بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة، والتي تسببت في نزوح نحو مليون ونصف مواطن من شمال القطاع لجنوبه، تعمل إسرائيل أيضا على تهجير سكان مناطق الضفة الغربية عبر حماية المستوطنين اليهود لتسهيل استيلاءهم على الأراضي الفلسطينية.
وبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، فإن قرية خربة زنوتا شرق بلدة الظاهرية جنوب محافظة الخليل الفلسطينية، تواجه خطر التهجير واعتداءات المستوطنين.
وقالت منظمة "بتسيلم" الحقوقية الإسرائيلية المعارضة، والتي تقوم بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة: "إن عنف المستوطنين هو أداة غير رسمية رئيسية تستخدمها إسرائيل للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. إسرائيل تستغل تركيز الاهتمام الجماهيري نحو غزة وتكثف من جهودها نحو تهجير سكان الضفة الغربية".
وبحسب شبكة (PBS) الأمريكية العامة، فمع احتدام الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة، يحاول فلسطينيو الضفة الغربية إنقاذ منازلهم من اعتداءات المتطرفين الإسرائيليين، دون جدوى ما أجبرهم على الفرار.
ووفقا لتقرير مصور للشبكة، فوسط تنهدات حزينة وألم اليأس، يحزم بدو قرية خربة زنوتا الفلسطينيون أمتعتهم ويغادرون القرية التي كانت موطنهم لأجيال عديدة. ولطالما قام الإسرائيليون من المستوطنات المجاورة بمضايقة القرويين في هذه المنطقة، لإجبارهم على الخروج، ولكن منذ السابع من أكتوبر، أصبح الضغط لا يطاق.
وتقول بتسيلم في تقرير لها، إن إسرائيل، ومنذ بدء الحرب في غزة، كثّفت من مساعيها الرامية إلى تهجير سكان تجمعات الرعاة الفلسطينيين في تلال جنوب الخليل، حيث يتعرض السكان هناك لعنف يومي استثنائيّ في مدى حدّته وكثافته، من قبل المستوطنين الذين يعملون بدعم الدولة وبرعاية الجيش والشرطة. هذه الممارسات يتم تنفيذها بشكل متواصل، ليلًا ونهارًا، إذ يقتحم المستوطنون المسلحون منازل السكان ويهاجمونهم، ويقلبون أغراضهم ويبعثرونها ويأخذون هواتفهم لمنعهم من توثيق الاعتداءات. بل إن المستوطنين في بعض الحالات، كما في قرية خربة سوسيا، هددوا السكان بالقتل إذا لم يرحلوا خلال وقت قصير.
وبحسب تقرير الشبكة، تقول سناء مخرزة من سكان خربة زنوتا: "يأتي المستوطنون إلينا، كل يوم، ليلًا ونهارًا، يطلقون النار علينا، الأطفال مرعوبون ولا يستطيعون النوم ولا نحن أيضًا، وعندما يعوي الكلب نعلم أن المستوطنين قد عادوا مرة أخرى، لقد دمروا أرواحنا ولا نستطيع أن نعيش أو نأكل، حتى المدرسة مغلقة، هذه ليست حياة، حاولنا النجاة لكننا لا نستطيع، بعد تهجير قريتنا سوف يهجرون بقية هذه القرى.
كما تشير بتسيلم إلى قيام المستوطنين بتخريب أنظمة الكهرباء الشمسية وخزانات المياه، وحرق المباني وسرقة الماشية. وبحسب تقرير الشبكة فقد فر أكثر من نصف سكان القرية البالغ عددهم 300 نسمة، كانت عائلة سناء من بين أخر العائلات المغادرة، بالرغم من عدم وجود مكان يذهبون إليه، لكنهم استسلموا من اليأس. وقد حاول شيوخ القرية طلب المساعدة من قوات الأمن الإسرائيلية، لكن تم طردهم، وهم يعلمون أنهم إذا قاوموا، سيتم القبض عليهم أو حتى إطلاق النار عليهم.
يقول آسر شافي غزال أحد شيوخ القرية: في غزة يموت الناس بسبب القصف، ونحن هنا نموت كل يوم، كل يوم. كل يوم نموت.
وفي الوقت الذي يسحب فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي، أعدادا كبيرة من جنوده بعيدا عن الضفة الغربية للقتال في قطاع غزة، يتدخل المستوطنون لملء هذا الفراغ، بدعم من الدولة الإسرائيلية، وفقا لـ بي بي إس.
ومنذ سنوات عديدة تسعى إسرائيل إلى الاستيلاء على هذه المنطقة وتهجير سكانها الفلسطينيين منها، من خلال جعل حياتهم لا تُطاق إلى درجة الرحيل عن منازلهم وأراضيهم، ليبدو وكأنّ الأمر باختيارهم الحرّ، وفقا لبتسيلم، التي ترى أن هذه الاستراتيجية تُنفذ وفق مستويين، مستوى رسمي يشمل فرض قيود مشددة على البناء وتطوير البنى التحتية؛ والثاني، غير رسمي يشمل أعمال عنف منهجية ومتواصلة من قبل المستوطنين ضد السكان الفلسطينيين، كطرد الرعاة البدو ومنعهم من الوصول إلى مصادر المياه وتقليص مناطق الرعي المتاحة لهم.
وفي مايو 2022، قررت المحكمة العليا الإسرائيلية أن إسرائيل لديها صلاحية إعلان جزء كبير من منطقة تلال جنوب الخليل كـ "منطقة إطلاق نار"، وتهجير نحو ألف من السكان الفلسطينيين الذين يسكنون فيها منذ أجيال، وفقا لبتسليم جاء صدور هذا القرار بعد 22 سنة من تقديم الالتماس الأول بهذا الشأن، وهي السنوات التي جمّدت إسرائيل خلالها حياة السكان ومنعتهم من أية إمكانية لبناء منازل للسكن أو مبانٍ عامة أو مدّ شبكات مياه، أو كهرباء وطرقات.
وتلفت الشبكة النظر إلى أن أي أمل في حل الدولتين يعتمد على أن تصبح الأراضي في الضفة الغربية دولة فلسطينية، ومع تفكك المزيد والمزيد من المجتمعات الفلسطينية، واستبدالها بالمدن الإسرائيلية، فإن هذا الطريق المحتمل للسلام يكون مغلقاً.
وتقول ساريت ميخائيلي، من منظمة بتسيلم: "الضفة الغربية منطقة خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وهذا يعني أن إسرائيل ملزمة بحماية حقوق الفلسطينيين فيها، لكن ما تفعله إسرائيل هو العكس تماما. فكثيرا ما يعمل الجنود والشرطة بشكل فعلي على التهجير القسري للسكان، هذه جريمة حرب؛ الجنود غالبا ما يرافقون المستوطنين ويحرسونهم خلال اعتداءاتهم، وعندما تقف قوات الأمن الإسرائيلية والجيش والشرطة بجانب أعمال التهجير القسري هذه وتدعمها، فإن الأمر هنا لا يقتصر على تصرفات هؤلاء المجرمين المجانين. عنف المستوطنين هو أداة غير رسمية رئيسية تستخدمها إسرائيل للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية".
لا يزال البعض يرفض المغادرة، رغم التهديدات اليومية منذ بدء الحرب، بحسب بي بي إس، وفي قرية سوسيا، تحولت المضايقات هذا الأسبوع إلى خطر مميت عندما اقتحمت مجموعة من المستوطنين منزل أحمد جابر عند الساعة الواحدة فجرًا، والذي أرسل أطفاله إلى منطقة أكثر أماناً منذ أسابيع، ويقول: ابنتاي الصغيرتان خائفتان وتبكيان دائمًا وتقولان: "سوف يقتلوننا".
وأضاف: "نقول للمستوطنين أنتم تخيفون الأطفال"، يقولون: "اخرس ولا تتكلم"، وضعوا بنادقهم على رؤوسنا وقالوا لنا: "أمامكم 24 ساعة للمغادرة وإلا سنطلق النار عليكم".
ووفقا لـ بي بي إس، فرغم إدراكهم أن البقاء قد يفقدهم حياتهم، إلا أن أحمد وزوجته، يخشيان فقدان أرضهما إلى الأبد، إذا غادروا.
ويقول جابر: "لا ينبغي لنا أن نغادر، علينا بالبقاء، لقد جاءوا كل يوم منذ بداية الحرب. والليلة أيضا سوف يأتون".
وتشير بتسيلم إلى أن إسرائيل وبعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو في أوائل 2023، صعّدت حملة تهجير السكان الفلسطينيين، التي تنتهجها منذ سنوات على المستويين الرسمي وغير الرسمي، فقد فرض جيش الاحتلال قيوداً قاسية على حرية تنقل السكان، زيادة على القيود الموجودة، وقام بنصب المزيد من الحواجز الاسمنتية وأغلق الطرقات وصادر سيارات سكان المنطقة أو الأشخاص الذين يعملون فيها. كما بدأ في إجراء تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية، بالقرب من منازل السكان. وبالتوازي مع ذلك، تصاعد أيضا عنف المستوطنين ضد سكان تلال جنوب الخليل، بقصد زعزعة القاعدة الاقتصادية التي تقوم عليها حياة السكان في تلك التجمعات.
ووفقا للمنظمة فمنذ السابع من أكتوبر تم تهجير 5 تجمعات في منطقة تلال جنوب الخليل: خربة الرذيم، خربة زنوتا، اعنيزان، عتيرية ومقتل مسلم. في بعضها، هرب السكان قبل أن يتمكنوا من تخليص كل ممتلكاتهم التي قام المستوطنون بسرقتها وتدميرها. وهناك تجمعات قد هجرت قبل يوم السابع من أكتوبر، كالتجمع السادس والودادي. أما التجمعات الفلسطينية الأخرى في المنطقة ـ خربة سوسيا، مغاير العبيد، المفقرة، الركيز، أم الخير، سدة الثعلة، خربة الطوبا، خربة اصفي التحتا، خربة خلة الضبع، خربة جنبا، خربة لصيفر، قواويس وخربة صارورة ـ فلا تزال تحت خطر التهجير القسري المماثل.
وتحذر بتسيلم من أنه لم يبق للفلسطينيين من يحميهم ويدافع عنهم، وكل محاولاتهم للدفاع عن أنفسهم تُقابَل بالعنف والاعتقالات، بل وبالرصاص الحي، مشيرة إلى أنه حتى النشطاء الإسرائيليين والدوليين، الذين يمكثون بالمنطقة لمساندة الفلسطينيين ويمتلكون توثيقاً واسعا، لممارسات المستوطنين، دائما ما يحاول جيش الاحتلال طردهم، وفي هذه الظروف، يبدو أن المسألة لم تعد سوى مسألة وقت فقط حتى تنجح إسرائيل نهائياً في الاستيلاء على المنطقة كلها.