في ظل استخدام إسرائيل الغذاء كسلاح حرب وتفاقم أزمة الجوع في قطاع غزة الذي وصفه مسئول أممي بأنه المنطقة الأكثر جوعاً على وجه الأرض، أصدرت 28 دولة ومفوض الاتحاد الأوروبي للمساواة والاستعداد وإدارة الأزمات دعوة إلى إنهاء الحرب فوراً ورفع جميع القيود المفروضة على إمدادات الغذاء والدواء إلى القطاع.
وأدان البيان المشترك الصادر أمس، إسرائيل بسبب تقديم المساعدات بالتنقيط وقتل المدنيين الذين يسعون إلى الحصول على "احتياجاتهم الأساسية" من الماء والغذاء.
وأوضح البيان أن معاناة المدنيين في غزة بلغت مستويات غير مسبوقة، مشيراً إلى أن نموذج تقديم المساعدات الذي تنتهجه الحكومة الإسرائيلية خطير، ويؤجج عدم الاستقرار، ويحرم سكان غزة من كرامتهم الإنسانية.
كما ندد أيضاً بـ"مقتل أكثر من 800 فلسطيني أثناء سعيهم للحصول على المساعدات"، ووصفه بأنه "أمر مروع".
ووقع البيان مفوض الاتحاد الأوروبي للمساواة والاستعداد وإدارة الأزمات، بالإضافة إلى وزراء خارجية أستراليا، والنمسا، وبلجيكا، وكندا، وقبرص، والدنمارك، وإستونيا، وفنلندا، وفرنسا، وأيسلندا، وأيرلندا، وإيطاليا، واليونان، واليابان، ولاتفيا، وليتوانيا، ولوكسمبورج، ومالطا، وهولندا، ونيوزيلندا، والنرويج، وبولندا، والبرتغال، وسلوفينيا، وإسبانيا، والسويد، وسويسرا وبريطانيا.
** المنطقة الأكثر جوعاً على وجه الأرض
بحسب موقع "ذا كونفرذيشن" الإخباري الأسترالي، يواجه سكان غزة، بما في ذلك الأمهات اللاتي يعانين من سوء التغذية ويحرمن من حليب الأطفال، خيارات مستحيلة مع تكثيف إسرائيل لاستخدامها التجويع كسلاح في الحرب.
وتشير الأمم المتحدة إلى "مقتل 875 فلسطينيا - كثير منهم بالرصاص - أثناء سعيهم للحصول عن الطعام منذ أن بدأت مؤسسة غزة الإنسانية، المدعومة من الولايات المتحدة، عملها في أواخر مايو الماضي، فضلا عن إصابة 4 آلاف آخرون".
وطالبت أكثر من 170 منظمة إنسانية دولية من بينهم منظمتي أوكسفام وإنقاذ الطفولة، بإغلاق مراكز توزيع الغذاء التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية، حيث تم استبدال 400 نقطة توزيع مساعدات كانت تعمل خلال وقف إطلاق النار الأخير بأربعة مواقع توزيع فقط تقع في المناطق العسكرية الإسرائيلية وتديرها شركات أمنية خاصة أمريكية، ثلاثة في أقصى جنوب غرب غزة وواحد في وسط غزة، وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وفي الوقت الذي تتكدس فيه شاحنات المساعدات خارج القطاع نتيجة لرفض الاحتلال الإسرائيلي السماح بإدخالها، باتت غزة توصف بأنها "المكان الأكثر جوعاً على وجه الأرض"، حسبما صرح المتحدث باسم مكتب تنسيق الشئون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة "أوتشا"، ينس ليركه للصحفيين بجنيف في 30 مايو الماضي، مؤكداً أنها المنطقة الوحيدة المحددة في العالم حيث يتعرض سكانها بالكامل لخطر المجاعة.
وبالتزامن مع ذلك الوضع المأساوي، قامت الولايات المتحدة بإتلاف حوالي 500 طن من المساعدات الغذائية الطارئة "منتهية الصلاحية" في مستودع تابع لها في الشرق الأوسط، حيث أدى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "يو إس أيد" إلى هدر تلك المواد الغذائية، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.
** أكثر من مليوني شخص يتعرضون للمجاعة
وأصبح أكثر من مليوني شخص معرضون لخطر المجاعة في غزة. ويقدر برنامج الغذاء العالمي أن 90 ألف امرأة وطفل يحتاجون إلى علاج عاجل لسوء التغذية.
وتوفي 19 فلسطينيا جوعاً خلال الأيام الأخيرة، بحسب السلطات الصحية في غزة.
وبعد انهيار وقف إطلاق النار في 17 مارس الماضي بعد استئناف جيش الاحتلال العدوان على غزة، فرضت إسرائيل حصاراً على القطاع ومنعت دخول أي مساعدات. وبعد تزايد الضغوط الدولية، سمحت بدخول مساعدات محدودة، وبدأت مؤسسة غزة الإنسانية المثيرة للجدل عملياتها. وكما كان متوقعاً، لم يتم توزيع سوى جزء بسيط من المساعدات.
ودخلت 1633 شاحنة إلى غزة في الفترة ما بين 19 مايو الماضي و14 يوليو الحالي، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو أقل بكثير من 630 شاحنة مطلوبة يومياً لإطعام السكان.
** جريمة حرب إسرائيلية واضحة
كما دعا وزراء إسرائيليون علناً إلى قصف احتياطيات الغذاء والوقود لتجويع سكان القطاع في جريمة حرب واضحة.
من جهته، قال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، أليكس دي وال إن "استراتيجية إسرائيل للتجويع تُشكل إضعافاً خطيراً للقانون الدولي، كما أنها تُخل بالمعايير التي تهدف إلى منع استخدام الجوع كسلاح حرب".
وأضاف دي وال أن "عمليات مثل مؤسسة غزة الإنسانية تشكل شرخاً كبيراً في هذه المبادئ، ولن تنقذ غزة من المجاعة الجماعية".
وفي مايو الماضي، أطلع توم فليتشر، منسق الإغاثة في الأمم المتحدة، مجلس الأمن الدولي على الإخفاق الجماعي للعالم في كشف حجم انتهاكات القانون الدولي أثناء ارتكابها، قائلا: "تفرض إسرائيل عمداً وبلا خجل ظروفاً غير إنسانية على المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
ومنذ ذلك الحين، تكثفت التحذيرات الواضحة والصريحة من المخاطر المتزايدة للإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي من جانب الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها وخبراء القانون الدولي.
** حظر القانون الدولي لاستخدام التجويع كسلاح حرب
يعد استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب محظور صراحة بموجب المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لحماية ضحايا الحرب الموقعة في 12 أغسطس 1949.
كما يُعرف بأنه جريمة حرب بموجب البند 25 الفقرة (ب) من المادة الثامنة في نظام روما الأساسي المنشىء للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 والتى تنص على "تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف".
وبموجب القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضًا باسم قانون الحرب، فإن سلطة الاحتلال ملزمة بتوفير الغذاء والإمدادات الطبية والضروريات الأخرى للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة. كما يجب على سلطة الاحتلال التأكد من تلبية احتياجات السكان المدنيين لضمان بقائهم على قيد الحياة.
** ملاحقة قادة الاحتلال في المحاكم الدولية
ولم تتجاهل المحاكم الدولية التزامات إسرائيل على هذا الصعيد، ففي نوفمبر2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك يوآف جالانت.
ووجدت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية أن هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن كليهما حرموا عمداً وبعلم السكان المدنيين في غزة من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية.
وبما أن إسرائيل ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، فلا يوجد أي التزام على حكومتها بتنفيذ أوامر الاعتقال. ويظل نتنياهو وجالانت أحرار في السفر طالما لم يدخلا أراضي دولة طرف في نظام روما الأساسي بل حتى في هذه الحالة، لا يُضمن اعتقالهما، بحسب دونالد روثويل، أستاذ القانون الدولي في الجامعة الوطنية الأسترالية.
وستظل مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية سارية المفعول ما لم تسحبها. وقد أظهر اعتقال الرئيس الفلبيني السابق رودريجو دوتيرتي في مارس الماضي أنه على الرغم من أن تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية قد تستغرق وقتًا، إلا أنه يمكن في نهاية المطاف مثول المتهمين بارتكاب جرائم أمامها لمواجهة العدالة.
كما تنظر محكمة العدل الدولية قضية أخرى رفعتها جنوب إفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد السكان الفلسطينيين في غزة.
وبدأت القضية بجلسات استماع رفيعة المستوى في العام الماضي عندما أصدرت المحكمة تدابير مؤقتة أو أوامر، تلزم إسرائيل بالامتناع عن الانخراط في أي أعمال إبادة جماعية.
وكان آخر هذه الأوامر، الذي صدر في مايو الماضي ، حيث أمرت المحكمة إسرائيل بوقف فوري لهجومها على مدينة رفح في جنوب غزة وفتح الجانب الفلسطيني من معبر رفح للسماح بدخول المساعدات الإنسانية العاجلة على نطاق واسع دون عوائق، لكن تل أبيب لم تمتثل لتلك الأوامر في تحدي واضح للمحكمة.
في أواخر الشهر الماضي، بدأت محكمة العدل الدولية جلسات لتكوين رأي بشأن واجبات إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة. وانتقد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، جلسات المحكمة زاعما أنها "محاولةٌ أخرى لتسييس العملية القانونية واستغلالها لملاحقة إسرائيل".
ومن غير المتوقع صدور رأي المحكمة الاستشاري بشأن هذه القضية قبل عدة أشهر. وقد يستغرق القرار النهائي بشأن تلك القضية سنوات.