قصور منسية (8).. قصر الأميرة خديجة: هبة البرنسيسة لوزراة الصحة - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:17 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصور منسية (8).. قصر الأميرة خديجة: هبة البرنسيسة لوزراة الصحة

منال الوراقي:
نشر في: الخميس 30 مارس 2023 - 7:35 م | آخر تحديث: الخميس 30 مارس 2023 - 7:35 م

القصور التاريخية في مصر ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي تاريخ لا يزال حيا، سجل يُخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد، وظروف عصر خال، وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنوات، لكنها ظلت تحمل شيئا من توقيعه، لا يزال محفورا في ومضة هنا أو أخرى هناك.

تلك القصور ما هي إلا تاريخ لم تطوه كتب أو مجلدات، فلا يزال حيا نابضا يثبت أنه أقوى من كل محاولات العبث التي بدأت بعشوائية المصادرات ومحو أسماء أصحاب القصور من فوق قصورهم، ولافتات الشوارع التي حملت يوما أسماءهم تخليدا لدور قدموه للوطن أو خدمة جليلة قاموا بها لنهضة مجتمعهم.

في سلسلة "قصور منسية" تستعرض "الشروق" خلال شهر رمضان الكريم، قصصا لقصور مصر المنسية، استنادا إلى كتاب "قصور مصر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للباحثة سهير عبدالحميد، والذي يتناول قصص وحكايات وراء أشهر القصور المصرية.

قصر الأميرة خديجة.. هبة البرنسيسة لوزراة الصحة

اللوحة التأسيسية على يمين الداخل من بوابة ذلك القصر تشير إلى أنه قدم كهبة من سمو الأميرة خديجة عباس حليم لوزارة الصحة التي أنشأت به مستشفى جراحة العظام، وقد افتتح للعمل في 1362هـ / 1943م وبعد ذلك بسنوات تحول القصر إلى مقر لرئاسة حي حلوان، وظل الحال على ما هو عليه حتى مطلع التسعينيات، حيث تركته رئاسة الحي إلى مبنى حديث بالجوار، وبقي القصر خاويًا.

القصر المكون من طابق أرضي وطابق أول أشبه في تصميمه المعماري بطراز الكشك الياباني، وهو أحد القصور والفيلات القليلة الباقية في حي حلوان منذ التفت إليها الخديو إسماعيل بعد اكتشاف عيونها الكبريتية.

حلوان.. المدينة التاريخية
وحلوان واحدة من أقدم مدن مصر، وكانت في الأصل مدينة فرعونية وفيها أول سد مائي في التاريخ بمنطقة وادي حوف، ولكنها اندثرت عبر العصور إلى أن أحياها عبد العزيز بن مروان والي مصر من قبل الأمويين، وكان قد خرج من الفسطاط العاصمة متجهًا إلى الجنوب بعد أن دب الوباء في الفسطاط فأعجبته حلوان واتخذها عاصمة مؤقتة وأنشأ بها الدور والقصور وعندما توفي نقل منها إلى الفسطاط عن طريق النيل، وفيها ولد ابنه الخليفة الأموي خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز.

واندثرت حلوان الأموية إلى أن أعاد بناءها الخديو إسماعيل كمدينة للاستشفاء مستغلًا مياه عيونها الكبريتية، فبنى فيها قصره الشهير وخط الوزراء والأمراء والباشاوات القصور حوله.

الأميرة خديجة.. ابنة العائلة العلوية
أما الأميرة خديجة صاحبة القصر فهي سليلة فرع من العائلة العلوية، لطالما أحس أنه الأولى بالعرش وكان دوما الأكثر التصاقا بالشعب رغبة في التقرب إليه وكسب وده، فهي سليلة فرع الأمير محمد عبد الحليم محمد علي الابن الأصغر للباشا، وقد كان الأجدر بالعرش من الخديو توفيق إلا أن الخديو إسماعيل نجح - من خلال محاولاته لدى الباب العالي - في حصر عرش مصر في أكبر أبنائه توفيق.

وفي المقابل، بذل الأمير حليم عم إسماعيل والأمير مصطفى فاضل شقیق إسماعيل المساعي والأموال الطائلة في الآستانة لإحباط مساعي إسماعيل، إلا أن الأخير كان أكثر مالا فنجح في استصدار فرمان 1866 م الذي قضى بحصر حكومة مصر في ذرية إسماعيل، فآلت وراثة العرش إلى أكبر أبنائه توفيق بدلا من أيلولته إلى أكبر ذرية محمد علي من الذكور الباقين على قيد الحياة كما كانت تقضي بذلك تسوية 1840م.

وقد اتسع الخلاف على أثر ذلك بين إسماعيل وكل من مصطفى فاضل وعمه عبدالحليم، فذهب الأميران إلى الأستانة للاعتراض على هذا القرار ولكن دون جدوى.

وفي نهاية الأمر، استطاع الخديو إسماعيل القضاء على مطامع الأمير فاضل في وراثة العرش بشراء أملاكه كافة بمصر والإسكندرية نظير مبلغ قدّر بنحو مليونين ومئة وثمانين ألف جنيه، مما اضطره إلى الهجرة والإقامة في باريس تارة والآستانة تارة أخرى، حيث أخذ يحيك المؤامرات ضد أخيه، فانضم إلى أحرار تركيا القائمين ضد نظام الحكم إلى أن توفي في الآستانة 1875م.

أما الأمير حليم فقد انعزل في قصره بشبرا منذ صدور فرمان 1866م، ولكن إسماعيل أصدر أوامره بإبعاده عن مصر ومنحه 60 ألف جنيه سنويًّا لمدة أربعين سنة اعتبارًا من تاريخه، في مقابل تنازل الأمير حليم عن كافة ممتلكاته بالقطر المصري من أطيان وعقارات وحقوق في العرش، على ألا تطأ قدمه أرض مصر، كما خفض راتبه السنوي عام 1880م إلى 15 ألف جنيه.

‎وبهذا غادر الأمير مصر إلى الآستانة إلا أن الأمل ظل يداعبه، فبريق العرش لم يخفت في ناظريه عندما تولى توفيق حكم البلاد، وعلى أثر قيام الثورة العرابية حاول حليم التقرب من قادتها إلا أن عرابي كان يكره الأسرة العلوية بأكملها، ولكنه كان يرى الرضا بحليم خطوة لإنهاء الحكم القائم، ويمكنهم إطاحته إذا ما كان كسلفه، فقامت الاتصالات بين حليم وقادة الثورة من خلال أتباعه في مصر، وكان من بينهم عبد السلام المويلحي وكيل دائرة الأمير حليم، وكذلك حسن موسى العقاد الذي قام بجمع التوقيعات من الأهالي بعزل توفيق وتولية البرنس حليم، وقام بإرسالها إلى السلطان.

‎كما تقرب البرنس من عرابي ورجاله بالهدايا، وقامت شقيقته الأميرة زينب بالدعاية له في مصر، وكذلك فعل يعقوب صنوع عن طريق جريدته "أبو نظارة" التي كان يصدرها من باريس، بل ومن خلال مسرحية "الواد المرق وأبو شادوف الحدق" وفيها أظهر الظلم الذي انتاب الفلاحين‎على يدي توفيق.

وقام الأمير حليم بزيارة السفارات الأجنبية خلال وجوده في الآستانة في محاولة لاستمالة الدول الكبرى إلى جانبه، حتى إن السلطان العثماني أعلن في اجتماع مجلس النظار العثماني في 27 مايو 1882م رغبته في عزل الخديو توفيق وتعيين حليم.

‎وفي الوقت الذي أيدت فيه فرنسا تعيين حليم، وقفت إنجلترا بشدة في وجه عزل توفيق، وكذلك أعلن رئيس وزراء إيطاليا عدم ميله إلى حليم، وكذلك وزير خارجية النمسا، لأن حليم كان أقرب للمدرسة التركية وقد يؤدي تعيينه وعزل توفيق إلى تعديل نظام وراثة العرش، مما يهدد الأوضاع القائمة في مصر وتعهدات مصر الدولية دون أن يؤدي لاستقرار نظامها، وهكذا قادت موازين السياسة الأوروبية إلى القضاء على أحلام حليم في العرش.

‎وقد انخرط أبناء هذا الفرع من الأسرة العلوية في العمل الخيري والاجتماعي؛ حيث نقرأ أنه في عهد الخديو عباس حلمي الثاني وبالتحديد في 5 مايو 1905م، تشكلت لجنة برئاسة الأمير سعيد باشا حليم ووكالة الأمير عباس حليم باشا لفتح باب التبرع للإنفاق على الإرسالية المصرية إلى البلاد الأوروبية لتلقي علوم الطب والرياضيات.

الأميرة خديجة وأسرتها العلوية
‎أما الأمير عباس والد الأميرة خديجة فكان -كما يصفه الكاتب ‎الصحفي محمد حسنين هيكل في إحدى حلقات برنامجه "مع هيكل"- رجلاً شعبيا، وكان يحاول دائمًا أن يتسم بتلك الصفة، وكان يكره الملك فؤاد ولم يعترف مطلقًا بفاروق كملك.

‎وقد اشتهر الأمير عباس حليم بمواقفه المساندة للحركة العمالية المصرية، وقد تم تحديد إقامته في قرية الواسطى بصعيد مصر ثم سيناء بأمر من المندوب السامي البريطاني.

‎آخر بناته النبيلة أوليفيا عاشت بين القاهرة وإيطاليا والإسكندرية، وتزوجت من رجل أعمال إيطالي وأنجبت منه ولدًا وبنتًا، وكانت تلقب بجميلة جميلات مصر لجمالها الخلاب وأناقتها، وقد رحلت عن الدنيا في ‎مايو 2006.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك