فقراء «رملة بولاق» بالقاهرة.. وحدهم فى مواجهة مصائب الشتاء - بوابة الشروق
السبت 10 مايو 2025 12:49 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

فقراء «رملة بولاق» بالقاهرة.. وحدهم فى مواجهة مصائب الشتاء

رملة بولاق  - تصوير هبه خليفة
رملة بولاق - تصوير هبه خليفة
كتب- إسماعيل الأشول:
نشر في: السبت 30 يناير 2016 - 9:52 ص | آخر تحديث: السبت 30 يناير 2016 - 11:08 ص

• فقراء «رملة بولاق» بالقاهرة.. وحدهم فى مواجهة مصائب الشتاء

• سيدة سبعينية: «المطر بينزل علينا من السقف.. ومحدش بيعملنا حاجة»

• المياه تهدد عشش ومساكن 600 أسرة.. وأبرز مطالبهم: «الصرف الصحى»

• عائلة كبيرة تفقد مسكنها فى حريق.. وتواجه البرد القارس فى العراء

• الحكومة غائبة.. ونائب الدائرة يقدم للمتضررين ألفى جنيه و7 بطاطين و3 خيام من قماش

• أحد المتضررين: المنزل احترق بأدواره الثلاثة والنيران أكلت كل شىء حتى جهاز ابنتى الكبيرة.. وآخر: أبيت فى الشارع مع زوجتى وأطفالى الثلاثة

• الباحثة فى شئون العمران أمنية خليل لـ«الشروق»: وضع المنطقة «معقد».. و«التطوير بالمشاركة» حل أمثل

• نجار خمسينى بالمنطقة: احنا تقدر تقول علينا «لوكس شوية».. فيه ناس تانية نايمة على الرصيف

 

من داخل عتبة عشتها الصغيرة، بمنطقة رملة بولاق، وسط القاهرة، انحنت السيدة نادية محمد (70 عاما)، الأربعاء الماضى، تجمع المياه التى خلفتها الأمطار أمامها بخرقة بالية، تعصرها فى إناء صغير، ومنه لإناء أكبر قليلا من الصفيح، ثم تحمله بيد مرتعشة وأخرى تستند إلى الجدار، وتسير لعشرات الأمتار فى طريق مليئة بالوحل، حتى تفرغ المياه، ثم تعود لتكرر ما فعلته فى صبر مرير، وقد علا وجهها، الذى غزته التجاعيد، شحوب من ضاقت عليه الدنيا دون بارقة أمل.

لمحت السيدة العجوز، الكاميرا فى يد مصورة «الشروق»، فرفعت صوتها قليلا لتقول: «مش عايزة أتصور»، قبل أن تبتسم وهى تستقبل طفلا صغيرا تصله بها علاقة نسب، على جسده ملابس خفيفة، رغم انخفاض درجة الحرارة وقتها إلى 11 درجة مئوية.

«ناس كتير جاءوا هنا وصورونا ومعملوش حاجة زى ما انتوا كمان مش هتعملوا.. لم يقدم لنا أحد شىء.. لا الحكومة ولا غيرها»، هكذا أضافت، ثم حركت يدها اليمنى تشير بها نحو العشش فى حركة نصف دائرية، مع إيماءة من رأسها يمينا ويسارا، مواصلة حديثها: «أديكم شايفين.. مية المطر بتنزل علينا من السقف على السرير».

نادية واحدة من 600 أسرة تقريبا تسكن منطقة «الرملة»، البالغة مساحتها نحو أربعة أفدنة، ويصنفها صندوق تطوير العشوائيات الحكومى ضمن المناطق «غير الآمنة من الدرجة الثانية».

محطات فى عمر الأزمة
حاولت الحكومة، بحسب قرار محافظ القاهرة رقم 8993 لسنة 2011 بالاستيلاء على تلك الأرض تحت مسمى «الاستيلاء المؤقت على الأرض الواقعة بها عشوائيات نايل تاورز»، والمنشور فى جريدة «الوقائع المصرية»، فى 20 يونيه 2012، إلا أن الأهالى احتجوا ضد القرار، وسلكوا الطريق القانونى، حتى أصدرت محكمة القضاء الإدارى فى الثامن والعشرين من أغسطس 2013، حكما بـ«وقف تنفيذ قرار المحافظ»، فى دعوى أقامها المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية وعدد من المحامين بالنيابة عن سكان المنطقة.
معاناة مواطنى «الرملة» مع الأمطار، المتكررة كل عام، تتزايد خلال الموسم الحالى يوما بعد آخر، خاصة مع تصريح رئيس هيئة الأرصاد الجوية الدكتور أحمد عبدالعال، أمس الأول، بأن مصر شهدت خلال العام الحالى سقوط كمية أمطار تعادل عشرة أضعاف ما كانت تتعرض له سابقا.

أكثر من مصائب المطر
ليس فقط من «لا يملك الحب يخشى الشتاء» كما يقول الشاعر الفلسطينى الراحل محمود درويش، وإنما أيضا من «يعيش فى رملة بولاق يخشى الشتاء». فمعاناة أهالى المنطقة، تفرض كلمات أخرى من قصيدة شاعر فلسطين «فكر بغيرك»، التى يقول فى سطر منها: «وأنت تعود إلى البيت، بيتك، فكر بغيرك، لا تنس شعب الخيام».

ففى هذه المنطقة القريبة من نيل مصر الخالد هناك عائلة بأكملها، مكونة من عدة أسر، تعيش مأساة حقيقية منذ نحو اثنى عشر يوما، وتحديدا مساء الأحد قبل الماضى عندما احترق منزل سيد عبدالفتاح الذى كان يأويهم، فأصبحوا فى العراء.

لم يعد أمام العائلة إلا المبيت فى خيام، تسندها أسياخ من حديد، وكشك خشبى كان معدا لإيواء الماعز، نتيجة نشوب حريق فى مأواهم البسيط، بعد انفجار اسطوانة غاز، أثناء استخدام زوجة سيد، السيدة نور الهدى، موقدا كان متصلا بالأسطوانة، وأتى الحريق على المنزل بكل ما فيه، من حوائط وأثاث وأدوات منزلية وجهاز لواحدة من بناته فى عمر الزواج.

وبدت السيدة نور غير قادرة على الوقوف، وهى تروى لـ«الشروق» معاناة شركائهم فى مسكن العائلة، الذى كان يضم بضعة أسر تنتمى كلها للعائلة، كما دمعت عيناها وهى تصف تأثير برد الشتاء القارس، وهم فى خيمة لا تمنع مهاجمة المطر لهم من السماء ليلا، ولا تقلل من آثاره المحيطة بهم على الأرض نهارا.

فور وقوع الحريق، استقبل محررو بعض المواقع الالكترونية رسالة من حملة نائب دائرة بولاق أبو العلا وقصر النيل بمجلس النواب عن حزب المصريين الأحرار، محمد المسعود، تفيد بزيارته للأسرة المنكوبة، مرفق بها العديد من الصور، مع سطور قليلة جاء فيها أنه «فور إطفاء الحريق والاطمئنان على سلامة الأهالى أشار سيادته بضرورة وجود حلول جذرية لتطوير المنطقة وإيجاد حياة كريمة لأهالى المنطقة بالتنسيق مع صندوق تطوير العشوائيات ووزارة الإسكان».

لكن واقع الحال لدى الأسرة المنكوبة، أضاف بعض التفاصيل إلى رسالة المسعود بشأن زيارته للمنطقة، إذ ترك النائب لمواطنى دائرته الانتخابية المتضررين من الحريق، ألفى جنيه، وثلاث خيام قماشية، وسبع بطاطين من النوع الرائج فى أسواق بولاق أبو العلا بمتوسط أسعار لا يتجاوز عشرات قليلة من الجنيهات.

وأضافت السيدة نور، وهى تنظر فى إرهاق إلى بقايا مسكنها المتفحم : «كل من جاء لمعاينة ما حدث وعد بالمساعدة لكن لم يعد أحد»، فى حين قال عدد من أبناء المنطقة لـ«الشروق» إن منافس المسعود الخاسر فى الانتخابات الماضية، محمد حمودة «ما زال يرعى بعض الأسر بمبالغ شهرية وبعض المساعدات».

أحمد عبدالفتاح ( 33 عاما)، أحد أفراد الأسرة التى احترق مسكنها، وهو أب لثلاثة أطفال صغار، هم محمد وشهد وشروق، قال من داخل خيمته: «الحكومة جاءت بعد وقوع الحريق، وبتوع البرلمان، وقالوا هنيجى نعمل ونسوى، ومرت عشرة أيام ولم يحضر أى منهم». ويعمل عبدالفتاح، بحسب قوله، حدادا باليومية «يوم عمل ويومين لأ».

ناصر محمد (42 عاما)، سائق من أبناء المنطقة، وقف أمام بيته، وأشار إلى بعض الحوائط المتهدمة، وقال: «يا إما يشتروا مننا (الأرض والبيوت) بسعر كويس وعادل، أو يطوروها صح، جيراننا أصحاب الأبراج الفخمة على النيل اشتروا قديما بعض القطع الصغيرة بأسعار بخسة، ويريدون منا البيع بأسعار مماثلة، ونحن لن نترك بيوتنا مهما حدث، ونطالب الحكومة بتوصيل الصرف الصحى بعدما تمكن أهل الخير من توصيل المياه لنا».

وذكر محمد أنه يقطن فى غرفة واحدة رفقة أسرته المكونة من زوجته وخمسة أبناء، بينهم ابنة واحدة، وأربعة ذكور.

 

على محمود ومحمد عبدالرحيم، اثنان من مواطنى المنطقة فى العقد الخامس من العمر، يعملان فى ورشة صغيرة للنجارة، فى جانب صغير من شارع ضيق لا يتجاوز عرضه أمتار قليلة، كانا يتدفئان على نيران بعض الفحم، وعيونهما ترقب بقلق غيوم السماء خشية عودة الأمطار وانقطاع الكهرباء، فيتعطل عملهم.

وفور وقوع ماس كهربائى بسيط من سلك ملفوف على عرق خشبى أعلى الورشة الصغيرة، ابتسم على ضاحكا لـ«محرر الشروق»، وقال: «أهو.. شوفتوا بنفسكم اللى احنا فيه»، فيما انشغل محمد باختبار بعض الآلات وتشغيلها مرة أخرى.

وعن أحوال مساكنهم أضاف: «الميه بتنزل علينا واحنا نايمين.. بس احنا هنا تقدر تقول علينا لوكس شوية.. فيه ناس نايمة على الرصيف لعدم قدرتهم على بناء بيوتهم المتهدمة أو توفير مأوى بديل».

العشش جارة أبراج الـ 34 طابقا
فى طريق الدخول إلى عشش رملة بولاق، ستضطر لترك السيارة التى ترافقك فى الخارج، لضيق الشوارع فتصبح أقل بكثير من وصف «الزقاق»، ثم تدير ظهرك لهذا البؤس فترى أبراج «نايل سيتى» ذات الـ 34 طابقا، وتضم الفنادق والمطاعم ومقار الشركات الشهيرة، فيصبح المشهد جاذبا باستمرار لعدسات المصورين الراغبين فى إبراز التفاوت الطبقى الشاسع فى مصر.

أما حين تغادر المنطقة فسيكون كورنيش النيل على امتداده أمام عينيك، تحجبه أحيانا المبانى الشاهقة، وسواء واصلت طريقك نحو قلب القاهرة سيرا على الأقدام أو عبر أى وسيلة انتقال، فستكون خلال دقائق قليلة أمام عدد من أبرز وأهم مقار ومعالم العاصمة مثل ميدان التحرير، ومقر مجلس الوزراء، ومجلس النواب، وعدد من أهم الوزارات، أبرزها الداخلية والصحة والإسكان.
البحث عن حل.

الباحثة فى شئون العمران، بمجموعة «10 طوبة»، أمنية خليل، والمعنية بواقع المنطقة منذ سبتمبر 2012، قالت فى تصريحات لـ«الشروق» من أمريكا، إن الحل الأمثل لمعاناة مواطنى رملة بولاق، «يكون من خلال التطوير بالمشاركة».

وأوضحت: «كما فعلنا فى مجموعتنا، حيث ظللنا لأشهر نجرى بحثا فى المنطقة ونستمع للأهالى، من أجل بلورة رؤية مشتركة لكيفية تطوير المنطقة وليس إزالتها أو نقل سكانها».

خليل، التى نالت درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية عن رسالة تطرقت لقضية رملة بولاق، بعنوان «ناس المدينة.. العمل والفراغ وعلاقات القوى»، أضافت أنه من المهم «تضمين أى رؤية للحل، مطلب تطوير بيوت السكان وحياتهم وهم فى أماكنهم، من خلال ترميم بيوتهم، ومدهم بالخدمات، وتقنين وضع حيازتهم، وما إلى ذلك».

وردا على سؤال بشأن مدى تواصلهم مع صندوق تطوير العشوائيات، بشأن رؤيتهم للحل، قالت: «تواصلنا مع وزارة التطوير الحضرى والعشوائيات فى محاولة للوصول لرؤية تشبه مشروع تطوير مثلث ماسبيرو، حسب رغبة الوزارة، ولكن المفاوضات، لم تصل لشىء للأسف، قبل حل الوزارة، لأن وضع رملة بولاق معقد».

وحول وجه التعقيد بالتحديد فى وضع المنطقة، اكتفت خليل بالقول إنها: «أشياء مختلفة، منها ملكيات الأراضى ورغبة الوزارة فى تنفيذ نفس شروط رملة بولاق مثل مثلث ماسبيرو، واتفاقات الأهالى مع بعضهم»، دون أن تقدم مزيدا من التفاصيل، إلا أنها أكدت على ضرورة إعلاء «فكرة العدالة الاجتماعية فى العمران، فهى الطريق لاحتواء الناس ومشاكلهم وليس معاداتهم ومعاملتهم باعتبارهم مواطنين درجة عاشرة».

وحذرت خليل من «مخاطر اللجوء لتطوير المنطقة بإجلاء السكان عن منازلهم البسيطة التى يملكونها، مقابل توفير وحدات صغيرة فى أبراج سكنية، يرد ذكرها فى مقترحات تطوير المنطقة، من جانب الحكومة أو من جانب الداعين لتدخل مؤسسات أخرى فى الدولة فى التطوير».

وزادت: «نمط وثقافة الطبقة الوسطى فى المسكن لا يصلحان لغيرها، لذا فاللجوء لتلك الحلول سيجعل سكان المنطقة يعانون، كما سيخلق نوعا من العنف الاجتماعى داخل أسرهم، لضيق المساحات التى يعيشون فيها».

و«10 طوبة»، مجموعة متخصصة فى رصد واقع «المجتمعات المحرومة عمرانيا»، وتهدف لـ«تحسين الظروف العمرانية والمجتمعية وتحقيق المسكن الملائم لساكنيها»، بحسب ما هو منشور على موقعها الالكترونى http://www.10tooba.org/.

حصر حكومى لعشوائيات القاهرة
وكان صندوق تطوير المناطق العشوائية، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، قد أعلن حصرا عام 2011، للمناطق العشوائية «غير الآمنة» بالقاهرة، وقدرها بسبعة وخمسين منطقة، تتفاوت فيما بينها فى درجة «غير الآمنة»، منها 14 تحتل الدرجة الأولى فى تصنيف «غير آمنة»، و32 فى الدرجة الثانية، و10 مناطق فى الدرجة الثالثة، ومنطقة واحدة مصنفة بأنها غير آمنة من الدرجة الرابعة، وأعلنت الحكومة حينذاك تخصيص 191 مليون جنيه لتطويرها.

وذكر تقرير الصندوق أن تلك المناطق موزعة على أحياء مصر القديمة والسلام والنهضة والمرج والمطرية ومدينة نصر ومنشية ناصر والخليفة والسيدة زينب وحلوان.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك