• المحكمة: المتهمون خانوا الأمانة التي أقسموا عليها وتجاهلوا الأصول الفنية
• المحكمة في حيثيات حكمها للمتهمين: ما أثقل الخطأ حين يتحول إلى فاجعة.. وما أفظع التقصير حين تكون تكلفته أرواحا بريئة
• الحيثيات: الواقعة يجب أن تكون ورسالة صارمة لكل من يتعامل مع مهنته بخفة أو استخفاف
أودعت محكمة جنح مستأنف أكتوبر، حيثيات حكمها الصادر موخرا برفض الاستئناف المقدم من المتهمين في واقعة انفجار خط غاز طريق الواحات وأيدت المحكمة حكم أول درجة الصادر بمعاقبة المتهمين بالحبس 10 سنوات.
وقضت محكمة جنح أكتوبر في 14 يونيو الماضي، بحبس 6 متهمين من موظفي شركة مقاولات خاصة ومكتب استشارات هندسية لمدة 10 سنوات، بعد إدانتهم بالتسبب في وفاة 8 مواطنين وإصابة 16 آخرين، أثناء تنفيذ أعمال تطوير بطريق الواحات، في الواقعة المعروفة إعلاميًا بـ "انفجار خط الغاز في أكتوبر".
وسردت المحكمة الواقعة حسبما استقرت في يقينها واطمأن إليها وجدانها مستخلصة من سائر أوراقها وما تم فيها من تحقيقات وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة، مؤكدة أنه قد استقام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهمين أخذا مما شهد به الشهود، ومما ثبت من تقريري الصفة التشريحية، والأدلة الجنائية، وما أقر به المتهمون.
- سائق اللودر حفر بعمق أزيد من المقرر ورفض توقف أعمال الحفر بالرغم من تحذيره
وأوضحت المحكمة أن ركن الخطأ قد توافر في حق المتهمين واطمأنت المحكمة إلى ارتكاب المتهمين لخطأ تمثل أولا في حق المتهم الاول "محمد أحمد عبد التواب" سائق اللودر بقيامه بالعمل برعونة وإهماله للحفر دون تصريح ودون ا التأكد من عمل جسات استكشافية يدوية، وقيامه بالحفر عمق أزيد من عمق القطاع العرضي، وذلك فيما قرره المتهم بالتحقيقات النيابة العامة من طلب المهندس مدير المشروع العمل على إزالة طبقة السن 20 سنتيمتر الا أنه قام بالحفر عمق أزيد من عمق القطاع العرضي - ودون تصريح حفر من الجهات المختصة.
وتابعت المحكمة أنه على الرغم بتنبيه سائق اللودر المتهم الأول قبل الواقعة مباشرة - من قبل المجني عليه مصطفي محمد حسن - مشرف بجهاز اكتوبر إدارة التشغيل والصيانة والاستعلام - عما اذا كان بحوزته تنسيق مسبق بشأن أعمال الحفر من عدمه وقام بمحاولة إيقاف اللودر عن استكمال أعمال الحفر لوجود خط مياه كبير في مكان الحفر خشية كسره إلا أنه رفض وطلب منه التحدث مع المساح الذي كان برفقته، بالرغم من إمكان المتهم الأول إيقاف أعمال الحفر حتي حضور المهندس مدير المشروع، والحصول علي التراخيص اللازمة الا أنه قام بالاستمرار فى العمل والحفر - رغم تنبيه بإيقاف أعمال الحفر مما أدي إلى كسر ماسورة الغاز الطبيعي وإنفجار خط الغاز الطبيعي والتي أودت بحياه وإصابة المجني عليهم.
- المساح المتهم تخلى عن عمل جسات استكشافية يدوية للموقع
وأضافت المحكمة في حيثياتها أن المتهم الثاني عمر أحمد صبره "المساح" والمشرف على سائق اللودر، ترك سائق اللودر للقيام بالحفر دون متابعته وإرشاده عن عمق الحفر، وكان يتوجب عليه منع سائق اللودر عدم مباشرة أعمال الحفر وإتخاذ الحيطة والحذر يقتضيها معرفة حاجته الماسة إلى التصريح الحفر درا للمخاطر التي تنجم تركه دون رعاية ، إضافة إلى عدم قيامه بعمل جسات استكشافية يدوية للموقع.
- المتهم الثالث ارتكب أخطاء فنية خالفت أصول مهنته
كما اوضحت المحكمة قيام المتهم الثالث محمد وجيه شكري المهندس التنفيذي للمشروع، وهو المهندس المسئول عن تنفيذ العملية، فقد ارتكب أخطاء فنية جسيمة خالفت أصول مهنته، وتعامل مع موقع التنفيذ باستهانة وعدم اكتراث دون الرجوع إلى المواصفات أو الرسومات المعتمدة، ودون مراعاة اشتراطات الأمان، حيث أنه لم يقم بالتنسيق مع جهات المرافق التحتية ومنها شركة الغاز الطبيعي، وعدم الحصول علي التراخيص اللازمة للحفر واستخدام معدات ثقيلة لودر للحفر دون ترخيص وعدم قيام جسات استكشافية يدوية ، وحفر عمق أزيد من عمق القطاع العرضي، مما أدي إلي كسر الماسورة الغاز الطبيعي، بما أدى في النهاية إلى وقوع كارثة ترتب عليها وفاة عدد من الأبرياء وأصابة أخرين ممن لا ذنب لهم سوى تواجدهم عرضا في موقع ظنوا أنه آمن.
- المتهم الرابع سمح بأعمال الحفر دون التنسيق
وأشارت المحكمة إلى قيام المتهم الرابع أحمد جمعه محفوظ مهندس معماري ومدير مشروعات شركة المليجي للمقاولات، حيث أنه المنوط به متابعة أعمال المهندس التنفيذي للمشروع ومراقبته في مدي تنفيذ الأعمال واستخراج التراخيص فضلاً
عن قيامه بإرسال المعدات الخاصة بالحفر - وكان بإمكانه منع إرسال تلك المعدات الثقيلة وكان المفترض عليه عدم إرسال تلك المعدات قبل استخراج المهندس المتهم الثالث تلك التصاريح والتنسيق مع الجهات المختصة اللازمة.
- اعترافات المتهم الرابع بعلمه بأعمال الحفر دون تصريح
ولفتت المحكمة أن المتهم الرابع قرر بتحقيقات النيابة العامة أنه على علم مسبق بتلك الاعمال كما أضاف أنه تم تكليف مكتب استشاري " السهلي - الصاوي" بالاشراف علي تلك الأعمال وكان التكليف هاتفياً، إضافة إلى ما قرره المتهم الثالث والذي قرر أن المتهم الرابع طلب منه البدء في الاعمال بالموقع عقب استخراج تصريح المرور فقط وأنه قام بإرسال المعدات والعمال وأنه كان على علم بعدم استخراج باقي التصاريح من الجهات المختصة، وحيث إن ما يزيد الأمر خطورة. ويُشكل صورة أشد جسامة من الإهمال هو ماثبت بحق المتهم الذي منوط به واجب الإشراف الدقيق والمتابعة المستمرة لأعمال التنفيذ، إلا أنه تقاعس عن أداء مهامه الرقابية، ولم يباشر أي إشراف فعلي، وترك موقع العمل بلا متابعة، فأطلق يد المنفذ دون مراجعة وأجاز بذلك استمرار تنفيذ مخالف، في صورة من صور الإهمال السلبي الذي لا يقل في أثره عن الخطأ الإيجابي في التنفيذ.
- المتهم الخامس سمح بأعمال الحفر مع عدم اتخاذ الإجراءات والتصاريح اللازمة
وكشفت المحكمة في حيثيات حكمها عن قيام المتهم الخامس علاء إبراهيم عبد اللطيف مدير مشروعات مكتب الاستشاري، بعدم متابعه المستجدات مع المتهم أحمد ياسين الغير ممثل بالاستئناف، حيث أنه مسئول عن سلامة ذلك الطريق حيث أنه صاحب السلطة الفعلية عليه والاشراف والرقابة.
كما أنه كان من المفترض عليه وضع خطة للعمل حيث أنه المهندس الخبير ومدير المشروع، مع شرح طريقة العمل وكيفية إزالة الطبقات الاسفلت ، مع إمكانه منعهم من العمل قبل استخراج التصاريح اللازمة، إضافة إلي عدم الزيارة الميدانية لأعمال الطرق محل الواقعة وذلك لدراسة الخطة المرورية لإعمال التحويلات في هذا المكان، إضافة إلى عدم اتخاذه الإجراءات الإحترازية من وضع حواجز ووضع لافتات الإرشادية للجمهور وعمل مطبات صناعية للمكان واعتماد الخطة المرورية لتلك التحويلات من الإدارة العامة للمرور.
وشرحت المحكمة أن مسئولية المتهم السادس المهندس الاستشاري المشرف علي المشروع، حيث أنه المكلف باستخراج كافة تصاريح المرافق قبل البدء في الأعمال والإشراف الكامل علي جميع مراحل التنفيذ، وكان بإمكانه إيقاف شركة المليجي للمقاولات حال تجاوز عمل الحفر، وحيث إن ما يزيد الأمر خطورة، ويُشكل صورة أشد جسامة من الإهمال هو ما ثبت بحق المتهم الذي منوط به واجب الإشراف الدقيق، والمتابعة المستمرة لأعمال التنفيذ، باعتباره الجهة الفنية الأعلى، وصمام الأمان الرقابي على أعمال المهندس الفني، إلا أنه تقاعس عن أداء مهامه الرقابية، ولم يباشر أي إشراف فعلي، وترك موقع العمل بلا متابعة، فأطلق يد المنفذ دون مراجعة، وأجاز بذلك استمرار تنفيذ مخالف في صورة من صور الإهمال السلبي الذي لا يقل في أثره عن الخطأ الإيجابي في التنفيذ.
وقالت المحكمة ان ما ارتكبه المتهمون جميعا ، سواء بالتنفيذ الخاطئ أو بالإشراف الغائب، يُشكل في حقهم جرائم الإهمال الجسيم المؤدي إلى الوفاة والاصابة ، وذلك على نحو ما عاقب عليه القانون في المواد المنظمة للمسؤولية الجنائية الناشئة عن الإهمال والتقصير المهني، لاسيما متى أدى ذلك إلى موت أكثر من شخص ويكون المتهمين من الاول حتي الخامس مسئولين جنائياً، لثبوت توافر الخطأ في حقهم وعدم الاحتياط والتحرز والاهمال وأن هذا الخطأ أدي مباشرة إلى إحداث الضرر كما سبق إيضاحه مما يجعل علاقة السببية قائمة ومؤكدة ، وأن ما نصت عليه المادتين 238 - 244 عقوبات من صور الخطأ وهي الرعونة وعدم الاحتياط والتحرز والإهمال والتفريط وعدم الانتباه والتوقي وعدم مراعاة، وإتباع اللوائح يشمل في مدلوله الخطأ بجميع صوره ودرجاته مهما كانت يسيره، وكل ذلك يستوجب المسئولية المدنية والجنائية على السواء، وذلك لإهمالهم والتخاذهما موقفا سلبيًا فغفلا عن اتخاذ الاحتياط الذي يوجب الحذر والتبصر بعواقب نتيجة سلوكهما السلبي الذي يتطلبه الحذر.
-توافر السببية بين كسر خط الغاز الطبيعي وانفجار
واستكملت أن ما صدر من المتهمين من أخطاء فنية متعلقة بأعمال مهنهم، وأن ما أجروه من أعمال فنية غير مطابقة للأصول الفنية المقررة، حيث أنهم فرطوا في اتباع هذه الأصول، وخالفوها ومن ثم ثبت في حقهم المسئولية الجنائية ، وذلك لتعمدهم الفعل ونتيجته وتقصيرهم وعدم تحرزهم في أداء عملهم ، حيث أن الجريمة قد وقعت نتيجة إخلال المتهمين إخلالاً جسيما بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم، ومهنتهم وحرفتهم، حيث أن المتهمين كل منهم صاحب وظيفة ومهنة وحرفة تحكمها قواعد فنية وعلمية مستقرة، لم يتبعها كل منهم - مما وقع الإخلال الجسيم من جانبهم بأصول مهنتهم وحرفتهم ووظيفتهم، مما تسبب في وفاة المجني عليهم وإصابة آخرين بالإضافة إلى إتلاف المنقولات خاصة المجني عليهم سلفي الذكر وتحقق اتصال علاقة السببية بين واقعة كسر خط الغاز الطبيعي وانفجاره وبين الوفاة والاصابة والإتلاف بطريق الخطأ، ومن ثم يغدو إزاء ما سلف أن توافر ذلك الركن قد بات أمرًا مقضيا.
- الجرائم المرتكبة لا تقبل التجزئة ووجب اعتبارها جريمة واحده
وشرحت المحكمة لولا خطأ المتهمين لما حدثت تلك النتيجة، التي أدت إلى وفاة وإصابة المجني عليهم وإتلاف المنقولات الخاصة بهم، ومن ثم فإن كافة أركان الاتهام قد توافرت قبل ما أنته يدا المتهمين، وأضحى بنيان تلك الجريمة قائما بما يستوجب عقابهم وردعهم عن تلك التهم، جزاءً وفاقا، وهو الأمر الذي تقضي معه المحكمه بأدانة المتهمين عملا - بنص المواد 238 - 244 - 378 فقرة 6 من قانون العقوبات، والمادة 5 فقرة الأولى - والمادة 100 فقرة الأولى من القانون رقم 217 لسنة 1980، وعملا بنص 304 الفقرة الثانية من قانون الاجراءات الجنائية، وحيث انه عن العقوبة فان المقرر وفق نص المادة 32 الفقرة الثانية من قانون العقوبات، والذي تنص على أنه إذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم، وهى جريمة القتل الخطأ والمؤثمة بالمادة 238 من قانون العقوبات.
-إذا اعتنق الحكم الاستئنافي أسباب الحكم المستأنف لا ضرورة لبيان الأسباب
المقرر قانونا أنه إذا اعتنق الحكم الاستئنافي أسباب الحكم المستأنف فلا ضرورة لبيان تلك الأسباب بل يكفى الإحالة إليها على الأسباب التي تقوم مقام إيرادها وتدل علي أن المحكمة اعتبرتها صادرة منها، و العبرة في المحاكمة الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، لا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين إلا إذا قيده القانون في ذلك، ولما كان ما تقدم وكان الحكم المستأنف فى محله للأسباب السائغة التي بني عليها والتى تأخذ بها هذه المحكمة كأسباب مكملة لأسباب حكمها وتحيل إليها ولم يأت المتهمين بجديد يؤثر فى سلامة الحكم المطعون فيه ومن ثم يضحى طعنهم على غير أساس متعينا القضاء برفضه ويكون الحكم المستأنف قد صادف صحيح القانون وتقضي المحكمة بتأييده عملاً بالمادة 417 من قانون الإجراءات الجنائية.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها انه ما أثقل الخطأ حين يتحول إلى فاجعة وما أفظع التقصير حين تكون كلفته أرواحا بريئة، قضت دون ذنب، ودفعت ثمنا باهظا لإهمال قاتل من مهندس كان يفترض أن يكون عين الأمان، لا يد الخراب.
وتابعت أن المتهمين اقترفوا خطأ لا يغتفر لا عن جهل تام، بل عن تخاذل مهني، وتفريط في أقدس واجبات مهنتهم، فخانوا الأمانة التي أقسموا عليها، وتجاهلوا أبسط قواعد الأصول الفنية التي تعلموها، أو كان يجب أن يعلموها، واختاروا أن يغضوا الطرف عن مواضع الخطر، فتركوها تنمو في صمت حتى انفجرت في وجوه الأبرياء.
وأضافت المحكمة أن المهندس الفني ليس موظفا عابرًا، بل هو الحارس على سلامة الأرواح والمنشآت، فإذا غابت عنه الدقة، وحكمه الاستهتار، وارتضى أن يُجري عمله كيفما اتفق، صار وجوده خطرًا على المجتمع، لا عونا له والمأساة هنا ليست مجرد "حادث" أو "واقعة مؤسفة"، بل جريمة مكتملة الأركان ضحاياها بشر لهم ووجوه وأحلام، قطعت حياتهم فجأة بلا إنذار، بسبب لحظة إهمال لم يكن لها أن تمر لولا استخفاف هؤلاء المتهمين بمسؤوليتهم، ومن ماتوا لم يكونوا أطرافا في تنفيذ أو تخطيط، ولا كانوا على دراية بما يدور من عبث خلف الجدران، بل كانوا ضحايا للثقة الزائفة في من ارتدى عباءة الخبرة، وهو لا يستحقها.
وأشارت الحيثيات أن المحكمة تزن هذا الملف بميزان العدل، لا تنظر إلى أرقام أو تقارير فنية فحسب، بل ترى نعوشا تحركت في صمت، وترى أمهات فقدن أبناءهن، وأطفالا باتوا بلا آباء، وكل ذلك لأن المهندس أخطأ، ولم يكن يحق له أن يخطئ، إن هذه الواقعة، بما تحمله من مرارة، يجب أن تكون علامة فاصلة، ورسالة صارمة لكل من يتعامل مع مهنته بخفة أو استخفاف، لأن الخطأ المهني في موضع المسؤولية، قد يكون حكما بالإعدام على الأبرياء.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها انه ما أثقل الخطأ حين يتحول إلى فاجعة وما أفظع التقصير حين تكون كلفته أرواحا بريئة، قضت دون ذنب، ودفعت ثمنا باهظا لإهمال قاتل من مهندس كان يفترض أن يكون عين الأمان، لا يد الخراب.
وتابعت أن المتهمين اقترفوا خطأ لا يغتفر لا عن جهل تام، بل عن تخاذل مهني، وتفريط في أقدس واجبات مهنتهم، فخانوا الأمانة التي أقسموا عليها، وتجاهلوا أبسط قواعد الأصول الفنية التي تعلموها، أو كان يجب أن يعلموها، واختاروا أن يغضوا الطرف عن مواضع الخطر، فتركوها تنمو في صمت حتى انفجرت في وجوه الأبرياء.
وأضافت المحكمة أن المهندس الفني ليس موظفا عابرًا، بل هو الحارس على سلامة الأرواح والمنشآت، فإذا غابت عنه الدقة، وحكمه الاستهتار، وارتضى أن يُجري عمله كيفما اتفق، صار وجوده خطرًا على المجتمع، لا عونا له والمأساة هنا ليست مجرد "حادث" أو "واقعة مؤسفة"، بل جريمة مكتملة الأركان ضحاياها بشر لهم ووجوه وأحلام، قطعت حياتهم فجأة بلا إنذار، بسبب لحظة إهمال لم يكن لها أن تمر لولا استخفاف هؤلاء المتهمين بمسؤوليتهم، ومن ماتوا لم يكونوا أطرافا في تنفيذ أو تخطيط، ولا كانوا على دراية بما يدور من عبث خلف الجدران، بل كانوا ضحايا للثقة الزائفة في من ارتدى عباءة الخبرة، وهو لا يستحقها.
وأشارت الحيثيات أن المحكمة تزن هذا الملف بميزان العدل، لا تنظر إلى أرقام أو تقارير فنية فحسب، بل ترى نعوشا تحركت في صمت، وترى أمهات فقدن أبناءهن، وأطفالا باتوا بلا آباء، وكل ذلك لأن المهندس أخطأ، ولم يكن يحق له أن يخطئ، إن هذه الواقعة، بما تحمله من مرارة، يجب أن تكون علامة فاصلة، ورسالة صارمة لكل من يتعامل مع مهنته بخفة أو استخفاف، لأن الخطأ المهني في موضع المسؤولية، قد يكون حكما بالإعدام على الأبرياء.