتنا هناك. أجرينا القياسات. كان تموضعا رائعا. صوبت نظرى بعيدا، ورأيت قناة المياه فى الأفق. وبالطبع إذا كنت أراهم فإنهم قادرون على رؤيتنا. كان المساح بلينكوف يقف ممسكا بمسطرة القياس، وإذا بوابل من قذائف الهاون عيار 160 مم تطلق علينا. عندما انقشع الدخان رأينا بلينكوف راقدا وقد انشقت خوذته. كنا مقتنعين أنه قتل وطلبنا إخلاءه. قفزنا إلى الجانب الشمالى من المحور، وناديت الموقع 53. مكثنا فى هذا الموقع أسبوعا كان بمثابة عام بالنسبة لنا.

خرجنا فى يوم عيد الغفران، وها نحن اليوم فى عيد المظال.. كنا فى مواقع ثابتة، ولكن كانت تتحرك بالقرب منا قوات فى طريقها إلى المزرعة الصينية وعبور القناة. وفى ظهيرة أحد الأيام ظهرت فوق تلتنا طائرة مصرية. رفعنا رءوسنا ونظرنا، وفجأة خرجت منها نقطة سوداء وتتوجه ببطء نحونا. ها هو رد المصريين على نيراننا. لقد أطلقنا النار عليهم من هذا الموقع، ولذا فقد قرروا أن ينهوا ذلك. قفز الجميع إلى الخنادق وهم يصلون فى هدوء، وأغمضوا عيونهم آملين ألا ينفجر الصاروخ فوق رءوسهم. حدث انفجار ضخم يخيف الرمال. صاح كل واحد من الجنود أنا حى وأنا أيضا. لم تصبنا. وانطلقت صيحات الفرح فى كل الخنادق. وأخذ الجنود يعانقون بعضهم ويقولون كم نحن محظوظون. هذا الموقع مبارك.

توجهنا شمالا بين الكثبان الرملية. ضبطنا جهاز التصويب وحفرنا الخنادق وبدأنا فى إطلاق المدافع. سأل نادى عبر جهاز الاتصال إذا كان لدينا قذائف له، ثم أرسل إلينا المساعد دانى كوهين فى عربة نقل. وفى اللحظة التى وصل فيها بدأ قصف متواصل، وسقطت القذائف بين الأطقم، وأصاب بعضها المدفعية، فقفزنا إلى الخنادق. كانت الخنادق مزدحمة بسبب كثرة من انضموا إلينا، فكان هناك اثنان فى خندق واحد. حدث صفير تبعه انفجار. كان صوت الانفجار قويا لدرجة أنه يتكرر فى أذنى حتى اليوم. شعرت بسخونة ووخز فى كف يدى. بدأت يدى اليسرى تتلمس الشظايا ثم سمعت فجأة صوت أنين خافت. رفعت رأسى خارج الخندق رغم أن القذائف استمرت فى السقوط من حولنا، فرأيت دانى راقدا وبطنه مفتوحة.

مرت الأيام والليالى على وتيرة واحدة من تبادل إطلاق النار بيننا وبين المصريين. كانت أصوات القذائف التى تطلق علينا مخيفة. وفى بعض الأحيان نسمع صخبا غريبا، ونرى أسلاكا كهربائية وراء القذائف. كانت تلك صواريخ مضادة للدبابات لم تصب مدرعاتنا. صرنا خبراء فى القفز إلى الخنادق. مضى أسبوعان ونحن فى الخنادق. وأصيب زعيرا بشظية قذيفة. كنا نشاهد هجمات طيارينا على بطاريات المصريين المضادة للطائرات. أمس رأينا طائرة سكاى هوك تنفجر فى الهواء. لم نر الطيار ينقذ نفسه. شعرنا بغصة وألم فى صدورنا عند التفكير فى مصيره. واليوم شاهدنا أيضا طائرتى سكاى هوك نجحت إحداهما فى إلقاء صواريخها، لكن الثانية فشلت فى الفرار من الصاروخ الذى أطلق نحوها فانفجرت فى الهواء، لكن الطيار نجح فى إنقاذ نفسه هذه المرة.

اقرأ أيضًا:

إسرائيل تكشف أسرارًا جديدة عن معركة الجزيرة الخضراء

من مذكرات العريف حاييم نجار سائق الدبابة فى الكتيبة 106: كان أقسى يوم سبت مر علينا



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك