كتب زائفة تنتشر بصمت وتربك صورة النشر في العراق - بوابة الشروق
الأحد 14 ديسمبر 2025 2:48 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

كتب زائفة تنتشر بصمت وتربك صورة النشر في العراق

شيماء شناوي
نشر في: الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 7:26 م | آخر تحديث: الجمعة 12 ديسمبر 2025 - 7:26 م

نشر الباحث والكاتب صادق الطائي عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك سردًا مطولًا يكشف واحدة من أخطر فضائح النشر في العراق خلال السنوات الأخيرة، متحدثًا عن موجة من الكتب الوهمية التي تسللت إلى السوق الثقافية عبر دار نشر عراقية، وقدم دلائل نصية وفهرسية تظهر غياب المؤلفين والمترجمين وبيانات النشر والهوية القانونية عن عشرات الإصدارات المتداولة.

وقال الطائي: من يتأمل مشهد النشر العراقي خلال الأعوام الأخيرة سيصطدم بفضيحة لا تشبه أي خلل مهني معتاد، بل تتجاوز حدود الأخطاء الطباعية وسوء الترجمة إلى مستوى صادم من التضليل الثقافي المتعمد. فقد تسربت إلى السوق العراقية، عبر دار "ألكا" التي تديرها الأكاديمية د. فاطمة بدر، مجموعة كبيرة من الكتب التي روج لها شقيق مديرة الدار الروائي العراقي علي بدر على صفحته في الفيسبوك، وقد اتضح بعد فحصها النصي والفهرسي أنها مؤلفات وهمية بالكامل، تحمل أسماء مؤلفين غير موجودين، وتسند إلى مترجمين لا أثر لهم، وتعرض نصوصًا تبدو في غالبها مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي AI، ثم تطرح للقارئ بوصفها "مراجع موثوقة" أو "ترجمات لكتب أجنبية نادرة".

وأضاف الطائي: لقد أظهرت التحليلات المعتمدة على مراجعة كتب مثل "عاصفة ستالين؛ كيف قتل ستالين رفاقه"، "الحسن الصباح؛ قراءة جديدة في السيرة والتاريخ"، "الدولة الفاطمية من السر الى الدعوة"، "الإمبراطورية الصفوية: كيف غيرت الشرق الأوسط إلى الأبد"، "أبو العباس السفاح؛ شريعة الدم في التأسيس السياسي للدولة في الإسلام"، "هتلر والنساء"، "فضائح الأدباء الجنسية"، "فيلم إيمانويل 1974"، و"الصحفي النيويوركي"، أن القاسم المشترك بين هذه العناوين جميعًا هو غياب أي وجود حقيقي للمؤلفين الذين تُنسب إليهم.

وتابع موضحًا: أن أسماء مثل: أنا ريابوفا، ريكا هيغيدوش، ألان بادرسن، إيلي فون بادربن، شانون شميت، جوني روندن، باترك فرهالست، وإليزابيت شتاينر، لا نجد لها أي حضور في سجلات المؤلفين العالمية، ولا في قواعد بيانات الدوريات، ولا في أرشيف الجامعات، ولا حتى في الظهور البسيط الذي يتركه أي مؤلف هامشي في شبكة الإنترنت. وبعض الأسماء تبدو مصنوعة بطريقة بدائية، أو مكتوبة بتركيب لغوي لا يتناسب مع اللغات التي يُفترض أن أصحابها ينتمون إليها. وحتى حين يظهر اسم حقيقي مثل ديفيد برايس–جونز، فإنه يستغل لتمرير كتاب بعنوان لا علاقة له بمؤلفه الأصلي.

وبين الطائي أن الأمر ذاته ينطبق على المترجمين: فبعض الكتب جاءت خالية من اسم المترجم، أما الأسماء التي ظهرت على الأغلفة بصفات "دكتور" أو "باحث" مثل د. مجد مسعد، د. شيار حسن، جوزفين عاقل، أو غيرهم، فلا وجود لها في أي سجل للترجمة أو في الأوساط الأكاديمية أو المهنية. إنهم ببساطة مترجمون وهميون، لا تُعرف لهم سيرة ولا أعمال أخرى ولا حضور علمي. ويزداد الأمر وضوحًا حين نقرأ ما يفترض أنه "نص مترجَم"، فلا نجد أي أثر لروح الترجمة أو بنيتها أو خصوصيتها الأسلوبية، بل نصوصًا عامة ومسطّحة، مكتوبة بلغة إنشائية أقرب إلى إنتاج النماذج اللغوية الميكانيكية، خالية من الإحالات المرجعية والمصادر، ومليئة بالأخطاء المفهومية التي لا يمكن أن تصدر عن مترجم حقيقي يعمل على كتاب صادر أصلًا عن مؤلف حقيقي.

