تمكن الاحتلال الإسرائيلي من اختراق أجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمها أفراد من الوحدات الأمنية والمقاتلة في صفوف حزب الله اللبناني، ما أسفر عن انفجار في الأجهزة أودى بحياة عدد من الأشخاص، فضلاً عن عدد هائل من المصابين تجاوز 1000 شخص، وفقًا لوكالة رويترز.
قال حزب الله في بيان: «بعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة حول الاعتداء الآثم الذي جرى بعد ظهر هذا اليوم، فإننا نحمّل العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي والذي طال المدنيين أيضًا وأدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء وإصابة عدد كبير بجراح مختلفة». وأكد البيان: "الشهداء والجرحى هم عنوان جهاد الحزب وتضحياته على طريق القدس"، معقبا: "انتصارًا لأهلنا الشرفاء في قطاع غزة والضفة الغربية وإسنادًا ميدانيًا متواصلًا، وسيبقى موقفنا هذا بالنصرة والدعم والتأييد للمقاومة الفلسطينية الباسلة محل اعتزازنا وافتخارنا في الدنيا والآخرة".
وتفتح عملية الاختراق الإسرائيلية باب التساؤلات حول مدى التقدم التكنولوجي للاحتلال وتوظيفه في العمليات العسكرية. لقد لعبت اتفاقيات السلام دورًا مهمًا في تسريع نمو صناعة التقنية العالية في إسرائيل. فمع اعتراف العديد من الدول بإسرائيل بعد توقيع اتفاقية أوسلو، تم فتح أسواق جديدة واسعة أمام الشركات الإسرائيلية، خاصة في دول مثل الصين والهند. ومع ذلك، فإن هذا النمو لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة لتضافر مجموعة من العوامل، منها التغيرات الجذرية في المشهد الاقتصادي العالمي مع انهيار الاتحاد السوفيتي ونمو العولمة، وكذلك التطورات الداخلية في إسرائيل مثل الاستثمار المكثف في التعليم والبحث العلمي، وفقًا لكتاب "الاقتصاد السياسي لصناعة التقنية العالية في إسرائيل".
الوحدة 8200.. ذراع إسرائيل التقني وعمليات التجسس
وفي سياق الحديث عن التقدم التقني وتوظيفه داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، يأتي ذكر الوحدة 8200 والتي تعد من أكبر الوحدات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتأخذ على عاتقها مهمة جمع المعلومات الرئيسية، إضافة إلى تطوير أدوات جمع المعلومات وتحديثها باستمرار، مع تحليل البيانات ومعالجتها، وإيصال المعلومات للجهات المختصة، وكثيرًا ما تشارك هذه الوحدة وتمارس عملها من داخل مناطق القتال.
وتعتمد الوحدة على التطور التقني والبعد السيبراني بهدف تحقيق تفوق استخباراتي على جميع مستويات نظام الأمن الإسرائيلي بما فيها الحربي والسياسي. وفي عام 2006، خلال حرب يوليو في لبنان، أسهمت الوحدة في جمع معلومات عن كبار الشخصيات وقادة المقاومة في حزب الله.
وفي عام 2010، أشارت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية إلى أن الوحدة 8200 تدير قاعدة عسكرية كبيرة في صحراء النقب، تُسمى قاعدة أوريم، وتقع على بعد 30 كيلومترًا من بئر السبع. وتعد من أكبر القواعد المخصصة للتنصت في العالم، كما أشارت الصحيفة إلى أن هذه القاعدة قادرة على مراقبة كافة وسائل التواصل بما فيها المكالمات والبريد الإلكتروني وغيرها، في دول الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأفريقيا.
الذكاء الاصطناعي والروبوت.. آلة إسرائيل في مجازرها الوحشية
يعد الجيش الإسرائيلي رائدًا في استخدام الطائرات الرباعية المروحية التي يتم التحكم فيها عن بُعد والمجهزة بمدافع رشاشة وصواريخ لمراقبة وإرهاب وقتل المدنيين الذين يحتمون في الخيام والمدارس والمستشفيات والمناطق السكنية.
أفاد سكان مخيم النصيرات للاجئين في غزة أن بعض الطائرات بدون طيار تبث أصوات بكاء الأطفال والنساء، من أجل إغراء الفلسطينيين واستهدافهم.
ونشرت إسرائيل "طائرات بدون طيار انتحارية" و"قناصة روبوتيين" آليين وأبراجًا تعمل بالذكاء الاصطناعي لإنشاء "مناطق قتل آلية" على طول حدود غزة، بينما في عام 2021، نشرت أيضًا روبوتًا عسكريًا شبه مستقل يُدعى "جاكوار"، تم الترويج له باعتباره "أحد أوائل الروبوتات العسكرية في العالم التي يمكنها أن تحل محل الجنود"، وفقًا لمقال أكاديمي نشره موقع منظمة "أكسس ناو" الدولية.
برامج للبحث عن الرهائن
وفي ظل فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحرير إلا عدد محدود من الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة، قالت إذاعة مونت كارلو الدولية إن استخبارات الاحتلال الإسرائيلي تنشر برنامجًا موسعًا للتعرف على الوجه في غزة، لم يتم الكشف عنه مسبقًا، يتم باستخدام الجهد الموسع والتجريبي لإجراء مراقبة جماعية هناك، وجمع وفهرسة وجوه الفلسطينيين دون علمهم أو موافقتهم، بهدف إدراجهم على قوائم المطلوبين لإسرائيل.
يعتمد البرنامج، الذي تديره وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ووحدة قسم الاستخبارات الإلكترونية، على تكنولوجيا أطلقتها شركة كورسايت الإسرائيلية، كما يستخدم الصور التي ينشرها جوجل، بهدف إجراء مراقبة جماعية للفلسطينيين في غزة. وتمكن هذه التقنيات إسرائيل من التقاط الوجوه من بين الحشود ولقطات الطائرات بدون طيار، وفقًا لمسؤولين عسكريين وضباط في المخابرات الإسرائيلية.
وأفاد ضباط مخابرات إسرائيليون أن مراقبة حماس في غزة تتم من خلال التنصت على خطوط الهاتف واختراق أنظمة الاتصالات، واستجواب السجناء الفلسطينيين، وجمع لقطات الطائرات بدون طيار، إضافةً إلى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة. ووفقًا لتقرير أصدرته منظمة العفو الدولية، فإن إسرائيل قد استخدمت في السابق تقنية التعرف على الوجه في الضفة الغربية والقدس الشرقية، من خلال نظام محلي يعرف بـ "بلو وولف" حيث يتم فحص الفلسطينيين بواسطة كاميرات عالية الدقة قبل السماح لهم بالمرور.
حسبورا.. مصنع الاغتيالات الجماعية
ويعد نظام "حسبورا" أحدث التقنيات التي دخلت حيز الاستخدام الكامل من طرف الإسرائيليين في حرب غزة. ونظام "حسبورا"، وهو أحدث التقنيات التي طوّرتها الوحدة 8200 في جيش الاحتلال، يعتمد على الذكاء الصناعي، وتتمثل وظيفته في معالجة كميات هائلة من البيانات وترجمتها إلى أهداف ليتم التعامل معها -بحسب المصطلح الإسرائيلي- عبر الوحدات الميدانية.
ووصف ضابط سابق نظام الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي بـ "مصنع الاغتيالات الجماعية" أي أنه "مصنع يقوم بتنفيذ اغتيالات جماعية" حيث يتم التركيز حسب تعبيره، على الكمية عوضًا عن الجودة.
وسلطت "مجلة 972+" الضوء على شهادات فلسطينيين منذ عملية طوفان الأقصى، والتي تؤكد أن الجيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف عشرات المباني والمساكن الخاصة التي لم يكن يقيم فيها أي أعضاء معروفين أو واضحين على صلة بـ "حماس"، أو فصائل مقاومة أخرى.
وأكدت أن هذه الضربات قد تؤدي إلى قتل متعمد لعائلات بأكملها، متسائلة "هل يمكن الوثوق بنظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي لاختيار الأهداف التي يجب ضربها". وأشار أحد الخبراء إلى أن الخوارزميات لا توضح كيفية وصول النظام إلى استنتاجاته، وهذا يجعل من الصعب التحقق من صحة نتيجة الضربة. وتستعد إسرائيل، التي استخدمت لسنوات عدة التكنولوجيا الذكية لتعزيز قدراتها، لعرض نظام "حسبورا" للبيع عالميًا.
السفير الإيراني بين المصابين
وأفادت وكالة أنباء فارس الإيرانية، بأن السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني أصيب جراء انفجار أجهزة الاتصالات في لبنان.
ما هي أجهزة بيجر؟
أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن "جهاز المناداة" أو "بيجر" أو "النداء الآلي" هو عبارة عن جهاز إلكتروني صغير يسهل حمله ويستخدم لاستقبال الرسائل القصيرة أو رقم الشخص الذي يحاول الاتصال بالجهاز.
وقال مسؤول في حزب الله إن الانفجارات كانت نتيجة "عملية أمنية استهدفت الأجهزة"، في إشارة إلى أجهزة الاتصالات المحمولة "بيجر" التي تستخدمها الجماعة. واتهم المسؤول إسرائيل بالضلوع في الأمر، قائلاً: "العدو (إسرائيل) يقف خلف هذا الحادث الأمني"، مشيرًا إلى أن أجهزة "بيجر" الحديثة التي كان أفراد حزب الله يحملونها كان بها بطاريات ليثيوم التي انفجرت على ما يبدو. وبحسب الوكالة الأمريكية، يمكن لبطاريات الليثيوم – عند ارتفاع درجة حرارتها – أن تخرج أدخنة وتتعرض للذوبان وحتى اشتعال النيران. وتستخدم بطاريات الليثيوم القابلة لإعادة الشحن في المنتجات الاستهلاكية مثل الهواتف المحمولة والحواسيب المحمولة وحتى السيارات الكهربائية.
كما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر مطلعة قولها إن أجهزة الاتصال المستهدفة في لبنان كانت ضمن شحنة جديدة تلقاها حزب الله مؤخرًا. في المقابل، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من الوزراء عدم إجراء مقابلات أو التعليق على انفجار أجهزة الاتصال في لبنان.