- إثارة ودعم فكرة «اليهود شعب الله المختار» عنصرية قبيحة
- التاريخ يثبت تلاعب السياسيين بالتفسيرات الدينية دعمًا للمسيحية الصهيوينة
- استغلال الإنجيل فى الدفاع عن عنصرية إسرائيل جريمة سياسية ودينية
- ليس المقصود باختراق الأديان هنا اختراق الوحى والكتب المنزلة والأنبياء.. والمقصود استغلال الدين لمصالح سياسية
ــ محاكم التفتيش والحروب الصليبية اختراق للمسيحية
- لابد من وضع فاصل واضح بين مجىء المسيح وعودة اليهود إلى فلسطين
- جورج بوش اجتاح العراق نتيجة التفسيرات الدينية الخاطئة
«لقد تحرك الكثيرون ربما مخدوعون وربما عامدون تحركوا بخبث شديد لخلق حركة عالمية لتعضيد دولة إسرائيل ولكن هناك باحثين منصفين يعملون من أجل الحقيقة وقد تصدوا لهذه الحركة من بينهم القس إكرام لمعى مؤلف هذا الكتاب».
هذه جملة معبرة جدًا كتبها الأستاذ أحمد بهجت عن الدكتور إكرام لمعى حينما أصدر فى أوائل التسعينيات عن دار الشروق كتاب «الاختراق الصهيونى للمسيحية». هذا كتاب يصلح للقراءة الآن أيضا، خاصة ونحن نشاهد تلاعب السياسيين بالدين؛ لمصلحة إسرائيل فى حربها على قطاع غزة ودعم الدول الغربية لها وحربها الآن على إيران.
ما تفعله إسرائيل ودعم الدول الغربية لها هو ما يجعلنا نعيد طرح السؤال المتكرر حول إصلاح الفكر الدينى، خاصة المسيحى، وفك التباس المناطق الرمادية بين الدين والسياسة.
وأشار د. لمعى إلى أن الرئيس ترامب كثيرا ما يعبر بوضوح عن كيفية الاختراق الصهيونى للمسيحية أو اختراق الدين بشكل عام متذكرًا كيف رفع الرئيس الأمريكى ترامب منذ سنوات نسخة من الإنجيل أمام كنيسة القديس يوحنا لمواجهة ما يحدث فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال إن أى رئيس دولة أو سياسى يرفع كتابه المقدس فى أية مناسبة إنما هو فى تحليل الخبراء يعلن عن إفلاسه فى إقناع رجل الشارع أو الغالبية العظمى من شعبه.

وحول الصورة الذهنية عن تعافى المجتمعات الغربية من استغلال الدين فى السياسة، أو لماذا رغم التاريخ الطويل فى فصل الدين عن الدولة نجد الرؤساء الأمريكيين يستغلون الإنجيل فى سياساتهم، قال دكتور لمعى إنه يجب الانتباه إلى أن الشعب الأمريكى بالذات متدين بطبيعته، وبنى بلده وفقا للمبادئ المؤسسة للكتاب المقدس، خاصة فى الحريات وحقوق الإنسان، لهذا يميل الرؤساء إلى الكتاب المقدس عند مخاطبة الجماهير، لكن استخدام الكتاب المقدس المقبول لدى الشعب فى تأسيس دولة عنصرية أو الحديث عن شعب مختار «مثل اليهود» هو استخدام وتفسير خاطئ جدا للكتاب المقدس، بل هو جريمة سياسية وجريمة دينية.
ولذلك منذ فترة ليست بقليلة قال أيضا الرئيس الأمريكى ترامب تصريحات كثيرة مؤيدة لإسرائيل، وهو ما يفعله الآن فى حرب إسرائيل مع إيران؛ حيث أوضح ترامب فى تلك التصريحات خيالاته حول المجىء الثانى للسيد المسيح ومملكة إسرائيل.
وكتاب د. إكرام لمعى يفضح التفكير المختل للمسيحية الصهيونية، وكذلك يفضح المسيحيين الصهاينة الغربيين الذين قاموا بتفسير الكتاب المقدس بطريقة ملتوية تعطى شرعية لدولة إسرائيل فى الاستيلاء على أرض فلسطين، وجمع شتات اليهود من جميع أنحاء العالم، وإعادة بناء هيكل سليمان تمهيدا وشرطا لعودة السيد المسيح، وملك المسيح على الأرض لمدة ألف عام ثم تأتى النهاية اليوم الآخر ودينونة العالم. وكل هذه ادعاءات يفندها الدكتور إكرام لمعى فى كتابه الذى يحمل عنوانا جدليا. لكنه شديد الذكاء.
وأكد د. إكرام أن ترامب نموذج للمسيحى الصهيونى فهو أكثر تشددا من الصهاينة أنفسهم، فقد صرح بالقول أنه «يرى يهود أمريكا إسرائيليين»، وهذه وجهة نظر بعض المسيحيين الصهاينة المتشددين، وأحب اليهود فى إسرائيل ترامب وردوا له التحية بأحسن منها بقولهم «نحن نعتبر ترامب ملك إسرائيل المعاصر على طريق الملك داود وسليمان»، وفى الوقت نفسه طعن ترامب يهود أمريكا فى انتمائهم لإسرائيل.
==اختلاط التفسيرات الدينية بالمصالح
فى بداية الكتاب يقول الدكتور إكرام لمعى: «لم يحدث فى عصر من العصور أن كان الدين محورًا للاهتمام للدرجة التى فيها اختلط الدين بالأسس والمبادئ التى تبنى عليها معظم النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كعصرنا الحالى، فقد دخل الدين وما يتبعه من فكر دينى إلى أغلب اهتمامات الإنسان، وأصبح الدين هو المحور الذى تدور حوله كل أشكال الحوارات وإذا ما يتدخل بشكل أو بآخر فى توجيه الجماهير، ومع تصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية شرقًا، وارتفاع المد الحضارى والمادى غربًا، أصبح الدين هو الملجأ الأخير والثابت الذى تتعلق به حضارات تنهار وحضارات تريد أن تستيقظ من جديد».
والكتاب يحتوى على ثلاثة أقسام:
الأول: قاموس نوضح فيه معانى بعض المصطلحات التى سترد فى هذا الكتاب مثل معنى: إسرائيل وصهيون، الملك الألفى.
والثانى: تحليل لتاريخ الشعب اليهودى من إبراهيم إلى اليوم.
ثم أخيرًا: عرض لنظرية أن إسرائيل اليوم هى تحقيق للنبوات ومقدمة لمجىء المسيح، ورد د. إكرام لمعى على هذه النظرية.
ويدخل لمعى فى موضوعه مباشرة وحسب تصريحاته أيضا لجريدة الشروق إنه لم يحدث فى عصر من العصور أن كان الدين محورًا للاهتمام للدرجة التى فيها اختلط الدين بالأسس والمبادئ التى تبنى عليها سياسية أو اقتصادية وهذا يعد اختراقًا للدين.
ويؤكد د. لمعى بوضوح بعدما سألته ألم تشعر بالخوف من عنوان الكتاب «الاختراق الصهيونى للمسيحية» أنه ليس المقصود باختراق الأديان هنا اختراق الوحى والكتب المنزلة والأنبياء، لكن المقصود هو اختراق الدين كمنهج يطبقه الإنسان، أو التطبيق البشرى للدين، فلابد من الفصل بين الأديان فى نقائها والتى لا يمكن اختراقها وبين التجربة البشرية فى التطبيق.
وأضاف: «لقد تميز العصر الذى نعيش فيه بالصحوة الدينية سواء فى الغرب أو الشرق، ولقد اتخذ البعض هذه الصحوة فرصة لتحقيق منافع ذاتية، قد تكون سياسية أو قومية وهذا يجسد بطريقة عملية فكرة اختراق الدين والتى يجب إيضاحها. يُخترق الدين كمنهج إنسانى من داخله، أى من بعض الذين ينتسبون إليه، والذين تغلبهم السلطة، وينحرف بهم الهوى عن النقاء الدينى».
== المؤتمر المسيحى الصهيونى الدولى
«فى عام 1988 وفى شهر إبريل عقد مؤتمر له طابع خاص فى إسرائيل تحت عنوان «المؤتمر المسيحى الصهيونى الدولى»، وكانت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مساء 10 إبريل؛ حيث قام إسحق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلى بإلقاء كلمة الافتتاح، وفى كلمته التى اتسمت بالعاطفة والحماسة، أكد شامير وبكل وضوح استمراره فى تثبيت أركان الدولة الصهيونية، ومقاومة الفلسطينيين بكل الوسائل، وفى نهاية كلمته وقف كل المستمعين لتحيته، وذلك حينما دعاهم لأن يدعوا كل مسيحيى العالم لتعضيد دولة إسرائيل، وإن كان من الصعب على أى متدين أن يقبل فكرة أن أمن إسرائيل يحتاج إلى هضم حقوق الإنسان الفلسطينى واضطهاده، فكم هو مخجل أن يقوم ألوف المسيحيين المتدينين بتشجيع إسرائيل فى هذا الاتجاه.
ولقد بنى المؤتمر دعوته لتعضيد إسرائيل على فكرتين رئيستين هما: «علاقة إسرائيل الخاصة بالله كشعب، والثانية أن عودة اليهود إلى فلسطين وتأسيس الدولة حسب فكرهم يعجِّل بالمجىء الثانى للمسيح، والذى أحد شروط مجيئه تأسيس دولة إسرائيل ليحكم من أورشليم العالم ولمدة ألف عام. وإن كان شعب إسرائيل أول الشعوب التى عرفت الله الواحد كشعب وليس كأفراد وأقامت علاقة خاصة به، إلا أن الهدف من هذه العلاقة لم يكن ليميزها عن بقية الشعوب، لكن لتخدم العالم وتصبح نورا للأمم. إذ إن إعلان الله الواحد لهم، لم يكن الهدف منه عنصريا، بل كان وظيفيا، أى أن الله لم يبنِ علاقة بهم لأنهم أفضل من الشعوب الأخرى، ولكن اختارهم لعمل معين هو إعلان الله الواحد لبقية الشعوب، وقد انتهى هذا العمل بمجرد معرفة بقية الشعوب لله الواحد، وأصبح معظم شعوب اليوم على علاقة مميزة بالله، ولم تعد معرفة الله مقصورة على شعب معين، وبالتالى فإثارة هذه الفكرة اليوم، تدخل تحت بند العنصرية القبيحة، ولقد شرحت فكرة علاقة إسرائيل الخاصة مع الله فى عدة محاضرات بالمؤتمر قدمها مالكولم هيدنج Malcolm Hedding وجون وليم فان دى هوفن John William.
ثم تبع ذلك محاضرات عن الملك الألفى للمسيح الذى سيأتى ثانية ويملك حرفيا مع اليهود لمدة ألف عام، وقد قدم هذه المحاضرات س. أ. سكوفيلد S. I. Scofield وبعد دراسة الموضوعين بوجه عام وبشكل أكاديمى أيضا تحركوا بخبث شديد نحو خلق حركة عالمية لتعضيد دولة إسرائيل الحالية. ولقد قدم الكلمة الرئيسة لهذا المؤتمر جون وليم John William، وبدأها بالقول: «اذكروا أنكم أنتم الأمم قبلا فى الجسد.. أنكم كنتم فى ذلك الوقت من دون مسيح أجانب عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد لا رجاء لكم وبلا إله فى العالم»، «أما اليوم فقد أصبحتم إسرائيل الله»، ولقد أوضح فى خطابه أنه بخراب أورشليم عام 70م اتجه الله إلى الأمم (كل الشعوب غير اليهودية) ليقيم علاقة معها، وبعد أن انتهى زمن الأمم الآن، عاد الله مرة ثانية ليلتفت إلى إسرائيل، وعلامة انتهاء زمن الأمم التى استشهد بها، هى عودة اليهود إلى فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل، ولذلك فمستقبل المسيحيين فى العالم يتحدد بتعضيد إسرائيل ماديا؛ لتثبت وجودها، وتحقق إرادة الله بمنتهى الأمان، ويعود المسيح ثانية، وبناء على كل ما سبق؛ دعا المتحدث كل الحاضرين إلى أن يقدموا ما لديهم لإسرائيل. وإذا فرضنا جدلًا أن هذا الكلام صحيح وأنه لا تزال لإسرائيل علاقة خاصة بالله، فلا بد أن تحْكم هذه العلاقة بناموس موسى وكتب الأنبياء اليهود. والسؤال الآن: ما رأى الناموس والأنبياء فى طرد الفلسطينيين بالعنف؟ فى قتلهم وتشريدهم من دون محاكمة؟ ألا يرتفع صوت أنبياء الله ضد الظلم كما ارتفع من قبل على طول التاريخ، أم أن صوت أنبياء إسرائيل قد صمت أمام جبروت الدولة الإسرائيلية العلمانية اليوم؟».
== هل يمكن اختراق الدين
ولمن سأل هل يمكن اختراق الدين؟ قال د. إكرام لمعى فى تصريحات سابقة لـ«الشروق»: «المسيحية لها تاريخ طويل من الاختراق، ومن أشهر الاختراقات الداخلية، ظهور محاكم التفتيش، والتى تم فيها قتل وحرق مسيحيين أرادوا الإصلاح للدين، وفى تبنى الكنيسة الأوروبية للحروب الصليبية، والتى كانت أكبر وصمة فى تاريخها؛ حيث تحالفت الكنيسة مع الأمراء والإقطاعيين لأسباب سياسية واقتصادية».
وأضاف دكتور لمعى أنه وقت الإصلاح الدينى فى أوروبا خاصة فى ألمانيا رفض المصلحون وخصوصا مارتن لوثر وجود اليهود. لكن عندما ظهرت ما يعرف بـ«الحركة التدبيرية» تعاطفوا مع الاضطهاد الذى قام به مارتن لوثر، أرادت تجميع شعب إسرائيل فى فلسطين. وأكد لمعى لابد من وضع فاصل واضح بين عودة المسيح وعودة اليهود إلى فلسطين، خاصة أن غالبية المسيحيين لا يؤمنون بالفكر التدبيرى لعودة اليهود إلى فلسطين، مشيرا إلى عودة اليهود هى بذرة الاختراق الصهيونى للمسيحية.
صدرت من الكتاب عدة طبعات، آخرها طبعة منقحة ومزيدة، يؤكد د. إكرام فى مقدمتها: «لا يزال الصهاينة المسيحيون يعملون لصالح إسرائيل ويؤيدونها بالمال والسلاح بأكثر قوة، بناء على تفسيرهم الخاطئ للكتاب المقدس لوعد الله إبراهيم الخليل والعهد معه. ذلك الوعد الذى انتهى تاريخيا بميلاد السيد المسيح، ذلك الوعد الذى أثبت زيفه علماء لاهوت مسيحيون مثل الأب الراحل وليم سيدهم اليسوعى وغيره فضلًا عن دكتور إكرام لمعى الذى أكد أن جورج بوش كان يؤمن بمثل تلك التفسيرات الخاطئة لذلك اجتاح العراق ما أدى إلى زيادة التطرف الإسلامى إلى الحد الأقصى بدءًا من القاعدة ونهاية بداعش، والمؤكد أن تلك التفسيرات لا تزال مستمرة حتى الآن، خاصة أن الأمريكان الصهاينة يبدون أحيانًا أكثر تشددًا من اليهود الذين يعيشون فى إسرائيل».