«السينيت».. لعبة المصري القديم التي بدأت كهواية وتطورت لتربط الموتى بالأحياء‎ - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:53 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«السينيت».. لعبة المصري القديم التي بدأت كهواية وتطورت لتربط الموتى بالأحياء‎

محمد نصر:
نشر في: الأربعاء 12 فبراير 2020 - 12:13 م | آخر تحديث: الأربعاء 12 فبراير 2020 - 12:13 م

لآلاف السنين، مارس البشر في مختلف الحضارات ألعابا خاصة بهم ابتكروها في سبيل البحث عن الترفيه وتمضية الوقت، وكان للمصري القديم ألعابه الخاصة والتي كان منها لعبة "السينيت" "senet".

وبحسب مجلة "ساينس" العلمية، كانت "السينيت" أو "المرور" أو "لعبة الموت"، لعبة رقعة مثل الطاولة والشطرنج، بدأت كهواية، لكنها تطورت على مدى ما يقارب 2000 عام، لتصبح لعبة ذات روابط عميقة مع الحياة الآخرة، حيث مثلت رقعة اللعب "العالم الآخر بعد الموت".

وما بين بدايتها كهواية وتحولها إلى الترابط مع العالم الآخر، كان ثمة "تحول دراماتيكي" قد تكشف عنه نسخة فريدة من رقعة اللعبة بمتحف روزيكروشن المصري في سان خوسيه بولاية كاليفورنيا الأمريكية.

ربما لم تكن "سينيت" أول ألعاب الرقعة أو اللوح في العالم، لكنها كانت من أولى الألعاب التي حققت النجاح والشعبية في المجتمع المصري القديم، والتي لعبت من قبل جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك الملوك والملكات، منذ نحو 5000 عام، وتمتع بها المصريون بعد 2500 عام تالية.

بناء على مقتطفات النصوص القديمة، يعتقد علماء المصريات أن "سينيت" كانت لعبة زوجية لعبها اثنان من اللاعبين، لكل منهما ربما 5 بيادق يمكن للاعب تحريكها على شبكة من 3 صفوف تحوي 30 مربعًا، استنادا إلى ما يشير إليه نظير قديم لحجر النرد (زهر الطاولة)، يلقيه اللاعبون لتحديد عدد المربعات التي يتحركها أحد البيادق وفي أي اتجاه، إلا أن المربعات من 26 إلى 29 قد حملت رموزا يبدو أنها ذات دلالة وأهمية خاصة.

على اللاعب تحريك كل بيدق يمينًا على طول الصف العلوي، ثم يسارًا لأسفل في الصف الأوسط، ثم يمينًا عبر الصف السفلي، انتهاء في المربع الثلاثين والأخير في الركن الأيمن السفلي من الشبكة، حيث يكون أول لاعب ينقل بيادقه الخمسة إلى النهاية هو الفائز.

وفق المجلة، منذ ابتكار اللعبة لم يكن ثمة دليل على كونها إلا شكل من الترفيه، حتى بعد مرور 700 عام عليها، ولكن قبل حوالي 4300 عام، بدأ الفن الجنائزي بالمقابر المصرية في تصوير وإظهار المتوفي وهو يلعب "سينيت" مع أقاربه وأصدقائه الأحياء، حيث تشير النصوص من ذلك الوقت إلى أنه صار ينظر إلى اللعبة باعتبارها ممرًا وقناة اتصال يمكن من خلالها أن يتواصل الموتى مع الأحياء.

وعلى مدى 1000 عام تالية، جاءت النصوص المصرية لوصف اللعبة بكونها تعكس حركة الروح خلال العالم الآخر المسمى في الأساطير المصرية القديمة "دوات Duat"، حيث يتم الحكم على الروح ووزن القلب وما إذا كانت تستحق الخلاص للمضي نحو الجنة "آرو - حقل القصب" في الحياة الآخرة.

وقبل نحو 3300 عام، تغيرت لوحة اللعب، فبدلاً من 3 خطوط رأسية بسيطة في المربع 28، في لوحة اللعب القديمة، على سبيل المثال، أصبح لدى البعض منها 3 رموز هيروغليفية لطيور استخدمها المصريون للدلالة على الروح، وهو ما سيستمر لنحو 800 عام أخرى تكون نهاية شعبية اللعبة، أي قبل 2500 عام.

المراحل المبكرة من هذا التصميم قد تظهر في رقعة للعبة "سينيت" في متحف روزيكروشن المصري بولاية كاليفورنيا. حيث تفتقر اللوحة إلى الرمز الهيروغليفي الدال على الروح، ولكن المربع 27 -الذي كان في اللوحات السابقة يتضمن علامة X بسيطة- يحمل الآن رمز المياه في الهيروغليفية. يعتقد الأثريون أن في هذا ما يشير إلى بحيرة أو نهر اعتقد المصريون أن الروح صادفته في رحلتها عبر "دوات" العالم الآخر.

في ورقة بحثية جديدة -نشرت في مجلة الآثار المصرية (JEA) التابعة لجمعية استكشاف مصر (EES) البريطانية - درس والتر كريست، عالم الآثار في جامعة ماستريخت الهولندية، رقعة لعبة "سينيت" بمتحف روزيكروشن، ويقول: "قد تكون من المرات الأولى التي يتم فيها عرض هذا الجانب من الرحلة عبر الحياة الآخرة بصريًا على رقعة اللعب".

رسم كريست رقعة اللعب ومقارنتها مع أشكال أخرى منها، واستخلص بعض الاستنتاجات فيما يتعلق بالتطور المبهم للعبة، حيث كتب في مقدمة بحثه بالعربية: "يتبع تصميم لوائح لعبة السينيت نمط ثابت على مدار الألفي عام من تاريخ اللعبة، هذا النمط يشتمل على قليل من التنوع ولكنه تنوع ملحوظ. قد يقدم لوح اللعبة المحفوظ بمتحف روزيكروشن بكاليفورنيا -الذي لم يتم نشره من قبل- قرائن جديدة على تطور لعبة السينيت خلال بداية عصر الدولة الحديثة. يحمل لوح اللعبة علامات مميزة لعصر التحامسة ولكن اتجاه العلامات يماثل طرز عصر الدولة الوسطى والأسرة السابعة عشر؛ مما قد يجعل هذا النموذج من اللعبة يمثل طرازا انتقاليا. من المحتمل أن يرجع هذا النموذج إلى بداية الأسرة الثامنة عشر قبل حكم الملكة حتشبسوت، وهي فترة زمنية لم يتم فيها تأريخ أي من الأمثلة الأخرى المكتشفة لهذه اللعبة".

العمر والحالة الأثرية لرقعة اللعبة التي تم نحتها لتشبه طاولة صغيرة في متحف روزيكروشن غير واضح، ربما تم شراءها من سوق الآثار في القرن التاسع عشر. إلا أن لديها تصميم عكسي استثنائي، حيث يوجد مربع البدء في الأسفل، في موضع عادة ما يكون فيه مربع النهاية.

ويقول كريست إنه بالنظر إلى هذا الأسلوب الفريد من نوعه في عصر المملكة الوسطى في مصر، والرموز الواقعة ما بين الدينية والعلمانية في المربعات من 26 إلى 29، فإنه يعتقد أن لوحة -رقعة- متحف روزيكروشن يبلغ عمرها نحو 3500 عام.

وفقًا للنصوص المصرية القديمة، فربما بدأت رقع لعب "السينيت" يغلب عليها الطابع الديني قبل نحو 400 عام على الأقل. يتناسب هذا التحول البطيء من العلمانية إلى الدينية مع ما هو معروف عن تطول الألعاب، والتي تميل إلى الركود لفترات طويلة، يعقبها نبضات مفاجئة من التغيير السريع ربما على مدى بضعة عقود، "وهذا على عكس ما نتوقعه لأنواع أخرى من التقنيات"، حسبما يقول عالم الآثار في جامعة كاليفورنيا، جيلمر إيركنز، لمجلة "ساينس"، فتصميمات أوعية الطهي تتطور بشكل تدريجي وثابت.

ووفق موقع "ancient-origins"، لا تكمن أهمية البحث الجديد فقط فيما يتعلق بتطور لعبة "السينيت"، فبالإضافة إلى هذا بإمكانه مساعدة الباحثين على فهم التغييرات الثقافية في مصر القديمة، وبالرغم من ذلك يجب إجراء المزيد من البحوث المقارنة لإثبات أن تلك الرقعة للعبة "سينيت" كانت مرحلة حاسمة في تطوير اللعبة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك