المحلل السياسي توماس جراهام: عصر انفراد أمريكا بإدارة شئون العالم انتهى - بوابة الشروق
الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 9:37 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

من يحسم السوبر المصري؟

المحلل السياسي توماس جراهام: عصر انفراد أمريكا بإدارة شئون العالم انتهى

واشنطن - (د ب أ)
نشر في: الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 1:26 م | آخر تحديث: الثلاثاء 28 أكتوبر 2025 - 1:28 م

ظلت الولايات المتحدة لعقود بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن العشرين منفردة بإدارة شؤون العالم باعتبارها القوة العظمى الوحيدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

لكن العقد الحالي شهد تغيرات جيوستراتيجية كبيرة أدت إلى عودة العالم متعدد الأقطاب وإن لم يكن بنفس درجة الوضوح التي كان عليها أثناء الحرب الباردة، فلم تعد واشنطن هي التي تستطيع تحديد نتائج أي صراع أو مواجهة.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال المحلل السياسي توماس جراهام زميل مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي قال إنه على الولايات المتحدة التعامل مع روسيا وحربها ضد أوكرانيا انطلاقا من حقيقة أن العالم الذي كان بإمكان الولايات المتحدة أن تحدد فيه النتائج بمفردها قد ولى منذ زمن طويل.

لذلك يرى جراهام إن هناك استراتيجيتين متاحتين أمام الولايات المتحدة للتعامل مع روسيا، الأولى الاحتواء، وهي الخيار المفضل لدى معظم مؤسسات السياسة الخارجية، والثانية التعايش التنافسي. ويتوقف الاختيار بينهما على تقييم ورؤية الولايات المتحدة لروسيا وعناصر قوتها الشاملة.

وكما كان الحال خلال الحرب الباردة، تتعامل استراتيجية الاحتواء مع روسيا كخصم عنيد ذي طموحات جيوسياسية لا تطاق في أوروبا وخارجها. ووفق منطق جورج كينان مستشار وزير الخارجية الأمريكي سابقا، يفترض هذا السيناريو أن إحباط الطموحات التوسعية لروسيا سيؤدي في النهاية إلى تآكل أسس نظامها وقيام روسيا جديدة أكثر انسجاما مع القيم الغربية، وشريك مُحتمل للولايات المتحدة، على غرار ما حدث مع الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة الذي تفكك وحلت محله روسيا التي تحولت إلى دولة متعايشة مع الولايات المتحدة والغرب في عصر رئيسها الراحل بوريس يلتسن.

في المقابل تنطلق استراتيجية التعايش التنافسي من افتراض أن روسيا منافس دائم، لا يستطيع الغرب تغيير نظامه الداخلي وعقليته الاستراتيجية بالضغط أو الإغراء. وترى هذه الاستراتيجية أن مهمة السياسة الخارجية الأمريكية لا تتمثل في هزيمة روسيا أو تغيير نظامها الحاكم، بل في إدارة التنافس معها بطريقة مسؤولة تمنع المواجهة العسكرية المباشرة، التي قد تكون كارثية على كلا الجانبين.

وتشترك استراتيجيتا الاحتواء والتعايش التنافسي في هدف الحفاظ على سيادة أوكرانيا ومنع عدوان روسيا على جيرانها. إلا أنهما تختلفان في فهمهما لكيفية معالجة القضيتين المحوريتين في هذا الصراع وهما ضمانات الأمن لأوكرانيا والتصرف في الأراضي المتنازع عليها بين موسكو وكييف.

وإذا أرادت واشنطن تبني سياسة الاحتواء في التعامل مع الحرب الروسية الحالية ضد أوكرانيا، فإنها ستتخذ موقفا مبدئيا يدعم حق أوكرانيا في الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حتى لو ظل هذا الاحتمال بعيد المنال في الوقت الحالي. كما لن تضع واشنطن في هذه الحالة أي قيود على تعاون أوكرانيا الأمني ​​مع الناتو أو حلفائها بشكل منفرد. وسترفض أي قيود على القدرات العسكرية لكييف تتجاوز التزامها الطوعي بعدم امتلاك أسلحة نووية. وسترفض أي اعتراضات روسية على الفور.

كما ستتمسك سياسة الاحتواء الأمريكية بوحدة أراضي أوكرانيا ضمن حدودها المعترف بها دوليا لعام 1991، رافضة أي تسوية سياسية تضفي الشرعية على المكاسب الروسية منذ عام 2014. وقد يتم التسامح مع السيطرة الروسية الفعلية على الأراضي المحتلة كواقع مؤقت. ومع ذلك، ستدعم الولايات المتحدة أوكرانيا دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا في جهودها لاستعادة تلك الأراضي بمرور الوقت.

معنى هذا أن استراتيجية الاحتواء تلبي الضرورات الأخلاقية والقانونية للدفاع عن السيادة ومقاومة العدوان، إلا أنها تنطوي على ثمن كبير. فحرمان روسيا من أي مخرج يحفظ ماء وجهها أو يقدم لها ضمانات أمنية، يعني المخاطرة بإطالة أمد الحرب. وقد يؤدي ذلك إلى حرب باردة جديدة، وزعزعة استقرار أوروبا، وتحميل أوكرانيا، الدولة التي تسعى واشنطن لحمايتها، تكاليف باهظة على المدى الطويل.

وعلى النقيض من ذلك، ستحث استراتيجية التعايش التنافسي أوكرانيا على تبني موقف الحياد العسكري كوسيلة لضمان سيادتها مع معالجة المخاوف الأمنية الروسية. وستتخلى كييف عن عضويتها في حلف الناتو وتوافق على عدم السماح بنشر قوات أجنبية على أراضيها، مع مواصلة تطوير قاعدتها الصناعية الدفاعية - باستثمارات وتكنولوجيا غربية - لبناء الأسلحة اللازمة للدفاع عن النفس. في الوقت نفسه ستحد هذه الاستراتيجية من القدرات العسكرية لأوكرانيا، كجزء من ترتيب متبادل يفرض قيودا مماثلة على القوات الروسية داخل منطقة محددة على طول حدود أوكرانيا مع روسيا وبيلاروس .

أما بالنسبة للمسائل الإقليمية، ستسمح استراتيجية التعايش التنافسي بالسيطرة الروسية الفعلية على الأراضي الأوكرانية التي استولت عليها، لكن دون الاعتراف بهذه السيطرة قانونيًا. وبدلا من السعي لاستعادة حدود عام ١٩٩١، ستفضل حلا قائما على مبدأ تقرير المصير المحلي، يسمح للسكان في المناطق المتنازع عليها بتحديد انتماءاتهم السياسية من خلال عملية ديمقراطية متفق عليها وخاضعة لإشراف دولي. ولن تضفي هذه النتيجة شرعية على الغزو، بل ستعزز حقا سياسيا أساسيا.

وهذه الاستراتيجية براجماتية أكثر منها تقوم على المبادئ، فهي تقر بأن أمن أوكرانيا لا يعتمد في نهاية المطاف على الالتزام الأخلاقي الغربي، بل على توازن قوى مستقر. ومن شأن ذلك أن يسمح لأوكرانيا بالبقاء، وإعادة البناء، والاندماج مع أوروبا، دون أن تصبح بؤرة اشتعال دائمة للمواجهة بين القوى النووية.

وتعتبر استراتيجية الاحتواء أكثر جاذبية لأنها تعبر عن قناعة أخلاقية وثقة قوة عظمى تقف على المسرح العالمي، كما فعلت الولايات المتحدة في سنوات ما بعد الحرب الباردة مباشرة. لكن العالم الذي كان بإمكان الولايات المتحدة أن تحدد فيه النتائج قد ولى منذ زمن طويل. لذلك تتيح استراتيجية التعايش التنافسي إطارا أكثر واقعية لإدارة المنافسة الدائمة مع روسيا في نظام متعدد الأقطاب؛ فلا يمكن للولايات المتحدة أن تهيمن، لأنها تواجه منافسا لا تستطيع هزيمته.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك