مسيرة الفنانة الراحلة مديحة يسري، التي غيبها الموت في الساعات الماضية، حافلة بالأعمال الفنية المتنوعة؛ فقد شاركت في بطولة ما يزيد عن 90 فيلمًا سينمائيًا وقرابة 15 مسلسلًا، قدمت من خلالهم أدوار مختلفة بداية من الفتاة الارستقراطية المدللة إلى السيدة التي تنادي بحقوق المرأة والمهتمة بالشأن العام المطالبة المساواة بينها وبين الرجل إلى دور الأم المسؤولة والمهمومة بأبناءها.
كان أول أعمالها الفنية، وأول تجربة تخوض فيها التمثيل في عام 1940 عندما منحها المخرج دورًا صغيرًا في فيلم «ممنوع الحب» لمحمد عبد الوهاب، وفي عام 1942 عرض عليها المخرج كمال سليم دور البطولة في فيلم «أحلام الشباب» مع الفنان فريد الأطرش، وهي من طلبت من شركة الإنتاج «أفلام النيل للإنتاج والتوزيع» أن تضع شرطًا جزائيًا في العقد الخاص بها يتضمن أن تدفع مديحة أموالا ضخمة في حالة اعتذارها عن العمل؛ لأنها كانت تعلم مدى معارضة أسرتها لفكرة التمثيل، والدخول لعالم "المشخاصتية"، وعندما علم الأب وطلب منها إلغاء تعاقدها طالبته شركة الإنتاج بدفع قيمة الشرط الجزائي، فلم يكن أمامه إلا الرضوخ لرغبة ابنته.
وبعد عرض الفيلم حصلت مديحة يسري على إعجاب النقاد والجمهور، بشكل شجع والدها على مساعدتها في قراءة واختيار ما كان يعرض عليها من سيناريوهات لتختار ما فيه خدمة الإنسانية، ومع بداية الخمسينات بدأت رحلة "مديحة" في تقديم أعمال مع كبار مخرجي تلك الفترة ومن بينها «أمير الانتقام» و«لحن الخلود» مع المخرج هنري بركات، و«من أين لك هذا» للمخرج نيازي مصطفى، وفيلم «مؤامرة» و«أرض الأحلام» للمخرج كمال الشيخ، و«إني راحلة» لعز الدين ذو الفقار، وحاولت الخروج من عباءة دور الفتاة الارستقراطية التي حصرها فيها مخرجي هذه الفترة، بتقديم أفلام مثل «ابن الحداد»، و«المصري أفندي».
ومن الأمور التي ميزت مشوار مديحة يسري الفني، تقديمها لدور وشخصية الأم في سن صغير وكان من بين هذه الأفلام وأهمها دورها في فيلم «الخطايا» حين قدمت دور الأم للفنانين عبد الحليم حافظ وحسن يوسف عام 1962، ووالدة للفنانة سعاد حسني في فيلم «عريس ماما» في منتصف الستينات أيضًا.
وانتجت 18 فيلما سينمائيا عالجت من خلالهم قضايا أثارت اهتمامها وفي مقدمتها علاقة المرأة بالرجل والمجتمع الذي تعيش فيه، ومن أبرز تلك الأفلام فيلم «الأفوكاتو مديحة» مع يوسف وهبي، وفيلم «بنات حواء» مع محمد فوزي، الذي طالبت فيه بالمساواة بين الرجل والمرأة.
وكان لمديحة 3 زيجات من الوسط الفني، أثرت بأشكال عدة على مسيرتها الفنية؛ وكان أولها عند زواجها من المطرب والملحن محمد أمين، وبعد الزواج أسسا شركة إنتاج سينمائي وأنتجا خلال فترة زواجهما، 4 سنوات العديد من الأفلام مثل «أحلام الحب»، و«غرام بدوية»، و«الجنس اللطيف».
وبعد انفصالهما تزوجت مديحة يسري من الفنان أحمد سالم عام 1946، ولكنها زيجة لم تستمر طويلًا، لتتزوج من الفنان محمد فوزي، وكان أول لقاء بينهما في فيلم «قبلة في لبنان»، وبعد زواجهما اشتركت معه في بطولة العديد من الأفلام التي جعلت منهما ثنائي يحبه الجمهور ومرتبط بذهنه إلى يومنا هذا، فقدما أفلام عدة مثل فيلم «فاطمة وماريكا وراشيل» الذي يعد أول تجربة كوميدية لها، وفيلم «آه من الرجالة»، و«بنات حواء».
وفي التلفزيون شاركت مديحة يسرى في العديد من المسلسلات التلفزيونية، ومنها مسلسل «هوانم جاردن سيتي» ومسلسل «يحيا العدل»، و«طائر العنق»، و«وداعا يا ربيع العمر» وغيرها من المسلسلات التي لاقت استحسان الجمهور، آخرها مسلسل «قلبي يناديك» عام 2004.
كما كان آخر أدوارها السينمائية دور الأم لثلاثة ابناء في مراحل عمرية مختلفة مع الفنان عادل إمام في فيلم «الارهابي» عام 1993.