وأضاف أن مراجعة هذه الكتب تكشف أن النصوص لا تعود إلى أي مؤلف أجنبي، بل يُعاد إنتاجها عربيًا بطريقة تفتقر إلى المنهج، وتُبنى على معلومات مختلقة أو مجتزأة أو بلا سياق. ففي كتاب "عاصفة ستالين" مثلًا، نجد سردًا مشوشًا لا يشبه الأدبيات التاريخية الروسية أو الغربية. وفي "الحسن الصباح" و"الدولة الفاطمية" و"الإمبراطورية الصفوية"، نجد استرسالًا في معلومات غير موثقة لا يمكن إسنادها لأي مرجع أكاديمي.

أما "فيلم إيمانويل 1974" فمكتوب بنبرة عربية لا تمت بصلة لكتابات النقد السينمائي في أوروبا. والكتاب الخاص بالصحافة "الصحفي النيويوركي" يسقط سقوطًا فاضحًا حين يخلط بين مؤلفه المفترض هاملتون هولت وبين تشارلز ديكنز، الذي وُضع اسمه باللغة الإنجليزية على الغلاف خطأً مع عنوان روايته الشهيرة "الأزمنة الصعبة"، في واحدة من أكثر علامات التزوير وضوحًا وسذاجة.

وتابع كاشفًا مستويات التزوير داخل عملية النشر نفسها: ولا تتوقف الفضيحة عند مستوى النص والمؤلف والمترجم، بل تمتد إلى تفاصيل النشر. فجميع الكتب تحمل أرقام ISBN غير مسجلة في قواعد البيانات الدولية، ما يعني أن هذه الأرقام مصطنعة، وأن الكتب بلا هوية قانونية. كذلك لا يوجد أي أثر لجهة أجنبية يُفترض أن الكتب مترجمة عنها، ولا عنوان أو تاريخ إصدار أو دار نشر أجنبية أصلية. وما يزيد الشبهة هو استعمال شعار مكرر على الأغلفة باسم “TIVOLI” أو “قصص ترفولي”، وهي تسمية تعود لدار نشر معروفة في بلجيكا، لكن عند البحث في إصداراتها لن نجد كل هذه العناوين ضمن مطبوعاتها. ويبدو أن وضع اسم دار نشر فعلية هو مجرد واجهة اسمية تُضاف للأغلفة لإعطاء إيحاء بأن الكتاب مترجَم عن مصدر أوروبي.

وأردف موضحًا: أن هذا النمط من الاختلاق – مؤلف غير موجود، ورقم دولي غير موجود – يطابق ممارسات التزوير البسيط التي تهدف إلى خداع القارئ عبر الإيحاء بالعالمية.

ثم استدرك محذرًا من خطورة ما يجري: المحصلة أن ما جرى لا يمكن اعتباره خطأ أو تجاوزًا، بل تزييفًا حقيقيًا للمعرفة. فهذه الكتب لا تضلل القارئ فحسب، بل تُفسد البيئة الثقافية، وتشوّه صورة الترجمة والبحث، وتقدم مواد مضللة قد يعتمدها الطلاب والباحثون غير المدققين في دراساتهم على أنها كتب أكاديمية.

وأوضح أن الأمر تجاوز حدود السوق ووصل إلى المؤسسات الرسمية: والأخطر أن هذه الإصدارات وصلت إلى رفوف معرض العراق للكتاب، وهو فعالية يفترض بها أن تكون الأكثر حرصًا على جودة الدور المشاركة. إن مجرد عرض هذه الكتب في مهرجان رسمي يثير أسئلة كثيرة حول آليات الرقابة، ومسؤولية اتحاد الناشرين العراقيين، ووزارة الثقافة، وإدارة المهرجان: كيف مُنحت هذه الدار منصة عرض واسعة بينما كتبها تفتقر لأبسط مقومات الشرعية المهنية؟ ومن يتحمل مسؤولية إدخال هذا الكم من الخداع البصري–المعرفي إلى فضاء ثقافي يمثل العراق أمام العالم؟

واختتم الطائي بدعوة صريحة: إن حماية المجال الثقافي ليست ترفًا ولا سجالًا، بل شأن عام يمس جوهر وعي المجتمع. وما جرى يستدعي فتح تحقيق رسمي شفاف، ومراجعة إجراءات القبول في المعارض، ومساءلة القائمين على النشر في هذه الدار، حفاظًا على مصداقية صناعة الكتاب ومنع تحولها إلى مساحة للمنتجات المزيفة. فالثقافة العراقية التي واجهت الحرب والحصار والرقابة، لا تستحق أن تنهار اليوم تحت وطأة كتب مصنوعة على عجل، بأسماء مستعارة ونصوص مقلّدة، تُمرّر على أنها “معرفة” بينما هي، في الحقيقة، مجرد وهم منسّق بخط جميل وغلاف جذاب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك