في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، والأزمات الإنسانية، والكوارث الطبيعية، باتت متابعة الأخبار جزءًا من الروتين اليومي للملايين حول العالم. ومع هذا التدفق المستمر للمعلومات عبر الشاشات والمنصات الرقمية، أصبحت الأخبار، وخصوصًا السلبية منها، مصدرًا لا يُستهان به للتوتر والقلق.
لم تعد المشكلة في الحدث نفسه فقط، بل في طريقة استقباله وتكرار التعرض له. فكيف يمكن للناس أن يكونوا على دراية بما يحدث دون أن يتعرضوا للاستنزاف النفسي؟ وهل يمكن تحقيق التوازن بين الوعي والانضباط الذاتي؟ هذا ما يحاول التقرير التالي الإجابة عليه.
الأثر النفسي لمتابعة الأخبار: عندما يتحول الاطلاع إلى استنزاف
أفاد عدد من المختصين في الصحة النفسية أن متابعة الأخبار بشكل مفرط، خاصة تلك التي تتعلق بالحروب أو الكوارث أو الأزمات الإنسانية، قد تؤدي إلى حالات من:
القلق المزمن
اضطرابات النوم
الإرهاق العاطفي
الانفصال العاطفي
الشعور بالعجز أو عدم الأمان
كما أن بعض المنصات المتخصصة في الصحة النفسية مثل Psychology Today تشير إلى وجود علاقة بين المتابعة المكثفة للأخبار الكارثية وزيادة احتمالات الإصابة بأعراض اكتئابية أو أعراض تشبه اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، حتى دون أن يكون الشخص نفسه متورطًا في الحدث أو يعيش في المنطقة المتأثرة.
دور وسائل التواصل الاجتماعي: المعلومة بلا فلتر
في السابق، كان الناس يتابعون الأخبار عبر التلفاز أو الصحف في أوقات محددة من اليوم. أما اليوم، فأنت تعيش مع الأخبار حتى عند تناولك للطعام.
وسائل التواصل الاجتماعي جعلت المعلومة آنية، متكررة، وغالبًا دون سياق واضح أو معالجة صحفية دقيقة. كما أن الصور المفزعة، مقاطع الفيديو الصادمة، التعليقات المتطرفة، والشائعات المتداولة، كلها تزيد من العبء النفسي.
وفي حالات كثيرة، لا يدرك المتلقي أنه يتأثر نفسيًا إلا بعد فترة، عندما تظهر عليه أعراض مثل القلق المفاجئ، سرعة الانفعال، أو العزلة.
"إجهاد الأخبار": ظاهرة تزداد عالميًا
تشهد الأوساط النفسية والإعلامية تزايدًا في الحديث عن ظاهرة تعرف بـ"إجهاد الأخبار" (News Fatigue)، وهي حالة نفسية تنشأ نتيجة التعرض المكثف والمتواصل للمحتوى الإخباري، خاصة السلبي أو الصادم منه. وتتمثل أبرز أعراضها في الشعور بالتعب الذهني، والانزعاج العاطفي، وصولًا إلى فقدان التفاعل التدريجي مع الأحداث، أو اتخاذ موقف تجنبي تجاه متابعة الأخبار، كنوع من الحماية الذاتية من الضغط النفسي المستمر.
ويشير تقرير نشره معهد رويترز لدراسة الصحافة في فبراير الماضي، إلى أن هناك نسبة متزايدة من الناس بدأت تبتعد عمدًا عن الأخبار بسبب تأثيرها السلبي على الحالة النفسية، خاصة منذ جائحة كورونا، ومع تكرار أزمات مثل الحروب والصراعات الإقليمية.
كيف توازن بين المتابعة والراحة النفسية؟ نصائح عملية من خبراء
بحسب منظمة الصحة العالمية وموقع مايو كلينك الطبي، يمكن للأفراد حماية أنفسهم من تأثير الأخبار دون الانقطاع التام عنها، من خلال بعض الخطوات البسيطة:
تحديد وقت محدد لمتابعة الأخبار
لا تتابع الأخبار كل ساعة، بل خصص أوقاتًا ثابتة في اليوم، ويفضل أن لا تكون قبل النوم مباشرة. الاكتفاء بنشرتين أو ثلاث في اليوم غالبًا يكفي.
اختر مصادر موثوقة فقط
تجنب الأخبار العشوائية على منصات التواصل، وركز على المنصات المعروفة التي تنقل الخبر بدقة، وتوفر تحليلًا يضع الأمور في سياقها.
كتم المحتوى المزعج أو المكرر
على فيسبوك أو إنستغرام أو X (تويتر سابقًا)، يمكنك كتم كلمات مفتاحية أو حسابات تبالغ في نشر الصور العنيفة أو الشائعات.
مارس هوايات مضادة للتوتر
كل ساعة تقضيها في الأخبار، عادلها بساعة في نشاط مريح: رياضة خفيفة، كتابة، رسم، أو حتى مشاهدة محتوى إيجابي.
تحدث عما يزعجك
كبت القلق يزيد من تأثيره. إذا شعرت بالتأثر من خبر معين، تحدث مع صديق، أو اكتب عنه، أو شارك مخاوفك مع مختص.
اعرف الفرق بين الاهتمام والاحتراق
اهتمامك بالشأن العام لا يعني استنزاف نفسك. الوعي لا يقاس بالألم، بل بفهم الواقع دون أن تدمر ذاتك. لست مضطرًا لحمل أوجاع العالم وحدك. يمكنك أن تتابع وتتعاطف وتساهم من موقعك، دون أن تضحي بصحتك النفسية.