_ فوز كراسناهوركاي بجائزة نوبل أسعدني لأنه يستحق هذا التكريم بجدارة
_ يتميز كراسناهوركاي بجمله الطويلة المتداخلة التي تمزج بين التشاؤم والسخرية بفلسفة عميقة
_ أنصح القارئ برواية كآبة المقاومة للدخول إلى عالم كراسناهوركاي
_ تعرفت إلى كراسناهوركاي عبر دار التنوير عام 2015
_ الترجمة ليست كلمة بل نقل روح النص كاملة، وهذا يتطلب جرأة ومرونة في الاختيار
_ تفاعل القارئ العربي مع كراسناهوركاي لم يكن كبيرًا، لكني آمل أن يتحسن بعد جائزة نوبل
_ نقل الكتابات العربية إلى اللغات الأخرى لا يزال متواضعًا جدًا حتى الآن
_ لدينا مترجمون عرب ممتازون، والمشكلة ليست فيهم بل في سوق النشر الذي لا يتيح الفرص الكافية
_ أتمنى ترجمة الجزأين المتبقيين من سداسية كفاحي وأعمال أخرى لكراسناهوركاي وسول بيلو وديفيد بارك
_ ترجمت في الآونة الأخيرة كتابًا للكاتب الإيرلندي ديفيد بارك بعنوان ارتحال في أرض غريبة، وآمل أن يكون فاتحة لتشجيع الناشرين على ترجمة أعمال أخرى له
أعلنت الأكاديمية السويدية في ستوكهولم صباح الخميس الماضي عن فوز الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل في الأدب لعام 2025.
ويشهد الوسط الثقافي العربي كل عام حالة من الترقب لاسم الأديب الذي ستعلنه الأكاديمية، لتتجه الأنظار فورًا إلى رفوف المكتبات بحثًا عن الأعمال المترجمة، وسرعان ما يتحول المترجم إلى البطل الحقيقي في المشهد الأدبي.
وفي هذا العام، حين بحث القراء عن أعمال كراسناهوركاي، وجدوا روايتين مترجمتين إلى العربية هما كآبة المقاومة وتانجو الخراب، بتوقيع المترجم الشهير الحارث النبهان.
الحارث النبهان، مترجم سوري يعيش في بلغاريا، بدأ رحلته في الترجمة منذ عام 1991، ويعد أحد أبرز الأسماء في عالم الترجمة، إذ اقترن اسمه بترجمة أشهر الأعمال الأدبية لمجموعة كبيرة من الأدباء، ليصبح حلقة الوصل بين هؤلاء الأدباء والقارئ العربي.
ومن أهم هؤلاء الكتاب ديفيد إبستين، كاملة شمسي، لوري غوتليب، آلان دو بوتون، مارك مانسون، إيزابيلا حماد، باولا هوكينز، دونا تارت، وكامالا هاريس.
في حواره مع الشروق، يتحدث النبهان عن علاقته بكراسناهوركاي وأسرار الترجمة الدقيقة، مؤكدًا أن «الجوائز ليست كل شيء»، فكم من كُتّابٍ عباقرة لم ينالوا التقدير الذي يستحقونه. كما يفتح النقاش حول واقع الترجمة العربية اليوم، متمنيًا أن تكون نوبل هذا العام دافعًا لتوسيع آفاق القراءة والترجمة في العالم العربي.
وإلى نص الحوار:
- هل توقعت فوز الكاتب لاسلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل في الأدب؟
المسألة ليست مسألة توقع أو عدم توقع، فأنا لا أعلم الكثير عن كيفية اختيار الفائز بجائزة نوبل للآداب أو عن معاييرها، لكن فوز كراسناهوركاي أسعدني لأنني معجب بكتابته وبأسلوبه الخاص جدًا. خلاصة القول، إنني أراه مستحقًا هذا التكريم.
- ما أبرز السمات التي تميز أسلوب الكاتب؟
تلك الجمل الطويلة المتداخلة، الواضحة بمزيج فريد من التشاؤم والسوداوية وروح السخرية الفلسفية العميقة.
- يعرف كراسناهوركاي بأنه صاحب أسلوب تجريبي، فماذا يعني مصطلح "كاتب تجريبي"؟
هو الكاتب الذي يستطلع أسلوبًا أو نهجًا جديدًا في الكتابة لم يسبقه أحد إليه، فيكون عمله "تجربة" جديدة في ميدانها.
- كيف تعرفت إلى أعماله، وما الدوافع التي جعلتك تختار ترجمة روايتين من أبرز ما كتب؟
الفضل في اطلاعي على كراسناهوركاي عائد إلى دار التنوير، ففي عام 2015 طرح علي الأستاذ حسن ياغي أن أترجم رواية تانجو الخراب التي كان عنوانها الأصلي تانجو الشيطان، وأرسلها إلي فأعجبتني كثيرًا رغم صعوبتها وغرابة أسلوبها، وقررت أن أخوض هذه التجربة، وتمت ترجمة الرواية ثم صدرت بعد بضعة شهور.
وعندما وصلتني وقرأتها من جديد، ازددت اقتناعًا بصحة القرار وبحسن اختيار دار التنوير. وبعد فترة، طرحت الدار علي من جديد ترجمة رواية كآبة المقاومة، فوجدت أنها تفوق تانجو الشيطان جمالًا وقوة، ولم أتردد في الموافقة، بل كنت أشد حماسة لترجمتها.
- وما أوجه الاختلاف بين روايتي تانجو الشيطان وكآبة المقاومة؟
رواية تانجو الخراب أبطأ إيقاعًا وأشد ثقلًا من رواية كآبة المقاومة. ويمكن مقارنة اختلافاتهما باختلاف روايتي خريف البطريرك ومئة عام من العزلة؛ فالأولى أبطأ وأصعب قراءة من الثانية. ومن هنا أنصح الراغب بقراءة كراسناهوركاي أن يبدأ بـكآبة المقاومة لأنها أسهل، لتكون مدخلًا إلى عالم هذا الكاتب العميق والثري.
- ما الذي يميز الأدب المجري عن غيره من الآداب التي تترجمها إلى العربية؟ وما أبرز ما ترغب في أن يصل منه إلى القارئ العربي؟
الحقيقة أنني غير مطلع كثيرًا على الأدب المجري، ولا أظنني قادرًا على مقارنته بغيره، هذا فضلًا عن أنني مترجم ولست دارسًا للأدب المقارن ولا ناقدًا أدبيًا.
- هل تترجم عن اللغة الأصلية مباشرة أم تعتمد على لغة وسيطة؟
أترجم من الإنجليزية إلى العربية فقط، وبالتالي ترجمت كراسناهوركاي استنادًا إلى النص الإنجليزي. وقد كان القسم الأكبر من ترجماتي التي تجاوزت الآن ثمانين عنوانًا كتبًا لمؤلفين ناطقين بالإنجليزية، أي أنني ترجمتها من لغتها الأصلية. لكن ثمة عدد من الأعمال التي نقلتها إلى العربية انطلاقًا من ترجماتها إلى الإنجليزية، ومن أهمها كتابات كراسناهوركاي والكاتب النرويجي العظيم كارل أوفه كناوسغارد.
- ما أبرز الصعوبات التي تواجهك أثناء الترجمة، خاصة عند اختيار المقابل العربي الأنسب من بين المفردات الكثيرة المتاحة؟
الترجمة ليست ترجمة "الكلمة"، بل هي ترجمة النص بحيث ينجح المترجم في نقل روح الجملة والفقرة والعمل كله. وهذا لا بد له من الجرأة على "الكلمة" في حد ذاتها، ومن المرونة الكبيرة في المناورة بين البدائل الكثيرة.
- كيف كان تفاعل القارئ العربي مع أعمال كراسناهوركاي عند صدورها؟
لم يكن تفاعلًا كبيرًا، لكني آمل أن يزداد ويتحسن بعد جائزة نوبل، وآمل أن تُترجم له أعمال أخرى.
- بعد تتويجه بجائزة نوبل، هل هناك خطة لترجمة المزيد من أعمال لاسلو كراسناهوركاي الأدبية؟
هذا الأمر ليس متعلقًا بي، بل بالناشرين. ومن ناحيتي، أتمنى أن تسنح لي فرصة ترجمة مزيد من أعمال هذا الكاتب المهم.
- لقد قمت بترجمة رواية مغامرات أوجي ماتش لسول بيلو، وهو حاصل على نوبل، فهل هناك كاتب كنت تتمنى أن يحصل على نوبل ممن ترشحوا في السابق أو في السنوات القادمة؟
بصرف النظر عمّن كانوا مرشحين في السابق، أتمنى أن يحظى بهذا التكريم الكبير الكاتب النرويجي كارل أوفه كناوسغارد صاحب سداسية كفاحي، التي صدرت أجزاؤها الأربعة الأولى عن دار التنوير بترجمتي.
- في رأيك، هل يقوم المترجم بالدور والجهد المطلوب لنقل أكبر كم من الثقافات العالمية إلى القارئ العربي؟ وهل يحدث العكس في نقل النصوص العربية إلى لغات أخرى؟
لا أعلم المقصود بتعبير "الجهد المطلوب"، لكن الأمر كله متعلق بالناشرين، لا بالمترجمين. ينبغي بالطبع نقل أكبر كمية ممكنة من المعارف والآداب في العالم كله إلى لغتنا، فنحن لا نزال مقصرين كثيرًا، ولدينا كثير من المترجمين الجيدين الذين لن يتقاعسوا أبدًا عن ذلك إن سمحت به سوق النشر في العالم العربي. وأما نقل الكتابات العربية إلى اللغات الأخرى، فلا يزال متواضعًا جدًا حتى الآن.
- هل الجوائز العالمية تشجع المترجمين والناشرين على ترجمة المزيد من النصوص العالمية المنتمية إلى ثقافات مختلفة؟ أم أن لها فائدة أخرى أبعد من ذلك في نظرك؟
بكل تأكيد، تلعب الجوائز دورًا مهمًا من حيث تشجيع الناشرين على تبني مشاريع الترجمة، فضلًا عن أنها تساعد في توجيه اهتمام الناشر والقارئ إلى الكتاب المتميزين على امتداد العالم كله. لكن الجوائز ليست كل شيء، فما أكثر الكتاب العباقرة الذين لم ينالوا جوائز ترفعهم إلى مصاف الشهرة العالمية. لقد ترجمت في الآونة الأخيرة كتابًا رائعًا لأحد هؤلاء الكتاب، وهو الإيرلندي ديفيد بارك، عنوانه ارتحال في أرض غريبة عن دار سدرة، وآمل أن يكون فاتحة لتشجيع الناشرين على ترجمة أعمال أخرى له.
- ما النص أو الكاتب الذي تود أن تقوم بترجمة أعماله مستقبلًا؟
أتمنى أن أستطيع ترجمة الجزأين المتبقيين من سداسية كفاحي لكناوسغارد. وأتمنى أيضًا ترجمة مزيد من أعمال كراسناهوركاي وديفيد بارك وسول بيلو وفيليب روث وسينكلير لويس.